يبدو أن فترة الحملة الانتخابية التي تعيشها فرنسا ستكون بمثابة جحيم بالنسبة للأقلية المسلمة بفرنسا وللسكان المغاربيين بصفة عامة،ويمر الجدل من قضية لأخرى بشكل سريع بفعل أجواء الحملة الانتخابية التي تغيب عنها اقتراحات حول حلول اقتصادية واجتماعية للفرنسيين، لهذا اختار عدد من السياسيين حلولا بديلة تتمحور حول مناقشة الإسلام وقضايا الهُوية ومنع الحجاب، وهي القضايا التي لا تكلف السياسيين شيئا إلا خلق أجواء من القلق والتصدع داخل المجتمع الفرنسي، والعمل على تقسيمه بين سكان أصليين وآخرين من أصول أجنبية، وهو ما يشجع على كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام ، فبعد مسلسل البوركيني الذي عكس صورة سلبية جدا لفرنسا عبر العالم ، جاء الدور هذه المرة على اللغة العربية و كذا على وزيرة التعليم نجاة فالو بلقاسم ذات الأصول المغربية. فقد ادعى أحد مرشحي اليمين» برونو لومير» وهو وزير سابق بحكومة «نيكولا ساركوزي» في حملته من أجل الانتخابات الأولية لحزب الجمهوريين اليميني ، أن» وزيرة التعليم نجاة فالو بلقاسم تريد فرض تعليم اللغة العربية في الأقسام الأولية». وذلك في خطاب له حول قضايا التعليم بالجامعة الصيفية لحزب الجمهوريين بمدينة بول يوم السبت الأخير ( 4 شتنبر 2016).وأضاف « بفرنسا، وبالأقسام الأولية نعلم الفرنسية وليس العربية». وردت وزيرة التربية الوطنية على هذه الادعاءات في إحدى الإذاعات الفرنسية (راديو جي) بالقول إنه «ليس هناك تعليم إجباري للعربية في الدخول المقبل للمرحلة الأولية بالتعليم الفرنسي « .وأضافت أن هذا الكلام « هو جزء من الأوهام والتي سوف تختفي مع الدخول المدرسي عندما يرى أرباب الأسر ما نقوم به.» وفي نفس الرد تأسفت الوزيرة على كون برونو لومير «يقوم بنشر الأكاذيب والأوهام والحقائق المغلوطة» وواصلت إنها «جد قلقة من المشهد السياسي الحالي بفرنسا».واسترسلت قائلة: «إنها الشعبوية التي تحمل كل ما تجده في طريقها،وهي شعبوية معاصرة تبحث عن كبش محرقة،وهو نفسه، باستمرار، الأجنبي المسلم». واعتبرت أن وراء ذلك خلفية عنصرية يتم التعبير عنها صراحة في خطابات من طرف نيكولا ساركوزي، لورون فوكيي وبرونو لومير وغيرهم من قادة اليمين. و في جوابها عن سؤال لنفس الإذاعة حول ما إذا تعرضت هي شخصيا لسلوكات عنصرية، أجابت دون تردد، «ليس هناك صدف،فقد تم استهدافي عدة مرات،حول من أنا،ومن أين جئت» وهذا الجدل حول تعليم اللغة العربية، واستعمالها في الحملة الشعبوية ذات الطابع الانتخابي، ليس وليد اليوم بل بدأ مند شهر ماي الأخير (2016)، عندما قررت وزيرة التعليم نجاة فالو بلقاسم في إطار إصلاح المنظومة التربوية بفرنسا، تدريس اللغة العربية كلغة أجنبية مثل الاسبانية والصينية والبرتغالية،هذه اللغات التي كانت تدرس في السابق إلى أبناء المهاجرين في ما كان يعرف بتدريس لغة البلد الأصلي، في إطار اتفاقات ثنائية مع مجموعة من البلدان منها المغرب ( اتفاقية سنة 1983) ،لكن مع الإصلاح الجديد قررت وزيرة التربية تدريس هذه اللغة كلغة أجنبية لكل الراغبين في تعلمها وليس فقط لأبناء المهاجرين كما كان في السابق، وهو الأمر الذي لم يرق لبعض النواب الذين مازالوا تحت تأثير التربية الكولونيالية، ويعتبرون أن اللغة العربية ليست لغة كباقي اللغات.ومن بين هؤلاء هناك «اني جينوفارد» وهي نائبة عن حزب الجمهوريين التي اعتبرت «أن تدريس العربية لن يضيف شيئا للفرنسيين» داعية إلى تدريس الألمانية.في حين دافعت الوزيرة عن هذا الاختيار، معتبرة أن تدريس اللغة العربية ولغات أخرى مثل الصينية من شأنه أن يمكن التلاميذ الفرنسيين من الانفتاح على باقي الحضارات، خاصة أن فرنسا تضم عددا كبيرا من المهاجرين من أصول عربية ومغاربية. وعارض عدد من النواب تدريس العربية كلغة أجنبية، رغم أنه ليس أمرا إجباريا بل اختياريا فقط، واعتبروا أن ذلك سيشجع الطائفية بفرنسا، لكن وزيرة التعليم ردت على هذا الجدل بالقول «إن اللغة العربية ليست لغة في طريق الاندثار بل هي لغة تتكلمها حوالي 26 دولة» مضيفة أن «المجتمع الفرنسي ضعيف في تعلم اللغات الأجنبية». و كان هذا الجدل قد احتد بقبة البرلمان الفرنسي لكن تم تجاوزه في شهر يونيو الأخير ،غير أنه عاد من جديد ليطرح من طرف أحد المرشحين للانتخابات الأولية للحزب الجمهوري المعارض، وذلك من خلال إشاعة الكذب و الادعاء، كما تقول الوزيرة، لخلفيات شعبوية وانتخابية. بعد الإسلام جاء دور اللغة العربية لتكون كبش فداء التيارات الشعبوية واليمينية بفرنسا.