تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.        أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا        تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق من ذاكرة باهي 71

أصدرت «حلقة أصدقاء باهي»، تحت إشراف عباس بودرقة، الأعمال الكاملة للفقيد محمد باهي: «رسالة باريس: يموت الحالم ولا يموت الحلم»، ويضم الكتاب، الذي تم تقديمه بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته، خمسة كتب استعرض خلالها المؤلف شهادته على العصر، وقدم لنا تحاليل غاية في الموسوعية.. في ما يلي نختار لقراء «الاتحاد الاشتراكي» أوراقا من ذاكرة محمد باهي، لنستعيد تلك الثقافة السياسية التي كانت يتمتع بها واحد من صانعي السياسة في بلادنا، وواحد من الذين تحصلت لديهم الخبرة والذكاء، واستطاعوا أن يقدموا لنا قراءة في قضية الصحراء، وفي امتداداتها وتعقيداتها والمساهمين الفعليين في ذلك..
مقال سيرج جيلي، مدير جريدة ليبراسيون صدر بعد يومين من صدور مقال إفتتاحية أوليفييه فرانز جيزبير في جريدة الفيغارو، ليدفع الجدل حول الأحداث الجزائرية إلى ذروته. وقد انتقل الجدل، مع ظهور ذلك التحليل من أعمدة الصحف إلى أوساط الحكومة والمعارضة، أي إلى الطبقة السياسية صانعة القرار. ويوم الأربعاء الذي ظهر فيه المقال، هو اليوم الذي تعقد فيه الحكومة اجتماعها الرسمي الإعتيادي بقصر الإليزي تحت رئاسة الرئيس ميتران. في ذلك اليوم قال الناطق باسم رئاسة الجمهورية إن الرئيس تدخل ليعبر عن انشغال فرنسا بما يجري في الجزائر. والذين يتابعون تفاصيل الحياة السياسية هنا يعرفون أن نقل موضوع تحدث فيه الرئيس أمام وزرائه يعني أن الدولة الفرنسية كلها مشغولة بالحدث. وفي يوم الخميس (13 أكتوبر)، وهو الذي تخصصه الحكومة أسبوعيا للإجابة عن أسئلة النواب، في جلسة علنية، حول أحداث الساعة، بادرت المعارضة على لسان السيد جان فرانسوا دينيو وزير التجارة الخارجية السابق، في عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان، بطرح سؤال على وزير الخارجية عن ما تنوي الحكومة القيام به. وكان جواب رئيس الدبلوماسية الفرنسية : الجزائر بحاجة إلى مساعدة والحكومة سوف تقوم بواجبها إزاء المحنة التي يواجهها هذا البلد. أما الوزير الأول ميشال روكار فقد رد على سؤال وُجِّه إليه خلال حديث أدلى به للقناة الثانية بأن «الصمت أبلغ من الكلام في مثل هذه الحالة».
وليس سرا أن الحكومة الفرنسية تراهن على الرئيس الشاذلي بنجديد، منذ سنوات وتعتبر أنه أفضل من غيره، وترى أن كل إضعاف لوضعه يمكن أن يسفر إما عن إتساع الأصوليين أو إستبداله بنظام عسكريتاري متشدد. إن وراء هذا الموقف الصامت من الحكومة خوفا من ظهور «قذافي» أو «خميني»، جزائري. وجه الخميني، لعب، كما قال لنا مثقف اشتراكي فرنسي وما يزال يلعب، دورا محوريا في سياسة فرنسا المغاربية وسياستها الجزائرية تحديدا. لقد راهنت باريس على سقوط الشاه، ولكن الوجهة التي سلكتها الحركة الخمينية وإندفاعة موجة الأصولية الإسلامية بعدها في المشرق وفي المغرب جعلت باريس تخشى، عندما تنشب القلاقل والإضطرابات في بلد عربي إسلامي، أن يظهر فيه «خميني عربي». ذلك هو سر تركيزها على بلدين مثل مصر وتونس وهو سر وقوفها إلى جانب الشاذلي بن جديد، وقد نظر الرأي العام بشيء من العطف مثلا إلى الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة، ولكن النبرة الإسلامية الراديكالية في خطابه السياسي جعلت الحكومات الفرنسية المتوالية، سواء كانت من اليمين أو من اليسار، تستجيب بسهولة لمطالب السلطات الجزائرية وتقوم بإبعاده من الأراضي الفرنسية، وتصادر بانتظام مجلة «البديل» التي يُشرف عليها جماعة من أنصاره. والنظام الجزائري، في رأي هذا المثقف الإشتراكي، يدرك اللعبة الفرنسية جيدا. وتسامحه مع الأصوليين أثناء تطبيق حالة الطوارئ وحظر التجول، أكبر دليل على ذلك. لقد سمح لهم بالتظاهر واستعمال العضلات ووجه من خلالهم خطابا سياسيا مباشرا للفرنسيين ملخصه : ساعدوني على اجتياز المحنة الحالية وإلا جاءكم نظام أصولي سيزعزع المنطقة برمتها. والمغرب العربي، مثل أصبع ديناميت، وأي خطوة فرنسية غير محسوبة بدقة يمكن أن تؤدي إلى اشتعال حريق شامل فيه.
وقبل انفجار خريف الغضب الجزائري كان من المقرر أن يقوم الرئيس فرانسوا ميتران بزيارة عمل إلى هذا البلد، بدأت الإتصالات الثنائية لترتيبها على أن تتم خلال شهر نوفمبر. وأثناء الأسبوع الثاني من الشهر الماضي توقفت كل الإجراءات المتعلقة بهذه الزيارة وروجت أوساط مقربة من رئاسة الجمهورية رواية تقول بأن الزيارة كانت مشروعا قيد الدرس لا غير ولم تتحدد نهائيا ولا داعي للكلام عن تأجيلها أو إلغائها. وواضح من هذه الرواية أنها تهدف إلى التخفيف من الطابع السياسي لهذا الإلغاء غير المعلن لزيارة لم تكن قد أُعلنت رسميا، رغم أن كل الصحفيين المتتبعين لتطور العلاقات الفرنسية الجزائرية في باريس، عرفوا أنها مقررة وبدأوا يستعدون لتغطيتها. والسؤال المطروح الآن هو : هل تم إلغاء الزيارة بقرار إنفرادي أو بعد تشاور بين الطرفين؟ مقابل هذا الإلغاء غير المعلن، يدور جدل ساخن داخل الأوساط الحكومية حول الموقف الذي يجب إتخاذه لمساعدة الرئيس الشاذلي بن جديد، دون الظهور بمظهر من ينحاز له.
«نحن كما ذكر لنا ذلك مسؤول إشتراكي، مفتونون لحد الشلل بالجزائر، ومن الصعب على اليسار الفرنسي أو حتى على اليمين الفرنسي أن ينظر إلى الحكومة الجزائرية نظرته إلى الجنرال بينوشي، وإعلان تأييدنا للشاذلي بن جديد يعني أننا نساند القمع الحالي، كما أن تأييدنا للشعب الجزائري معناه التخلي عن رئيسه. وليست المسألة محصورة في موقف مبدئي، بل هي تمس مجمل علاقاتنا بالجزائر، حاضرا ومستقبلا. إن لدينا شعورا عميقا بأن المنطقة كلها صارت مثل برميل بارود. وكل تدخل فرنسي علني بالجزائر سيكون بمثابة إقتحام فيل ضخم لدكان حرير. ولا تنسوا أن الديمقراطية البسيطة التي وعد الجنرال زين العابدين بن علي بتطبيقها في تونس، بقيت غصة في حلوق المسؤولين الجزائريين، وبالأمس، قال وزير الخارجية، رولان ديما أن الجزائر طرف ضروري للتوازن في المغرب العربي والمغرب العربي ضروري للتوازن في هذه المنطقة من العالم. ونحن نخشى أن يتحول أي بيان يصدر من باريس الرسمية حول العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى موضوع نزاع داخلي في جبهة التحرير الوطني، ثم إننا لا نعرف بالضبط ما الذي يحدث داخل الفريق القيادي الحاكم. نحن نعرف أن النزاعات في القيادة الجزائرية ذات طبيعة إنفجارية، ولا نعرف كيف سينتهي المؤتمر القادم لجبهة التحرير الوطني الذي يفترض أن يختار المرشح الجديد للرئاسة».
في إنتظار ذلك، بدأ المسؤولون السياسيون يفكرون منذ الآن في مضاعفات خريف الغضب الجزائري على الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا.
أستاذ جامعي مقرب من الحزب الإشتراكي قال لنا في معرض تحليله لهذه الظاهرة :
«سقوط خمسمائة قتيل من مختلف المدن الجزائرية يُضفي صبغة شرعية على أعمال المعارضة داخل الشتات الجزائري. سوف يصبح الآن بإمكان المهاجرين الجزائريين أن يناضلوا من أجل الحرية والديمقراطية والتحريات في مناخ يتميز بتعاطف الرأي العام الذي سيؤيدهم لأنهم يدافعون عن قيمنا». قبل تلك المظاهرات الدامية كانت الحكومة الجزائرية تستعمل المهاجرين كورقة ضغط على السلطات الفرنسية، أما الآن فسوف يكون مثل هذا الضغط أمرا صعبا عليها لأنها لا تستطيع أن تفرض هيمنتها على المهاجرين. بالطبع ليست هذه الوضعية إيجابية مائة في المائة. ولدى السلطات الفرنسية بعض الخوف من حصول مواجهات سياسية وسط المهاجرين بين أنصار النظام ومعارضيه. وقد كان الضغط الذي مارسه الشبان الفرنسيون ذوو الأصول العربية على الحزب الإشتراكي وراء البيان الذي أصدره الحزب وتحدث فيه عن القمع وأكد أن اللجوء إلى القوات المسلحة لا يحل المشكلة ولابد من إتخاذ إجراءات إقتصادية وإجتماعية لمواجهة الموقف. لكن الحزب لم يقم بواجبه، كما ينبغي. لقد ترك ظهر الحكومة مكشوفا لأنه لم يُمارس بكامل الحرية وظيفته كمثقف عضوي جماعي لا يمكن أن يخلط بين رسالته وبين الوظيفة الحكومية. ولأن الحزب نسي دوره المتميز عن الدولة، فقد أضاع في هذه المناسبة فرصة ثمينة لتأكيد هويته السياسية المستقلة. وإذا كانت المعلومات المتوفرة لدى الحكومة تدفعها إلى الإعتقاد بأن نظام الشاذلي بن جديد لا بديل له في الوقت الراهن، وإذا كانت العلاقات بين الدول، تُحتم الإحتراز والتكتم، فإن من طبيعة الحزب السياسي أن يصرخ بالحق وأن يقول الحقيقة، من دون أية حسابات ظرفية. لقد كان لدى الحكومة هامش ضيق للمناورة لم تستعمله أمام الأحداث، لكون استعماله يفرض أو يفترض على الأقل وجود حزب إشتراكي مستقل في تصرفاته عن أجهزة الدولة...
نقد موقف الحزب الإشتراكي الوارد على لسان هذا المثقف سمعناه من مسؤوليين قياديين في الحزب اعترفوا أمامنا بأنهم بدؤوا حتى قبل الأحداث الجزائرية الأخيرة بطرح بعض الأسئلة حول طبيعة النظام الجزائري، ولكنهم لم يذهبوا مع تحليلاتهم إلى نهاياتها القصوى إلا تحت الضغط المزدوج للرأي العام الفرنسي وللمناضلين في القاعدة والشباب العرب المنخرطين في الحزب والذين صوتوا له في الإنتخابات الأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.