لا أجد عنواناً لقراءة هذه الرواية، أَوْفى بالقصد وأَعْزف على الوثر، من عنوان الرواية ذاته (انكسار الريح). عنوان شعري وملحمي في آن، مَنْحوت بحس مرهف ومَجْبول من الطينة الساخنة للوقائع والأحداث الدرامية التي يَسْردها النص ويغُوص في أتونها. عنوان يكثِّف بشفافية وبَهاء مضمون ومَخْزون هذه الرواية. وينْضَح بشُجونها وهمومها وتراجيديا مصيرها. ريحٌ ثائرة تهبّ على جبال الريف غداة 1958، احتجاجاً على تدنِّي الأوضاع وبؤس الحال والمآل. وبغْتةً وعلى حين غرة تكْبُو الريح وَتنْدحر. بغتة يقع انكسار الريح. تتحرك الرواية إذن فوق صفيح ساخن. وتسعى سطورها فيما يشبه مَزْرعة ألغام، لاتزال أصداء انفجاراتها وكلوم وقائعها لصيقة بالذاكرة والوجدان. هنا تكْمن أهمية وحساسية هذه الرواية، وهنا أيضاً يكْمن إشكالها وامتحانها. في منَاسبة سابقة، شاركت في لقاء أدبي بالناظور، حول (الريف في الرواية المغربية). وقد طرحت في مستهل مداخلتي جملة ملاحظات أولية، أقْتَصر منها هنا على اثنتين. [الملاحظة الأولى، إن حضور الريف على أهميته الجغرافية والتاريخية، يبدو محدوداً ونزراً في الرّواية المغربية. الملاحظة الثانية، إن الريف مَنْجم تاريخي ونضالي وحكائي، زَاخر بالأَحْجار الكريمة والمعادن النفيسة، بيد أن الروايات القليلة التي قاربت الريف، قاربته كفضاء روائي، ومكان روائي في الدرجة الأولى، ومن زاوية حضور الذات السادرة في هذا الفضاء وهذا المكان. بما يعني هنا، حضور الذات في الريف، أكثر من حضور الريف في الذات. ونستثني من هذه الملاحظة، رواية (انكسار الريح) الصادرة حديثا 2008 للكاتب أحمد المخلوفي. وهي تروي وقائع ساخنة من انتفاضة الريف 1958 التي قادها محمد سلام أمزيان]. ذلك ما قلته هناك، وأؤكده هنا. والريف لذلك، يحضر في هذه الرواية بكل زَخمه التاريخي والجغرافي والاجتماعي والسيكولوجي، من خلال سارد حصيف ورهيف، طالِع من جبال وتلال هذا الريف، وعايش وقائعها الساخنة عن كثب، لحظة فلحظة، وروى مسلسله التراجيدي حلقة فحلقة. فهي إذن رواية ريفية بامتياز. الريف هو بطلها وعمقها الحكائي مكانا وزمانا ووقائع وشخوصاً. هي رواية مكتوبة بلغة عربية جزلة وناصعة، لكنها ناضحَة من إنَاء الريف، وملتحمة ببيئته وخصوصيته، ونافذة إلى بواطنه ودواخله. إن التِّيمة المركزية في هذه الرواية، أو لنَقُلْ إن الجمرة الحَديثة والحكائية فيها، هي انتفاضة 1958 التي قادها محمد سلام أمزيان. من هنا تنْبَع، كما أسلفت، أهمية وحساسية هذه الرواية، كما ينبع أيضاً إشكالها وامْتحانها، أي المرور من الواقعي التاريخي المتحقّق على الأرض بواسطة الفعل، إلى المتخيّل الروائي المتحقق على الورق بواسطة اللغة والقول. فكيف تحرك أحمد المخلوفي فوق الصفيح الساخن؟! وكيف سعت سطور روايته بين مَزْرعة الألغام؟! لا مِرَاء في أن موضوعاً تاريخياً ساخناً كانتفاضة 58، قد يسقط الرواية في فخ التاريخية أو التقريرية، لكن أحمد المخلوفي، كان روائياً ومبدعاً وهو يلتحم بالتاريخ ويتحرك فوق صفيحه الساخن، وكانت وسائله وذرائعه إلى ذلك، كما سنبين لاحقا، وسائل وذرائع روائية وفنية في الأساس، كتكسير رتابة السرد وجهامته بتنويع لغاته وأساليبه ووجهات نظره ورؤيته، بما يتناسب ويتلاءم مع مقامات السرد وسياقاته، وطفراته. وجعل الحب حاضراً في مجرى الأحداث وملتحماً بها، من خلال العلاقة الرومانسية الواشجة بين السارد وجليلة بنت القائد علوش أحد رموز الانتفاضة، ثم النبش في عمق المجتمع الريفي ورصد عَوائده وطقوسه ووصف فضاءاته وأمكنته. كل ذلك، وما سوى ذلك، يُضْفي طابع الروائية le romanesque على هذه الرواية العَارمة، ويجعل التاريخي والروائي منْدَغمين في بعضيهما. تقع أحداث هذه الرواية في قلب الريف، في قرية (إمْرابضن) الرابضة بين ترجيست والحسيمة. تقرأ في وصف هذه القرية. [هذه القرية التي يمتد أفقها من (تازمّورت) شرقاً حتى (تامرْكانت) جنوباً، تتناثر دورُها حتى تحس بأن ثمة فجوة أزلية بين دار ودار، وكل دار ملتفة بأحزمة صبار، وأسلاك وأشجار لوز وأغصان يابسة رقيقة تسد الفجوات، وتصد النظرات. هذا التباعد وهذا التحصين المبالغ فيه، هو السؤال عينه...]. ص17 هذه هي القرية التي تقع فيها وفيما حواليها، أحداث الرواية، وهذه أولى علامات وصفات أهلها/ التحصين والتباعد، والحرص على العرض والأرض. فكيف إذن لا تثور الرياح والأعاصير في هذه الجبال؟! هناك سارد رئيس وعضوي في الرواية، منه وبواسطته تكرُّ سبُحة الأحداث وتنْثَال حلقاتها. هو لا يحمل اسماً بل يحمل صفة وهي بالريفية (أمَحْضَار) أي طالب القرآن، وذلك في المسجد الوحيد بالقرية، إلى جانب (إيمحْضَارن) آخرين (طلبة) مقيمين معه كأخيه والعبدلاوي وابن الفقيه عمر، فقيه المسجد، حسب تقاليد (الشرط) آنذاك. هذا السارد/ أمَحْضَار، الذي سنواكبه على امتداد الرواية، راصداً وواصفاً ونابشاً في دهاليز التاريخ والجغرافيا ودهاليز السيكولوجيا الريفية، فَتى رقيق في مقتبل العمر، ذو شمائل عفَّة، يحفظ القرآن عن ظهر قلب، يحفظه أكثر من الفقيه عمر نفسه. من عينه اللاقطة وسُرُوده، المتتالية نلتفط الأحداث. وثمَّة على مستوى البنية الروائية مَسَاران متداخلان ومتفاعلان للسرد، مسار خيطي أفقي، يتابع ويقْفُو حركة الأحداث أحداث الانتفاضة، منذ اندلاع شرارتها أواسط 1958 إلى انكسار ريحها أوائل 1959. ومسار، أو بالأحرى، مسارات عمودية وعرَضية تتخلَّل، المسار الأول وتَنْزرع في ثناياه، بواسطة الاستحضارات التاريخية، البعيدة والقريبة، والارتجاعات الحكائية الفلاشية، والتداعيات المنولوجية، وأحلام اليقظة وأحلام المنام وكوابسه. وطبيعي، جرَّاء هذا التداخل السردي. أن تحتشد شخوص الرواية وتتداخل مُخْترقة فضاء الأمكنة والأزمنة. وهي على ضَرْبين/ شخوص حاضرة وصانعة للأحداث والحبكة، كالسارد العضوي/ وأخيه وعمي بوزيان والعبدلاوي والفقيه عمر وابنه والقائد علوش والقائد التهامي وجليلة وسلوى وأباً عمروش وولد حدّو وعمِّي عيسى الخمار وحماد القصار وعزوز، إلى آخر العنقود... والشخصية النَّواة، الحاضرة الغائبة، ضمن هذه الشخوص، والمحركة للأحداث، هي شخصية قائد الانتفاضة ونافخ ريحها، القائد سلام نَرْحج أمزيان، حسب تهجيته الريفية في الرواية. ولم نسمع صوت القائد سلام نرحاج أمزيان، إلا بعد انكسار الريح، ومن خلال مذكراته التي يحكي فيها هروبه ولقاءه بالخطابي وجمال عبد الناصر. بموازاة هذه الشخوص الحاضرة، هناك شخوص مُسْتَحضرة من بعيد وقريب، كالنبي سليمان وداود والخضر والنبي محمد عليه السلام ويوسف بن تاشفين والمولى إدريس ومولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ وأبَّا حماد وبوشتى البغدادي وبوحمارة. والأمير عبد الكريم الخطابي والجنرال سلفستري، إلى آخر الرموز التاريخية. ومنذ البدء، تنهض أمامنا شخصية عمِّي بوزيان بَوْصَلة الرواية وحكيمها وضميرها. هذا المجاهد الريفي الأسطوري الذي عايش بجوارحه ثورة عبد الكريم، كما عايش بجوارحه وجوارح أفْلاَذه وبنيه ثورة خلفه، القائد سلام نَرْحاج أمزيان، نقرأ في بداية الصفحة الأولى من الرواية، على لسان عمي بوزيان، موجهاً حديثه للسارد/ [أنا التاريخ، والراوي له في آن، عشت أطواره وجلَّ أحداثه ووقائعه وأفعاله حقيقة لا خيالاً. فكيف توّدني أن أقرأ ما عشته ظلاً ملتبساً لا يقينا؟ لك أنت أن تقرأه بذاتك، وخيالك وحلمك في غيابي إن شئت... أما معي فلن تسمع غير روايتي، ولن تقرأ غير وثائقي...] ص 4 وما نقرأه في الرواية بالفعل، هو دَفْقٌ أو كالدَّفق من ذاكرة عمي بوزيان. وبما أن الواقعة، واقعة الانتفاضة وانكسار ريحها، وقعت في أواسط 1958 وأوائل 1959، فإن السارد يؤشِّر لفصول وسُرود روايته بتواريخ أيام وشهور هذين العامين الكالحين، من الخميس 27 شتنبر 1958 إلى 28 نونبر 1959. ومنذ الصفحات الأولى من الرواية، تلوح النُّذر في السماء، وتبدأ الريح في الهبوب. ولْنُصخ السمع قليلا للرواية، فعندها الخبر اليقين. نقرأ في ص 20، على لسان الفقيه عمر/ [إن المنطقة مقبلة على انتفاضة خطيرة، احتجاجاً على الأوضاع السائدة...! وأضاف بعد أن بلع ريقه وحك ذقنه المزغب: غير الله يلطف ويخرج هذا الشرط بخير مع هؤلاء الناس...] ونقرأ في ص 21، على لسان السارد/ [في الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس، أيقظنا الفقيه عمر، على ضوء منبِّه ساعته المصونة لأداء صلاة الفجر، كنا قد تركنا المسيد الطويل الذي كان مخصَّصاً للقراءة والكتابة والنوم، لرجال القرية الثائرين (...) النسبة الكبرى من الثائرين ينتشرون على قمم الجبال، حيث شكَّلوا حزاماً أمنياً يغطي مدار القرية بكامله، اقتداء بما حصل ويحصل في المناطق الممتدة من منطلق كتامة فالحسيمة، فالناظور، حتى وجدة]. ونقرأ في ص 27 وعلى لسان السارد أيضاً هذا الوصف الملحمي الجميل لاجتماع الثوار في المسجد/ [توغَّل الدفء أكثر، التمعت العيون على وقع هَدير اللَّهب، وهو يطال (يطول) آخر خشبة من خشبات العرعر الهش، وبدا لي المسيد الطويل، برجاله المتصلبين الحالمين، كسفينة من سفن الإغريق الضخمة وهي تُبْحر بنخبة أبطالها الأشداء، لا لتحاصر طروادة وتستعيد (هيلانة) الجميلة الفاتنة، بل لتصنع ملحمة تاريخية أخرى، في قلب هذه الجبال، وقد هبَّت عليها رياح أجدير مرة أخرى..] وتكْتمل نُذُر العاصفة عند الطرف الآخر، المراقب للمشهد والمتأهِّب لانقضاض على الانتفاضة، بعد مسلسل من المناورات والمؤامرات حِيكَ تحت جنح الظلام، أشارت إليه الرواية تلميحاً وتصريحاً. نقرأ في ص: 64/ وعلى لسان السارد العضوي دائما/ [وأنا أتهيأ لمغادرة مجلس القوم، سمعت أحدهم يعلن: إن الحكومة قد أصدرت أمراً لكل موظفي الادارة بإخلاء مكاتبهم ومغادرة المنطقة... ردَّ آخر: الإجراء المتَّخذ رسالة مفادها، إننا أتون بالنار إليكم، فترقبوا...]. وتندلع النار على المنطقة من كل حدب وصوب، وفي كل اتِّجاه، آتية في هستيريا مضادة، على الحَرْث والنَّسل والأخضر واليابس. كان الحكيم عمي بوزيان، قد حدس بانكسار الريح منذ البدء، والانتفاضة على قدم وساق. نقرأ في الصفحة 63/ [غرق في الصمت والحزن واليأس يغرز رأس عصاه المدبَّب قليلاً في الأرض: ما يتم الآن، هي ملحمتنا جميعا... ثم وقد استدرك: سيكون فيها من الإخفاق ما سوف يعلو على النجاح، لكن العبرة أحيانا بصدق القضية وقوة الإيمان بها...] تنكسر الريح، وتندلع النار، وتصل الرواية الى ذروتها الدرامية. هنا يكشِّر الشر عن نابه وتسود شريعة الغاب، ويتماهى الواقع بالكوابيس. تتماهي الكوابيس بالواقع، وتدخل بنا، الرواية في مَتَاه من المشاهد التراجيدية، حسبنا أن نَفْتَلذ منها المشاهد التالية/ مشهد أول/ [تروعني بعض الصور التي ينسجها قلقي: جليلة مقيدة ورجلاها للأعلى، ورجال غلاظ بخوذاتهم العسكرية يضحكون بهستيرية، وهم يتأملون عريها الفاتن.. يتناوبون.. يتهاوشون ويتأوَّهون. أضرب رأسي بالصخرة حتى تدمى، لا أحس بأي ألم، بل أصابعي مبتلة بالدم. الدم مسفوح على الصخرة.] ص 134 مشهد ثاني: [ينظر بعضهم الى بعض، يغمز أحدهم الرجل الذي كان بجانبي فيضع قنبلة في فمي: يبتعدون وهم يضحكون... وأنا أنفجر وهم يضحكون، وأنا أنفجر وهم... وأنا.. وأهبُّ مذعوراً من فراشي المتسخ]. مشهد ثالث: [القائد علوش يسير منتصباً كأنه حسم يوم مصيره هذا، فأعدَّ نفسه لتحمله... وراءه جليلة وهي حاسرة الرأس، حافية القدمين، قد ارتوت أخاديدها بدموع مدرار امتزجت بكحل عينيها الجميلتين، فشكلت أخاديد تجري بلون الكحل والدمع معا، جليلة عارية! أراها عارية محلولة الشعر، سافرة الوجه، بارزة النهدين، ضامرة البطن، هيفاء يا لله، كم هو فظيع هذا العنف...]. 169. هذه بعض المشاهد السادية التي أعْقبَت انكسار الريح، وما خفي أعظم! وإذا كان هذا الانكسار هو العمق الحكائي والدلالي والتاريخي لهذه الرواية، فإن ثمَّة تيمات أخرى، محايثة ومباطنة، تقاربها الرواية عبر صيرورتها السردية أو لنقل عبر مساراتها السردية. ومنها على سبيل المثال/ النزاع السياسي الحزبي المفتعل في المنطقة بين حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، وما نجم عنه من فتن وإِحَن، حتى ليعترف السارد (لم أكن أجد أي تفسير عقلاني لما يحصل). ص 122 ولربما كان الصعود الى الجبال، في بعض مَنَاحيه، ردَّ فعل على هذا النزاع السياسي. العودة الفلاشية الى ثورة عبد الكريم الخطابي، بحكم صلة القربى بينها وبين انتفاضة 58، والنَّبش في بعض أسرارها. ومُفَارقاتها، إلى جانب النبش في بعض الأسرار العاطفية الحميمة للزعيم الأمير، أثناء تَواجده بفاس، كعلاقة الحب التي ربطته بزليخة، وهي من الأسرار المسكوت عنها. لكن الروائي أكثر قدرة من المؤرخ على كشف المستور وتجلية إنسانية الإنسان. الولوج إلى العمق الاجتماعي الريفي للمنطقة والوصف الدقيق والذكي لأحوال الناس وأحوال الأمكنة والأسواق. نقرأ في ص 12/ [كل الذين هم في سنك ينتظرون سوق الأربعاء، بشغف إلا أنت... يتسوَّقون، يتسكَّعون... يكترون دراجات الهواء، يشربون (كاسيوسا) (شراب ثلجي) ويأكلون (شورو) و (كاراميلو) (حلوى) يتلذذون بالنظر الى الدكاكين والطماعم التي تطبخ الحمص واللوبيا وبقلي سردين الحسيمة، ثم يعبثون بعجلات الشاحنات ومؤخراتها حتى ما بعد العصر، فيعود جلهم على الأرجل والقليل المحظوظ منهم يعود على ظهر شاحنة أو في بطن (بالنسيانا).]. كل هنا، مصوغ بلغة عربية مبينة وسلسة، سردية وشعرية في آن، لكنها مفتوحة على بوليفونية حية وطبيعية، تتجاور فيها أغنية فويتح./ أو ما لولو، أو مالولو، ثم بكيت أنا مع الأغنية الريفية/ أيورا اللاَّبويا، أيورا اللاَّبويا. مع نشيد حزب الاستقلال/ اعملوا تنالوا واهتفوا وقولوا: المغرب لنا.... لا لغيرنا. وذلك ما يضفي طابعا كرنفالياً جميلاً على هذه الرواية، إلى جانب طابعها الملحمي، الناجم عن انكسار ريحها. وبعد طول غياب. بعدما يَرْبُو على ثلاثة عقود من الزمان على انكسار الريح، يعود السارد إلى .... بار والربوع القديمة. يعود ليقف على أطلال الأمس وذكرياته وبقايا أصدائه. ويحاصر الثلج سيارته وهو في طريق العودة، في عمق نُجُود ووهَاد كتامة، ويلبث مكانه لا يريم. ويشكل مصيره العالق، لحن القرار الحزين للرواية. وبعد،لقد أمتعتني شخصياً هذه الرواية بقدر ما أشْجَتني، وأعادتني بنعومة وقسوة، كساردها تماما، إلى مرحلة طفولتي وصباي. فأنا مَعْني أيضاً بهذا الحكي وهذا المحكي، ووصلتني وعَائلتي شواظٌ من ذلك الجمر، ولوافح من تلك الريح. فصهري المرحوم الشيخ محمد حدو أمزيان، هو ابن عم القائد محمد السلام أمزيان، وقد أدى بدوره الثمن غاليا بعد انكسار الريح، سَنوات نفي طوالاً بألمريا، بعيداً عن الأهل والوطن. لكن ما شدَّني إلى الرواية في الأساس، هي روائيتها وانكسار ريحها. ما شدني إليها هي متعتها النصية. وهذه آية كل إبداع أصيل.