يواصل الفنان عز الدين الهاشمي الإدريسي، بألق وجسارة، رحلته الجمالية من أجل بلورة أوفى وأعمق لما يمكن وسمه بالكوسموغونيا البصرية، مازجا بين البحث الأنثربولوجي في الإرث الإيقونوغرافي الموريسكي بكل ما يحبل به من تزاويق ووشي وزخارف وعمارة ورقش، والبحث التجريبي في عناصر التشكل الكوسموغوني لهندسة الكون بما ينطوي عليه من أسطقسات وأجرام وأفلاك ومجرات وسدُم فلكية. ولئن كان عز الدين الهاشمي قد حرص في معرضه السابق «جسر بين عالمين» على بناء تواشجات إستيقية وهندسية خلاقة بين الميكروكوسم والماكروكوسم، أو بين هندسة الإنسان وهندسة العالم، فإنه يعمل في معرضه الحالي «كوسموغونيا أندلسية» على المضي أبعد في استغوار دلالات تلك الواشجة السرية الغميسة بين مورفولوجيا الكون وفينومينولوجيا المتن البصري الموريسكي. وبمنأى عن فخ الثنائية الضدية تشخيص/ تجريد، هندسي/غنائي، يذهب الفنان الهاشمي الإدريسي، في استراتيجيته الجمالية التجريبية، إلى بناء ميثاق كوسمولوجي جديد يتغيا القبض على اللامرئي خلف المرئي، وعلى الماهوي خلف العرضي، متجنبا كل منزع صوري فج، وكل استعادة مرآوية لصورة العالم ولعلاقاته السببية. كما يعمل فناننا، بشكل موفق، على تلطيف الموتيفات والإيقونات الهندسية وتعويمها في سديم كروماتي من التزاويق والتوريقات والسطوح، الشيء الذي يجعل من منجزه البصري لحظة تصاد خلاّق بين الخطوط والتكوينات الهندسية من جهة وبين الكتل الأورفية المتفلتة والهاربة من جهة أخرى. بيد أن ما يشدُّ العين أكثر في لوحات عز الدين الهاشمي الإدريسي هو أنها تنحو شطر ضرب من الامتلاء الجمالي الواعي الذي ينأى بها عن المينيمالية المفتعلة، كما يجنبها مأزق الفراغ البصري، ويجعلها في النهاية لحظة عناق أخاذ بين عالمين إستتيقيين يملآن العين بهجة ودهشة؛ عالم الزخارف والرقش والأرابيسك الذي يحيل إلى الموروث الفني الأندلسي، وعالم الأفلاك والكواكب والامتدادات السديمية، الذي يرتبط بالهندسة الكوسمولوجية. ومن خلال هذين العالمين وعبر مفرداتهما الإشارية وإيحاءاتهما الرؤياوية يجنّح الرائي في أرخبيلات الخيال البصري، وتأخذه شعرية الهاشمي الكروماتية بعيدا، عن كل تمثيل ميمي للعالم، وعن كل استنساخ آلي لنتوءات الذاكرة وتضعه إزاء منجز بصري آسر ومولد للمتعة؛ إنها حقا متعة بصرية لا حد لضفافها وشطوطها. باحث في الجماليات