فيضانات إسبانيا.. وزارة الخارجية تعلن استعدادها لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق المتضررة        مجلس الحكومة يطلع على اتفاقية دولية لتسليم المجرمين بين المغرب وهولندا    مطار تطوان الدولي يستقبل أكثر من 260 ألف مسافر خلال 9 أشهر    مراكش 'إير شو 2024': التوقيع على عدة اتفاقيات شراكة في قطاع صناعة الطيران    الإيرادات السياحية.. تقدم المغرب 10 مراتب في التصنيف العالمي    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بالمغرب    انييستا: مونديال 2030 يتوفر على "جميع المقومات لتحقيق نجاح كبير"    جماهير اتحاد طنجة تتوجه بنداء لوالي الجهة لإنهاء حرمانها من حضور المباريات    إسبانيا تحصي خسائرها من الفيضانات والسيول.. والأرصاد تحذر ساكنة المناطق المتضررة    إسبانيا تحت وطأة الكارثة.. الفيضانات الأسوأ منذ نصف قرن    نشر أخبار كاذبة والتبليغ عن جريمة غير واقعية يجر شخصاً للاعتقال    المغرب يتابع أوضاع مواطنيه في إسبانيا ويسجل حالة وفاة واحدة    7 نوفمبر بالمسرح البلدي بتونس "كلنا نغني" موعد العودة إلى الزمن الجميل    بدء مناقشة مشروع قانون الإضراب في مجلس النواب في أجواء مشحونة        ائتلاف مكون من 20 هيئة حقوقية مغربية يطالب ب "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن فؤاد عبد المومني        المنتخب المغربي للفوتسال يواجه فرنسا وديا يوم 5 نونبر القادم    ماكرون: موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية بصدد تحريك مواقف بلدان أوروبية أخرى    ملف طلبة الطب.. بايتاس يؤكد عدم وجود مستجدات والحل بيد الوسيط    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يُكرم الراحلة نعيمة المشرقي، والممثل الأمريكي شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ    المحكمة تقرر تأجيل محاكمة "الستريمر" إلياس المالكي    الكاتب المغربي عبد الله الطايع يفوز بجائزة "ديسمبر" الأدبية    مريم كرودي توثق رحلتها في ورشات الشعر بكتاب "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة"    يهم الصحافيين.. ملفات ساخنة على طاولة لجنة بطاقة الصحافة المهنية    الشرطة الألمانية تطلق عملية بحث مكثفة عن رجل فرّ من شرطة برلين    حماس ترفض فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار وتؤيد اتفاقا دائما    اعتقال إسرائيليين بتهمة التجسس لإيران    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    موقع "نارسا" يتعرض للاختراق قبل المؤتمر العالمي الوزاري للسلامة الطرقية بمراكش    اعتقال ومتابعة صناع محتوى بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"    مولودية وجدة ينتظر رفع المنع وتأهيل لاعبيه المنتدبين بعد من تسوية ملفاته النزاعية    طقس الخميس.. امطار ضعيفة بالريف الغرب وغرب الواجهة المتوسطية    لبنان.. ميقاتي يتوقع إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل في غضون أيام    الطاقة الخضراء: توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة شعيب الدكالي وفاعلين من الصين    توقيف شخص بسلا يشتبه تورطه في جريمة قتل    مصرع شاب في حادثة سير بتازة    مانشستر سيتي وتشيلسي يودعان كأس الرابطة الإنجليزية    منفذو الهجوم الإسرائيلي على إيران يتحدثون للمرة الأولى    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    إسرائيل تدعو لإقالة خبيرة أممية اتهمتها بشن حملة "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين    القروض والأصول الاحتياطية ترفعان نسبة نمو الكتلة النقدية بالمغرب إلى 6,7% الشهر المنصرم    وزير: الإنتاج المتوقع للتمور يقدر ب 103 آلاف طن في الموسم الفلاحي 2024-2025    الخنوس يهز شباك مانشستر يونايتد    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    الحدادي يسجل في كأس ملك إسبانيا    التحكيم يحرم آسفي من ضربة جزاء    الممثل المصري مصطفى فهمي يغادر دنيا الناس    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث غشت 1953 بالجهة الشرقية أو بداية القطيعة بين منطق المطالبة بالإصلاح و انطلاق المواجهة بالسلاح
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 08 - 2016

لكل امة حضارتها، و هي مجموع ما تختزله ذاكرتها من قيم مادية و فكرية وثقافية، و ما يسجل بها من محطات و مواقف مشهودة، هي من صنع شعوبها و أمجادها عبر مسلسل حلقات من التضحية و العطاء و من التشييد و البناء. و المغرب، بصرف النظر عن وضعيته الراهنة من حيث الرتبة الممنوحة له دوليا، يأتي ضمن البلدان القليلة التي تمتلك ذاكرة زاخرة بالمواقف و الأمجاد، خاصة تلك التي تستحضر مراحل تعرضت فيها البلاد للغزو الأجنبي
و للسيطرة الإستعمارية.
المحور الثاني : الإيقاع التنظيمي لأحداث 17 غشت 1953 بأبركان و نواحيها
إذا كانت أحداث 16 غشت 1953 إحدى المعالم التي تذكر بما جرى في مدينة وجدة، فإن 17 منه يعتبر من الوقفات البطولية لسكان مدينة أبركان و نواحيها. كانت أبركان آنذاك من المناطق المغربية التي انحدر منها وطنيون أفذاذ تربوا في حركة وطنية متميزة بمواقفها الشجاعة و تنظيمها المتماسك ما أهلها لتكون في مستوى ما تطلبه الطوارئ من مبادرة و مواجهة، وهكذا فما ان انكشفت مؤامرة خلع الملك الشرعي المرحوم محمد بن يوسف حتى كان وطنيو أبركان على استعداد لكل احتمال، و حسب رواية أحد الوطنيين البركانيين فإن " عضوين من المكتب المركزي لفرع الحزب بوجدة انتقلا إلى أبركان و اجتمعا مع عضوين من المكتب المركزي لفرع الحزب في دار أحد الوطنيين كانت تدعى "دار الأرقم" حيث تمت بحضور أعضاء من مكتب الفرع بإبلاغ هذه التعاليم إلى كل فروع الحزب بالناحية (الركادة، مداغ، تافوغالت،و أحفير)". ومما جاء فيها " تجديد اليمين لجميع أفراد الجماعات الحزبية للتضحية و الفداء و العمل على حل الجماعات الحزبية و تعويضها بخلايا سيرة مكونة من 5 أفراد فقط، و ألا يتعارف أفراد هذه الخلايا بعضهم على بعض، و في حالة خلع جلالة الملك يجب القيام بالفوضى و الثورة المسلحة و عدم انتظار الأوامر من أية جهة"(16). و حسب نفس الرواية "فقد شنت الشرطة حملة اعتقالات في صفوف الوطنيين في المنطقة بسبب ضبط نسخة من هذه التعاليم كانت موجهة إلى فرع أبركان(17)، إلا أن هذا لم يمنع من توزيع مناشير تخبر بأن الملك في خطر، و تدعو إلى الحذر و التضحية بالدم من أجل الحرية و الاستقلال، كما بادر أعضاء المكتب إلى تكوين عدة جماعات و خلايا صغيرة للعمل المسلح" (18). و موازاة مع هذا الإعداد قرر الاستقلاليون قراءة اللطيف في المساجد بعد ظهر الجمعة 14 غشت، و هذا ما أثار حفيظة السلطة الاستعمارية فأقدمت على اعتقال مجموعة من أهم العناصر النشيطة في الحزب سواء داخل أبركان أو نواحيها فحشدت الجميع في ثكنة عسكرية. و هكذا إلى أن حل يوم 16 غشت لينتقل عضو من مكتب فرع أبركان إلى وجدة قصد الإطلاع على ما جد على الساحة و التشاور حول ما يمكن الإقدام عليه، فأبلغ " بأن مكتب فرع وجدة قد اتخذ قرارا منذ لحظات قرار يقضي بتنظيم مظاهرة دامية ثورية مسلحة مساء يوم الأحد 16 غشت في الساعة السادسة، و قد فوجئ موفد أبركان بانفراد وجدة بهذا القرار لأنه كان من المتفق عليه سابقا أن يكون القرار موحدا و بحضور ممثلي فروع كل الجهات. و أمام الأمر الواقع لم يسع الموفد إلا الرجوع إلى أبركان و إبلاغ القرار لأعضاء المكتب الذين قرروا و تحت إكراهات الوقت و المسافة التي تفصل أبركان عن الفروع، "أن يكون التنسيق ما بين مكاتب الفروع كلها لتنظيم "مظاهرة ثورية" صباح يوم الاثنين 17 غشت 1953 في أبركان يشارك فيها جميع الوطنيين الاستقلاليين من داخل بركان و قرية تافوغالت ومن تريفة و مداغ و قبائل بني يزناسن ومن بني وريمش و من بني موسى و من بني عتيق و بني منقوش"(18)، كل ذلك تم حسب خطة مدروسة موقوتة التنفيذ، إذ ما إن طلعت شمس 17 غشت حتى غدت مدينة أبركان غاصة بالجماهير الشعبية التي حجت إليها من مختلف النواحي معلنة الثورة المسلحة، متحدية آليات القمع و معترضة لسير العشرات من الدبابات و المصفحات التي غزت المدينة و انتشرت في شوارعها وأزقتها و في سائر النقط الحساسة. كل هذا لم يزد " غضب المتظاهرين و الثائرين" إلا تأججا و حدة و اقتحاما لمواقع القوات الفرنسية رغم بساطة الأدوات التي كانوا يتوفرون عليها (عصي، هراوات، حجارة...) و حسب ما رواه أحد المشاركين في التظاهرة(19). فإن القوات لم تحرك ساكنا، إذ اكتفت بتهدئة المتظاهرين حيث تدخل كل من المراقب الفرنسي المدعو "بووير" الذي قال عليه الراوي بأنه من الفرنسيين الأحرار، و كان بصحبه القايد الحاج محمد المنصوري المعروف بوطنيته... و أخبر المتظاهرين أنهما ضد خلع الملك، و أنهما مع محمد بن يوسف الملك الشرعي الذي سيظل هو ملك البلاد،و لا بديل عنه... و ما كان للمتظاهرين أمام هذا إلا الإنصراف و بقاؤهم على الاستعداد لمواصلة العمل الفدائي و المقاومة المسلحة فيما إذا مس ملك البلاد(20) لكن ما لبثت القوات الفرنسية أن تلقت الأوامر بتطويق المدينة " ووضع حزام مانع يحول لجوء السكان إلى الغابات المجاورة، و أصبحت مدينة بركان خاضعة لحالة الطوارئ مورست في ظلها اعتقالات واسعة عشوائية استهدفت بالخصوص أطر فروع الحزب و المئات من المنتمين لحزب الاستقلال الذين ذاقو أنواعا و أشكالا من التعذيب و التنكيل ما يعجز المرء عن وصفه، و بعدها أحيلوا على محاكم صورية حكمت على الأغلبية منهم بسنتين سجنا نافذة و 5 أعوام نفيا و بغرامة مالية" (21)، أما الوطنيون الذين نجوا من الإعتقال فمنهم من اضطر للعيش في سرية، و بعضهم فضل اللجوء إلى المنطقة الخليفية (الشمال المغربي)، حتى إذا حانت فرصة المقاومة المسلحة انخرطوا فيها، فبرز منهم قادة لخلايا المقاومة و لفرق جيش التحرير، عند تأسيسه في 02 اكتوبر 1954، و حسب ما ذكر لحد الآن مشافهة أو كتابة، فإن أحداث 17 غشت لم تخلف قتلى لا في صفوف المواطنين و لا في صفوف القوات الأجنبية، و لعل هذا يعود إلى حكمة المسيرين الحزبيين الذين فضلوا أن تكون المظاهرة سلمية و موقوتة أي لها بداية و لها نهاية حسب ما رواه أحد المسيرين (22) و من جهة أخرى إلى استفادة البركانيين من الأداء الوجدي لنفس الأحداث في 16 غشت و العاقل من يتعظ. و لابد من الإشارة في الأخير إلى أن يومي 16 و 17 غشت 1953 كانا يومين مشهودين في تاريخ المنطقة الشرقية حيث برهن فيهما سكانها عن وطنيتهم و إخلاصهم لملك البلاد، و أظهروا للجميع مدى التضحية التي تبدل عندما يكون الأمر متعلقا بسيادة الوطن و كرامته – رحم الله الشهداء –
المحور الثالث : انعكاسات أحداث غشت 1953 و تداعياتها
بصرف النظر عن الاختلاف بشأن مجريات أحداث 16 غشت 1953 بوجدة بما في ذلك الأسماء التي أطلقت عليها، فإن الذي خلص إليه المتحدثون عنها - شفويا أو كتابة – هو ان إجماعهم على اعتبارها إحدى المفاخر التي يعتز بها ليس أهل وجدة وحدهم، بل و سكان الجهة الشرقية و مجموع الشعب المغربي، بل و كل المكافحين من أجل الاستقلال و التحرر،رغم ما نجم عنها من تداعيات.
Σ الانعكاسات :
تأتي أهمية أحداث غشت 1953، وطنيا من أنها مناسبة برهنت على جدية و طنيي الجهة الشرقية و استعدادهم للوقوف ضد كل من يمس كرامتهم و رموزهم الوطنية. و دوليا من أنها بقدر ما خلدت بطولات مناضلي الحركة الوطنية و إقدامهم على الاستشهاد في سبيل الحرية و الكرامة، بقدر ما فضحت امام الرأي العام الخارجي ممارسات فرنسا اللاقانونية و اللاإنسانية من خلال ما نتج عن التدخل الوحشي لقواتها من قتلى و جرحى، و ما أعقب ذلك من قمع و اعتقالات طالت حتى بعضا ممن لا علاقة لهم ب "السياسة" كما يقال.و نضاليا: أن 16 غشت محطة أخرى رجحت رؤية دعاة الكفاح المسلح، و عززت شعار "لا يفل الحديد إلا الحديد" أو ما صار يعرف بشعار " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة". و دلالة : فقد عبرت أحداث غشت 1953 عن مواجهة بين قيمتين غير متكافئتين من حيث العتاد، و لا من حيث الحمولة –الطبعية- لكل منهما، فبينما تمثلت الأولى في التضحية حتى الإستشهاد تجلت الثانية في غريزة الهيمنة و الاستماتة للمحافظة عليها و لو باللجوء إلى استعمال آليات القهر و التدمير و ما إلى ذلك من الأساليب و التدابير الخرقاء التي تجرمها المواثيق المقررة دوليا. إن هذه المواجهة رغم نتائجها المؤسفة، أفرزت مجموعات من المواطنين الذين شهدوها ممن لم يطلهم ما طال كثيرا من الوطنيين، من استشهاد أو اعتقال، متأثرين بما عاينوه أو سمعوا عنه من بسالة المتظاهرين رجالا و نساء و رأوا كيف كان هؤلاء يتحدون ما يواجهون به من متاريس و رصاص و ما كانوا يتعرضون له من بطش و ضرب بأعقاب البندقيات و الرشاشات، و يداهمون به من دبابات و مزنجرات. و كيف استمروا في المواجهة مخترقين الحواجز المبثوثة في مداخل الأزقة و الشوارع و مخارجها، و لولا الليل بظلامه، و لولا لجوء السلطة المحلية إلى إطفاء الإنارة العمومية، تاركة المدينة غارقة في الظلام، لما تمكنت القوات الفرنسية من تفريقهم و لما انسحبوا. و قد لاحظ هؤلاء ما تخلل المواجهة و ما وقع بعدها مباشرة من إجراءات قمعية، و من انتهاكات طالت وطنيين و عائلاتهم و جيرانهم، بل و ما عاشته المدينة وضواحيها من حالة حصار و تعسف و مضايقات و اعتقالات لم يسلم من أذاها حتى أشخاص لا ذنب لهم إلا أنهم يرتدون " أقمصة ذات لون أصفر" و هو اللون الذي أشارت تقارير رجال الأمن و الاستخبارات إلى أن بعض المتظاهرين كانوا يرتدونها. أعود فأقول ان هؤلاء الذين لم تكتب لهم الشهادة في هذا اليوم، و نجوا من الاعتقال، لم يرضوا لأنفسهم ان يضعفوا أو يستكينوا بل رأوا من الوفاء لأرواح الشهداء و لإخوانهم المكدسين في زنازين السجون، ان يواصلوا أداء الرسالة التي ضحى من أجلها هؤلاء و من سبقهم من رواد الكفاح ضد الغزاة و المحتلين الأجانب، لكن هذه المرة ليس بالمواجهات الاحتجاجية السلمية بل بما هو أجدى و أنجع، أي بالمقاومة المسلحة فكان من بين هؤلاء فدائيون بارزون، منهم من انخرط في جماعات مسلحة بشرق المغرب و في وجدة بالخصوص، و منهم من شارك في خلايا للمقاومة قامت بأعمال فدائية في مدن مغربية أخرى كفاس و البيضاء، بل أن ضمنهم من كان له شرف وضع اللبنات الأولى لتأسيس جيش التحرير المغربي، و كم منهم من تعززت به الثورة الجزائرية، أو استمر مجاهدا من أجل تحرير الصحراء المغربية بعد الاستقلال. وإذا كان لكل مواجهة- صغرت أو عظمت- تداعيات،فان لمواجهة 16و17 غشت 1953 تداعيات وانعكست أثارها على مسار الحركة الوطنية عضويا وتنظيميا ونضاليا ،أيضا،ورغم ذلك فإنها فندت زيف الأطروحة الفرنسية الاستعمارية،إذ كشفت مرة أخرى عن انتهاكاتها السافرة لكل القوانين سواء في مواجهتها الوحشية للتظاهرات السلمية، أو في مقاضاتها للموطنين بعد ذلك،وإذا كان تقادم المواجهة ،وندرة ما دون بشأن مجرياتها-ميدانيا- لم يسعفناني في الإلمام بملابساتها السياسية والقضائية،فاني وجدت ضالتي في مؤلف قيم لأحد الفرنسيين الأحرار Jean Charles Legrand بعنوان "Justice ,patrie de l'homme" "العدالة، وطن الإنسان"، ففيه ستنكشف عورات القضاء الاستعماري الفرنسي،من خلال الانتهاكات التي فضحها الماثلون أمام المحكمة،وكذا مرافعات الدفاع، ولكن قبل هذا اذكر ببعض ما جرى في هذا اليوم المشهود الذي كانت وقائعه مثار جدال بين الادعاء والدفاع. فقد بدأت المواجهة من المتظاهرين سليمة منضبطة اكتفى المشاركون فيها بترديد شعارات معادية للاستعمار وأعوانه،ومنددة بعزم الحكومة الفرنسية على خلع السلطان محمد بن يوسف، ومعبرة عن مطالبه باستقلال الوطن،ورحيل المحتل الأجنبي،وقد تولى تأطيرها في البداية مناضلون من اطر فرع الحزب ممن دربوا على تنظيم وضبط الحركات الاحتجاجية ،وكان اغلبهم من المسيرين، والشبان النشطين في منظماته الموازية،لاسيما في الحركات الكشفية .وكغيرها من التظاهرات الاحتجاجية،ما ان قطعت شوطا حتى انضم إليها "المتفرجون" فرادى وزرافات ممن لم يكونوا منتظمين في صفوف الحركة الوطنية،وضمنهم عناصر استغلت هذه المناسبة لممارسة أعمال الشغب أو نهب أو تخريب، صادرة من منحرفين ذوي النزاعات الإنحرافية ،وأفراد خالوا ان هذه السلوكات تدخل في نطاق إحداث خلل في النظام العام يؤثر على السلطات القائمة . وبصرف النظر عن الدوافع،فان قوات الأمن كعادتها استغلتها فرصة لتصعيد المواجهة،والقيام بردود أفعال شرسة انتقامية ،فانفلت زمام المواجهة من سيطرة المحتج والمتصدي معا... المحتج الذي ليس لديه من وسائل الاحتجاج إلا الشعارات والهتافات والتفاف الجماهير حوله و المتصدي الذي تسنده قوات مدربة على استعمال آليات الفتك والردع،ومعبأة نفسيا بشحنات فائقة من الكراهية والحقد العنصريين ضد الوطنيين المناهضين للوجود الأجنبي في بلادهم ... وإذا أضيف إلى هذه العوامل الدور الذي قام به من كان يطلق عليهم اذاك "شبكة الوجود الفرنسي" أو "اليد الحمراء"، وهم من عتاة المستوطنين الفرنسيين المالكين للضيعات والمؤسسات التجارية والصناعية والمالية الكبرى، لتبدى لنا لماذا تحول هذا العمل الاحتجاجي السلمي إلى "مذبحة" نجم عنها قتلى وجرحى فاق عددهم كل المتوقع،وكذا الأمر بالنسبة للاعتقالات المركزة والعشوائية.وإذا تعذر حصر عدد هؤلاء ومعرفة هوية الكثير منهم،وما ساد مدينة وجدة ونواحيها والمغرب عامة،من إجراءات قمعية فاقت ضرواتها كل تصور، فان الذي لم تستطع الإدارة الاستعمارية حجبه عن الرأي العام، هو ما كان المعتقلون المحالون على المحاكم يصرحون أمام القضاة،وما كانت هيئة المحكمة تسجله خلال استماعها المرافعات الدفاع وشهادات الشهود. حقا لقد استشهد أكثر من ألف متظاهر و اختنق 14 معتقل في زنزانة مركز الشرطة وحوكم أكثر من هذا العدد حيث تراوحت بيت ستة أشهر وعامين من طرف السلطات المدنية في كل من وجدة بركان أما الذين أحيلوا على المحكمة العسكرية فبلغو 96 وطنيا صدرت في حقهم أحكام قاسية منهم ثمانية بالإعدام حضوريا،و11 بالإعدام غيابيا ،كما سبق ذكره،ولكن هذه التداعيات لم تؤثر على إيقاع المواجهة المسجلة بل ازدادت تحديا واستمرت المواجهة إلى أن عاد الملك الشرعي محمد بن يوسف إلى وطنه معززا مظفرا مردد للآية الكريمة "وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور"صدق الله والعظيم"
الهوامش :
عبد الصادق القادري بوتشيش " أضواء على حركة المقاومة المسلحة بالمنطقة الشرقية المغربية ص 37 الجزء الأول " مؤسسة جليلي للطباعة و النشر 2000 وجدة. نشر صادرة عن منظمة 16 غشت 1953 بمناسبة الذكرى 18 ص 8. نفس المطبوع. نفس المطبوع. عبد الصادق القادري ص.39 (مرجع سابق). المرجع نفسه ص 39 و 40. عبد الكريم غلاب :" تاريخ الحركة الوطنية" الجزء الثاني ص 605 مطبع الرسالة 1987. نفس المرجع ص 605. عبد الصادق القادري ص40 و 44. نفس المرجع. عبد الكريم غلاب ص 606 ( مرجع سابق). عبد الله راشد ك "كفاح المغاربة في سبيل الاستقلال و الديمقراطية" ص 51 الدار البيضاء 2004. Jean Charles le grand « justice partie de l'homme » page 266 عبد الله راشد ص 51 (مرجع سابق). نفس المرجع ص51 و هذا ما ذكره Jean Charles le grand في كتابه ص 266. محمد الصفراوي - معي- حوار مباشر معه علاوة على مطبوع له حول أحداث 16 و 17 غشت 1953 غير مرقم الصفحات. نفس المرجع(بتصرف). نفس المرجع(بتصرف). نفس المرجع(بتصرف). نفس المرجع(بتصرف). نفس المرجع(بتصرف). نفس المرجع(بتصرف)
انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.