لم ينجح مجلس النواب اللبناني، الأربعاء، للمرة ال 44 على التوالي، بتأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الذي بقي منصبه شاغرا منذ ماي 2014، وذلك للأسباب ذاتها التي أجلت بها كل الجلسات السابقة المتمثل في عدم اكتمال النصاب القانوني وللخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين. وأجل رئيس مجلس النواب، نبيه بري، جلسة الأربعاء إلى 28 شتنبر الحالي، على أمل أن يتفق الفرقاء السياسيون ما بين التاريخين، بالرغم من أن المراقبين والمحللين يتوقعون هذا التأجيل وحتى عدم توافق السياسيين في الموعد المقبل، على اعتبار أن لا مفاجآت سياسية داخليا في ظل استمرار الأزمة السياسية. ويأتي هذا التأجيل، بعد تعليق الحوار الوطني بين رئيس الحكومة والكتل النيابية، الاثنين الماضي، والذي كان من بين أولوياته التسريع في انتخاب رئيس للبلاد. وقد علق رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وهو راعي الحوار والداعي له في شتنبر 2015، الجلسة 21 من هذا الحوار بعد أن طرح حزب (التيار الوطني الحر)، الذي يتزعمه ميشال عون أحد المرشحين للرئاسة، مسألة الميثاقية (على أساسها نظم الحكم في لبنان منذ 1946 بين المسلمين والمسيحيين). وبحسب المحللين، فإن تعليق الحوار الوطني إلى أجل غير محدد، «عقد المشهد السياسي» بلبنان بشكل كبير، لاسيما، وأن تأثير ذلك لا يطال فقط مسألة انتخاب رئيس للبلاد بل يتعداه إلى مجلس الوزراء، المؤسسة الدستورية «الوحيدة التي ما زالت تشتغل» بالبلد. وقد انتهج (التيار الوطني الحر) سياسة تصعيدية بدأها بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء متم غشت الماضي، وذلك احتجاجا منه على التمديد للقيادات العسكرية، بل وذهبت كتلته النيابية «التغيير والإصلاح» إلى حد الطعن لدى مجلس شورى الدولة ضد كل المراسيم التي أقرها المجلس آنذاك بدعوى أنها غير «ميثاقية». وهكذا يكون مصير الحكومة أيضا «غامضا وضبابيا» ما دام (التيار) مصرا على المقاطعة، بالرغم من أن رئيس مجلس الوزراء، تمام سلام، ما زال لحد الآن يصر على أن جلسته الأسبوعية ستنعقد في موعدها يوم غد الخميس. وفي ظل هذا التوتر تسارعت التصريحات الداعية للعودة إلى طاولة الحوار، منددة بخطورة تشديد رئيس (التيار الوطني الحر)، جبران باسيل، (هو أيضا وزير الخارجية) على طرح موضوع «الميثاقية» وكذا على أن «لا جدوى من الاستمرار بالحوار إذا لم يتم الاعتراف بنا (المسيحيين)». وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة (الديار) عن نبيه بري قوله إنه «لن يدعو إلى جلسة للحوار الا إذا حصل تغيير في الشكل والمضمون والأفكار عند الآخرين» وأنه «لن يبادر إلى شيء حتى الآن إلا عندما يصبح الآخرون حاضرين لحوار جدي وتتبدل الأفكار...». واعتبر بري أن الحوار «شكل عنصر اطمئنان في البلد وأنتج أمورا كثيرة (...) منها اللامركزية الإدارية وتسهيل عمل الحكومة». وجاء التصريح «القوي والواضح» من زعيم حزب (الكتائب)، أمين الجميل، الذي شدد في تصريح، الثلاثاء الماضي بعد لقاء مع بري، بأن «لبنان ينتحر، ونحن ننتحر (أرباب السياسة كما سماهم)، إذا ما استمررنا في هذا المنحى، منحى التعطيل والعرقلة واللاوعي والاستهتار بمصلحة الناس وبسيادة البلد». وقال إن «ما يعيشه لبنان مر به من قبل، هذا النوع من اللامبالاة إلى حد الانتحار وتعطيل كل المؤسسات ومستقبل الشباب والوطن، وهذا شيء بدأ يأخذ منحى خطيرا جدا». وأبرز أن «لا خيار» إلا العودة للحوار و»التنازل عن بعض الغنج السياسي والطموحات التي تتناقض مع الواقع اللبناني والمصلحة الوطنية واللقاء مع الآخر، وعدم إعطاء الأولوية لمصالح الغير على حساب مصلحتنا الوطنية». من جهته، حذر الرئيس السابق، ميشال سليمان، من «الاستمرار في التسعير المذهبي وتأجيج الخلافات على قاعدة فئوية، في حين كانت المعضلة ولا تزال سياسية بامتياز»، معتبرا أنه «من غير المنطقي ولا المقبول هذا التمترس اللغوي لخلق جبهات دينية تعيدنا إلى أزمنة اعتقدناها خلت». وبعد أن أشار في تصريح اليوم، إلى أن العودة إلى الدستور والديمقراطية كفيلة بانتظام الاولويات الدستورية التي تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية، دعا سليمان جميع القوى السياسية إلى «العودة إلى المؤسسات وعدم تعطيل الحكومة لتسيير الشؤون الحياتية الملحة (...)». أما تمام سلام رئيس الحكومة، فيواصل، وفق عدد من المصادر، مشاوراته عشية جلسة مجلس الوزراء اللبناني المقررة غدا والمهددة بالتعطيل، مع الأقطاب السياسيين، خاصة بعد أن اقترح (حزب الله)، الذي أعلن أنه سيشارك في الجلسة لو عقدت، «تأجيلها لمعالجة الإشكالية». وبالرغم من أن تمام سلام لم يصدر، لحد الآن، أي بيان بهذا الخصوص، إلا أن وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس أكد في تصريح أن رئيس الحكومة «يأخذ الأمور بالحسنى وليس بوارد التحدي أو المواجهة مع التيار الوطني الحر، مؤكدا أن «الاتصالات» الجارية، «ليست من أجل تأجيل الجلسة بل لإيجاد نقاط مشتركة». ويتميز المشهد السياسي بلبنان بكون المرشحين الرئيسيين للرئاسة هم من قوى (8 آذار)، وهما ميشال عون وهو حليف (حزب الله)، وسليمان فرنجية رئيس (تيار المردة) المقرب من قوى (8 آذار)، والذي رشحه زعيم (تيار المستقبل) سعد الحريري. وقد انسحب سمير جعجع، رئيس حزب (القوات اللبنانية)، ودعم ميشال عون، بعد إعلان سعد الحريري ترشيحه سليمان فرنجية. وينتخب الرئيس اللبناني (يكون مسيحيا مارونيا) بالاقتراع السري ويفترض بالمرشح نيل ثلثي أصوات أعضاء البرلمان (128 نائبا).