ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاولة المغربية: لا توازن اجتماعي في غياب عدالة اجتماعية ولا مساواة في ظل انتشار التمييز بين الأجراء

كثُر الحديث عن حقوق الإنسان داخل المقاولة، من خلال توفير حماية خاصة لفئة الأجراء، علما أن الأجير هو إنسانا قبل كل شيء، وقد ذهب البعض إلى حد اعتبار أن قانون الشغل هو الأرضية المناسبة لاختبار حقوق الإنسان(1).
وفي ظل التطور التكنولوجي الذي عرفه عالم الشغل، برزت فكرة الحقوق الأساسية للأجراء التي تجد مصدرها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهذا التطور قد يهدد مبدأ استقرار الشغل بالنسبة للعديد من أنواع الأجراء، وبالتالي ضرورة احترام الحقوق الأساسية للأجراء من طرف جميع الدول كحد أدنى يساهم في التنمية الاجتماعية، الشيء الذي استرعى اهتمام منظمة العمل الدولية، فأولت أهمية وعناية كبيرة لهذه الفئة الاجتماعية من الأجراء، قصد تحسين ظروف عيشها، وتلبية متطلباتها الاجتماعية والاقتصادية.
والمغرب (2) دأب منذ الاستقلال على الانخراط في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وذلك بالانضمام والمصادقة على عديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية(3)، باعتبار أن الاتفاقيات الدولية لها مكانة خاصة في الدستور المغربي، والذي جعلها بعد المصادقة عليها، تسمو فوق التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلب تلك المصادقة.
ويعتبر مبدأ «سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية» الذي نص عليه لأول مرة، تقدما دستوريا في تاريخ المغرب.
أما المختصون بقانون الشغل بالمغرب، فلم يهتموا بنظرية حقوق الإنسان داخل المقاولة إلا في العقد الثامن من القرن الماضي(4)، حيث أن مشرع المدونة لم يساير هذا التوجه بالمصادقة على جل الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق الأساسية، كي يتسنى له تضمينها في صلب مقتضيات المدونة وتكريسها. وتبرز مكانة الحقوق الأساسية في ظل مدونة الشغل، من خلال ما جاء في التصدير والديباجة.
وإذا كان من الشروط الأساسية لتحقيق التنمية الاجتماعية هو ضمان الحقوق الأساسية بين الأجراء، فإن حق المساواة أو عدم التمييز بين الأجراء يعتبر منعأهم تلك الحقوق أهم تلك الحقوق، حيث يهم جل الأجراء من جهة، ومن جهة أخرى يعتمد على أساس معايير مختلفة، تهم الجنس والسن والعقيدة واللون والانتماء السياسي والنقابي والأصل الوطني والأصل الاجتماعي الخ...، وقد ركزت عليها العديد من التوصيات والاتفاقيات لمنظمة العمل الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قبل آن يتبناها التشريع الوطني ومختلف تشريعات الدول المتقدمة.
فضلا عن ذلك، إن مبدأ الحق في المساواة أو عدم التمييز بين الأجراء يساهم في تحقيق التوازن الاجتماعي بالمقاولة، وهذا التوازن هو نتيجة تحقيق العدالة الاجتماعية بين الاجراء.
إذاً، ماذا لو تم تغييب مبدأ الحق في المساواة وترتب عنه إنتشار التمييز بين الأجراء بالمقاولة؟ ثم كذلك، هل لإنتشار التمييز بين الأجراء آثار على تحقيق العدالة الاجتماعية؟
هذا ما سنحاول الايجابة عليه من خلال هذا المقال الذي ستناول فيه:
* أولا: مبدأ الحق في المساواة بين الأجراء في ظل التشريع الدولي والعربي والمغربي؛
* ثانيا: إنعدام مبدأ المساواة وانتشار التمييز بين الأجراء داخل المقاولة؛
* ثالثا: التمييز بين الأجراء و آثاره على تحقيق العدالة الاجتماعية بالمقاولة.
أولا: مبدأ المساواة بين الأجراء في ظل التشريع الدولي والعربي والمغربي
أولى المشرع على اختلاف مستوياته، الدولية والعربية والوطنية، لمحاربة التمييز أهمية خاصة، تجلت في العديد من النصوص والتشريعات ذات العلاقة، حيث وضعت هذه التشريعات مبدأ حماية الأجراء في صلب الموضوع، من أجل تحقيق مبدأ المساواة ومنع التمييز بمختلف أنواعه، باعتبار أن جميع الأشخاص متساوون في التمتع بالحقوق وممارسة الحريات.
1 - مبدأ المساواة في ظل التشريع الدولي
إن الدفاع عن مبدأ المساواة ومحاربة التمييز يعد من أهم مبادئ الأساسية لمنظمة العمل الدولية منذ نشأتها سنة 1919، وجاء إعلان فيلادلفيا الخاص بأهداف ومقاصد المنظمة الصادر في 10 ماي 1944، لينص في مادته الثانية على أن ((لجميع البشر أيا كان عرقهم أو معتقداتهم أو جنسهم، الحق في الشغل من أجل رفاهيتهم المادية وتقدمهم الروحي في ظروف توفر لهم الحرية والكرامة والأمن الاقتصادي وتكافئ الفرص))، وقد تلا هذا الإعلان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948، ليؤكد في نص المادة السابعة(5) على أن ((الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز)).
كما جاءت منظمة العمل الدولية سنة 1951 لتكرس وتؤكد على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من خلال إصدارها للاتفاقية رقم 100(6)، المتعلقة بمساواة العمال والعاملات في الأجر عن العمل ذي قيمة متساوية(7)، حيث عرفت الاتفاقية مفهوم الأجر من خلال المادة الأولى على أنه (( أ- يشمل تعبير «أجر» الأجر أو المرتب العادي، الأساسي أو الأدنى، وجميع التعويضات الأخرى، التي يدفعها صاحب العمل للعمال بصورة مباشرة أو غير مباشرة، نقدا أو عينا، مقابل استخدامه له؛
ب- تشير عبارة «مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية» إلي معدلات الأجور المحددة دون تمييز قائم على الجنس)).
وترسي هذه الاتفاقية مبدأ عاما على الدول الأعضاء في المنظمة، على أن تعمل على كفالة تطبيق مبدأ مساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية يشمل جميع العاملين، وأن تضمن حسن تنفيذ هذا التطبيق، حيث نصت المادة الثانية من هذه الاتفاقية على أنه ((1- تشجع كل دولة عضو، بوسائل تتلاءم مع الأساليب السائدة في تحديد معدلات الأجور، علي كفالة تطبيق مبدأ مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة العمل يعم جميع العاملين، وأن تتضمن تطبيق هذا المبدأ في حدود عدم تعارضه مع تلك الأساليب.
2 - يجوز تطبيق هذا المبدأ عن طريق:
أ- القوانين أو الأنظمة الوطنية،
ب- أي نظام قانوني لتحديد الأجور يقرره القانون أو يعترف به؛
ج- الاتفاقات الجماعية بين أصحاب العمل أو العمال؛
د- أي مزيج من هذه الوسائل)).
تعد الاتفاقية رقم 100 بداية تأكيد معايير العمل الدولية على مبدأ المساواة في الأجور بين المرأة والرجل، وقد ألحقت بهذه الاتفاقية التوصية رقم 90 والخاصة بمساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية، والتي نصت على أن تقوم الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان تطبيق مبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية.
غير أن منظمة العمل الدولية حتى وإن كانت لا تملك سلطة إلزام دول الأعضاء بتطبيق النصوص التي تقررها بشأن الاتفاقيات والتوصيات، فإنها مع ذلك تساهم في تنمية التشريع الداخلي لهذه الدول، حتى أصبح لهذه المنظمة تأثير فعال على تطور القانون الاجتماعي الدولي(8).
2 - مبدأ المساواة على مستوى التشريع العربي
على مستوى التشريع العربي فإننا سنقف أكثر على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي أكد صراحة على مبدأ المساواة وعدم التمييز في المعاملة، عكس الميثاق العربي للعمل، وكذا دستور منظمة العمل العربية، اللذان لم يؤكدان صراحة على المبدأ، بقدر ما هي نصوص عامة وعبارات فضفاضة(9).
وبرجوعنا للميثاق العربي لحقوق الإنسان(10) نجده قد حدد مجموعة من الأهداف، ويأتي في مقدمتها حسب ما نصت عليها المادة الأولى من هذا الميثاق على أن ((وضع حقوق الإنسان في الدول العربية ضمن الاهتمامات الوطنية الأساسية التي تجعل من حقوق الإنسان مثلاً سامية وأساسية توجه إرادة الإنسان في الدول العربية وتمكنه من الارتقاء نحو الأفضل وفقاً لما ترتضيه القيم الإنسانية النبيلة ... إعداد الأجيال في الدول العربية لحياة حرة مسئولة في مجتمع مدني متضامن وقائم على التلازم بين الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات وتسوده قيم المساواة والتسامح والاعتدال))، كما يضع الميثاق جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحمايته من دون تمييز (المادة 11).
ومن أهم الحقوق التي حددها الميثاق(11): هو الحق في المساواة وعدم التمييز بين الأفراد أو بين الرجال والنساء، والحق في الحياة، والحق في الحرية والأمان، والحق في الملكية الخاصة، والحق في الخصوصية، ومنع الاسترقاق والاستعباد،واحترام الكرامة الإنسانية، والحق في الاعتراف للشخص بشخصيته القانونية، الحق في التنمية والمشاركة والإسهام في تحقيق هذه التنمية والتمتع بميزاتها وثمارها، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية، وحرية الفكر والعقيدة والدين وحرية الرأي والتعبير والحق في الإعلام، والحق في العمل، ومنع التمييز بين الرجل والمرأة، والحق في حرية تكوين الجمعيات أو النقابات المهنية والانضمام إليها، والحق في الإضراب، والحق في مستوى معيشي كافل للعامل ولأسرته يوفر الرفاهية والعيش الكريم، والحق في الضمان الاجتماعي والتأمين الاجتماعي والرعاية الصحية.
يشار إلى أن هذا الميثاق يعبر عن الرؤية الجديدة و المتفتحة لحقوق الإنسان في منظومة الدولة العربية، بعد أن تم تعديل الميثاق السابق(12) لسنة 1997.
كما كرست الاتفاقية العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل «معدلة»، مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الأجور متى تماثلت أوضاع عملهم، حيث نصت المادة 42 من هذه الاتفاقية صراحة على أنه (( تمنح المرأة العاملة الأجر المماثل لأجر الرجل، وذلك عند تماثل العمل))، وبذلك تشترك معايير العمل العربية مع معايير العمل الدولية في إقرار مبدأ المساواة في الأجور بين العمال والعاملات، وذلك حرصاً على منع التمييز ضد المرأة فيما يتعلق بالأجر الذي تحصل عليه مقارنة بالأجر الذي يحصل عليه العامل متى تماثلت أوضاع عملهما(13).
3 - مبدأ المساواة في ظل التشريع المغربي
مبدأ المساواة يجد أصله كمبدأ قانوني في ظل التشريع المغربي، فدستور المملكة يعتبر جميع الأشخاص ذاتيين أو اعتباريين سواسية أمام القانون وملزمون بالامتثال له، حيث نص الفصل 6 من الدستور على أن ((القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له))، كما أقر الدستور بمبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات، حيث نص الفصل 19 على أنه ((يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها)).
وبما أن تشريع العمل تتحدد معالمه من مبادئ الأساسية التي يحددها الدستور، وبتطابقه مع المعايير العالمية، فإن مدونة الشغل أكدت على مبدأ المساواة انطلاقا من الديباجة، وذلك لمحاولة سد ثغرات التشريع السابق الذي تجاهل مبدأ المساواة، وكذا لإتفاقيات منظمة العمل الدولية في الموضوع، حيث جاء في ديباجة المدونة ((تشمل الحقوق التي يصونها هذا القانون ويضمن ممارستها داخل المقاولة وخارجها، الحقوق الواردة في اتفاقيات العمل الدولية المصادق عليها من جهة، ومن جهة أخرى، الحقوق التي تقرها الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية التي تتضمن بالخصوص :
- الحرية النقابية والإقرار الفعلي لحق التنظيم والمفاوضة الجماعية؛
- منع كل أشكال العمل الإجباري؛
- القضاء الفعلي على تشغيل الأطفال؛
- منع التمييز في مجال التشغيل والمهن؛
- المساواة في الأجر)).
فضلا عن ذلك، ورد في ديباجة المدونة على أنه ((تطبق مقتضيات هذا القانون في كل أرجاء التراب الوطني وبدون تمييز بين الأجراء يقوم على أساس السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي)).
ومن أهم المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الشغل والمتناولة لمبدأ المساواة وعدم التمييز، نذكر منها المادة 36 التي نصت على أنه ((لا تعد الأمور التالية من المبررات المقبولة لاتخاذ العقوبات التأديبية أو للفصل من الشغل :
1 - الانتماء النقابي أو ممارسة مهمة الممثل النقابي؛
2 - المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل، أو أثناء تلك الأوقات، برضى المشغل أو عملا بمقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي؛
3 - طلب الترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء، أو ممارسة هذه المهمة، أو ممارستها سابقا؛
4 - تقديم شكوى ضد المشغل، أو المشاركة في دعاوى ضده، في نطاق تطبيق مقتضيات هذا القانون؛
5 - العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الحالة الزوجية، أو المسؤوليات العائلية، أو العقيدة، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي؛
6 - الإعاقة، إذا لم يكن من شأنها أن تحول دون أداء الأجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة)).
وحرصا من مشرع مدونة الشغل على تكريس مبدأ المساواة في الأجر بين الجنسين، وملاءمته مع الاتفاقية رقم 100، فقد نصت المادة 346 من المدونة على أنه ((يمنع كل تمييز في الأجر بين الجنسين، إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه)).
ويبقى التساؤل الوارد في هذا الشأن هو: ما هي المعايير الواجب اعتمادها لقياس قيمة العمل حتى يتسنى التطبيق الفعلي لمبدأ المساواة في الأجر بين الجنسين كلما تساوت فيه العمل؟
* باحث في قانون الشغل وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية
هوامش:
1 عمر تيزاوي، مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق الأجراء، مطبعة سومكرام الدارالبيضاء، سنة 2011، صفحة 257.
2 أصبح المغرب عضوا في منظمة العمل الدولية بتاريخ 13 يونيه 1956،موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، المركز الثقافي العربي بيروت،الطبعة الثالثة 2004، صفحة 67.
3 تعتبر الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب قليلة، بحيث لا تتجاوز 61 اتفاقية مقارنة مع عدد الاتفاقيات التي أصدرتها منظمة العمل الدولية والبالغة 199 اتفاقية.
4 عمر تيزاوي، المرجع السابق 258.
5 اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الحمية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948
6 اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 29 يونيه 1951 في دورته الرابعة والثلاثين
7 اتفاقية منظمة العمل الدولي رقم 100 صادق عليها المغرب في 11 ماي 1979، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد3539 بتاريخ 27 غشت 1980.
8 موسى عبود، المرجع السابق، صفحتان 61 و65.
9 محمد عرفان الخطيب، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 25، العدد الثاني، سنة 2009، صفحات 369 و370 و371.
10 أعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس في 23 ماي 2004.
11 المواد الميثاق العربي لحقوق الإنسان: 3، 5، 10، 12، 14، 20، 21، 22، 30، 31، 32، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40.
12 أعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية في 15 سبتمبر1997.
13 راجع محمود سلامة، محمود سلامة، « الوسيط في عقد العمل الفردي»، الجزء الأول، الطبعة الأولى المنامة 1999، صفحة 645 وما بعدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.