الأمين العام للحكومة يترأس حفل تنصيب رئيس اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية    الدرهم يرتفع مقابل الأورو    هل يمنع دعاء الكابرانات لفرنسا فضح الثروات المنهوبة؟    نهضة بركان يتعادل أمام لواندا سول في كأس الكونفدرالية    نشرة إنذارية: موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    مغربي يتوج بلقب أفضل أستاذ في العالم في دورة 2024    حزب الاستقلال يطلق أول جيل من المناضلين الرقميين ويتطلع إلى عقد اجتماعي متقدم    عبد الكبير عبقار على رادار الريان القطري    مليلية المحتلة تتجمل للاحتفال ب"إيض يناير"    بحضور وازن وغفير لعموم المهنيين من مختلف القطاعات والمهن الصحية بتطوان.. هيكلة القطاع الصحي الاتحادي وانتخاب أشرف الجاري منسقا إقليميا    برمجة خاصة لإذاعة تطوان الجهوية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الجديدة    أوروبا التي تشبه قادتها    دخان سام يحيط بلوس أنجلوس.. والسلطات تدعو السكان للبقاء في منازلهم    عامل الإقليم يفتتح أول خط جوي يربط مطار الناظور بالرباط ب 350 درهم    "وحده الحب" فيلم يلقي الضوء على قضية الحدود برؤية سينمائية فريدة    توقعات أحوال الطقس يوم غد الإثنين    جائزة "مغرب الفروسية" تحتفي بالفرسان والفارسات المغاربة المتألقين خلال سنة 2024    مدرب الجيش الملكي: التأهل مستحق والفريق يملك هامشا للتطور أكثر    حذف فيلم "نايضة" من "اليوتيوب" في ظروف غامضة    وزارة الصحة تتدخل بعد استمرار تفشي "بوحمرون"..    قبل نهائي السوبر.. ليفاندوفسكي يحذر من ضربات ريال مدريد المفاجئة    ارتفاع حصيلة القتلى في لوس أنجلوس    الأردن يسمح بدخول السوريين بالخارج    28 قتيلا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    4الفريق الهولندي DCG يعزز الروابط الثقافية والرياضية مع الوطن الأم المغرب    المغرب يخطط لتوسيع شبكة الطرق السريعة بنسبة 66% بحلول عام 2030    العامل يدرج إقالة رئيس عين السبع    مضيان يدعو لاعتماد الحرف العربي في تعلم الأمازيغية إلى جانب تيفيناغ    الجامعة تعلن عن إلغاء السكتيوي معسكر مواليد 2000    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    التطعيم ضد الإنفلونزا في يناير وفبراير .. هل فات الأوان؟    جامعة الركبي تعقد جمعين عامين    لقاء تواصلي لنجمي الكرة المغربية عزيز بودربالة وحسن ناظر مع شباب مدينة زاكورة    الرياض تحتضن مؤتمرا دوليا لبحث دعم مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    المحلل الفرنسي ناثان ديفير: النظام الجزائري "كوكتيل متفجر" يجمع بين الاستبداد والفشل    الحرب بالأقوال: بوعلام الجزائري وصنصال المغربي    مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    العثور على جثة شخص ستيني داخل وحدة فندقية بالحسيمة يستنفر السلطات الأمنية    حادث مروّع في ستراسبورغ: اصطدام عربتي ترام يُصيب العشرات (فيديو)    "كوست ويف" يتجاوز البلوكاج بالجديدة... توفير ضمانات يحرر صافرتيْ إنذار    توقيف تاجر مخدرات في سيدي إفني    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    كمبالا: البواري يؤكد التزام المغرب بتطوير فلاحة قادرة على الصمود    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    الصمت يرافق ذكرى أول وفاة بسبب "كوفيد" في الصين    اعتداء عنيف على الفنان الشهير عبد المنعم عمايري في دمشق    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة المرأة في الإشهار الأمية والصور النمطية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 08 - 2016

ضمن أحد البرامج الصباحية لإذاعة البحر الأبيض المتوسط، أُدرجت فقرة عن نتائج الدراسة التي قدمتها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري حول الصور النمطية التمييزية ضد المرأة من خلال الإشهار في القناتين العموميتين الأولى والثانية. وتحدث الضيف ذ. محسن بنزاكور المتخصص في علم النفس الاجتماعي عن خلاصة الدراسة المتمثلة في أن عينة الوصلات الإشهارية التي تم تحليلها تظهر المرأة في الفضاء الداخلي المنزلي وتحصر دورها في دورها الأسري فيما يحتل الرجل الفضاء العام في أغلبية تلك الإعلانات. وعزا ذلك إلى عدم تغير عقلية المجتمع، وبالتالي فالتمثل السائد لدور كل جنس لم يتغير. لذلك، حسب رأي البروفيسور بنزاكور، وجب البحث عن جذور الإشكالية فيما هو اجتماعي ونفسي. وفي سياق الحديث عن المسؤوليات التي ينبغي أن تضطلع بها الأطراف المعنية، تطرق إلى الهاجس التجاري للمعلنين وإلى دور الأسرة والمدرسة وبأن الهيئة العليا لن تعيد الأمور إلى نصابها. على العموم، يشبه مشكل المسؤولية عن تغيير العقلية السائدة إلى حد ما سؤال أيهما الأسبق، البيضة أم الدجاجة؟ كما أشارت مقدمة البرنامج «فرحانة».
عن أي عقلية بالضبط نتحدث هنا؟ ما صرحت به الجهة المشرفة على الدراسة ومن حذا حذوها هي أن العقلية «الذكورية» أو «البطريركية» هي المذنبة في حالة بث الصور النمطية التمييزية ضد المرأة في الإشهار.
لكن أي دراسة علمية يفترض أن تتأسس على الاستقلالية عن أي جهة لها مصلحة أو إيديولوجيا أو أجندة معينة، ثم أن تنطلق من فرضية وليس من خلاصة جاهزة، وأن تعتمد منهجية صائبة إضافة إلى تشخيص للحالة يتجاوز الأرقام الإحصائية البحتة وينفذ إلى عمق المسألة أو كما قال ضيف البرنامج المذكور، التحليل الاجتماعي والنفسي لتلك الظاهرة الإشهارية -إن صح التعبير- التي ليست سوى مرآة عقلية معينة داخل مجتمعنا. كما أن لضبط المفاهيم وتسمية الأشياء بمسمياتها أهمية بالغة في أي بحث علمي.
طبعاً، لا يسمح المقال بالقيام بخبرة مضادة ولا يدعي ذلك، لكن يحاول فقط إثارة الانتباه إلى جدية الموضوع المعني وواجب التعامل معه بالدقة والموضوعية اللازمتين. لنبدأ بتشخيص مقتضب لتمظهرات تلك العقلية «المسؤولة» عن الصور النمطية التمييزية في الإشهار.
باختصار، يبدو الأمر في مجتمعنا، وبعيداً عن أي حكم قيمة، كأن جسد الرجل ملك له وحده في حين أن جسد المرأة مشاع يشارك في ملكيته كل أفراد المجتمع سواها، بدءاً بعائلتها المقربة وانتهاء بوعاظ «الفضيلة» المزعومين ومروراً بالذين «في قلوبهم مرض» من المعتدين على جسدها سواء بالعين، بالفم أو باليد كلما صادفوه في الفضاء العام. ولا أدل على ذلك من الأحداث الأخيرة المتعلقة بالإغارة الفيسبوكية على أجساد النساء في فضاء عام هو شاطئ البحر من طرف من نصبوا أنفسهم «مقتصين» افتراضيين (وقد يصبحون فعليين إن ظل سلوكهم بدون عقاب). وكذلك حالات التحرش داخل أماكن العمل التي تتطور أحيانا إلى شروع في اغتصاب أو استغلال السلطة للحصول على جسد عاملة أو موظفة لتواجدها في فضاء عام هو مكان العمل، وغالباً ما يفلت المتحرش من العقاب ويقع الحيف على المتحرش بها (حسب ما لاحظته شخصياً). دون الحديث عن الفضاءات العامة التي كانت مخصصة تاريخيا للذَّكر، أي المقاهي وأماكن الترفيه... ولو أنني أكاد أجزم أن التحرش في بلادنا هو تحرش طبقي أكثر مما هو تحرش جنسي. واقترح هنا على الباحثين في المجال القيام بتجربة بسيطة: خذوا نفس المرأة، ألبسوها ملابس متوسطة الحال أو أقل واتركوها تمشي في الشارع ثم احسبوا عدد المتحرشين بها ونوعية التحرشات. بعد ذلك، ألبسوها كما لو كانت خارجة للتو من عرض للأزياء الراقية وأنزلوها من مقعد قيادة سيارة فارهة ثم قوموا بنفس العملية الحسابية والتقييم. ستكتشفون بالتأكيد أنها في الحالة الثانية قد لا تتعرض للتحرش بتاتا أو قد تتعرض لتحرش أقل وبطرق أكثر لباقة!
باختصار أيضاً، يبدو أن هناك جهلاً أو تجاهلاً لكون المرأة إنساناً قبل أن تكون أنثى، كأننا كأفراد وجماعات نسينا هذه الحقيقة البسيطة، ألا وهي أن المرأة روح وعقل وكيان إنساني قبل وبعد أي شيء آخر. وما الجسد سوى من تراب وسيعود إليه لا فرق إن كان ذكرا أو أنثى، وبالتالي، فلا أحد يملك صك ملكية عليه، لأن الجسد الأنثوي والذكري على حد سواء ليس في نهاية المطاف سوى أمانة في عنق ساكنه ولا أحد غيره. إذاً، إذا سلمنا أنه لا وصاية لأحد على أجساد الناس بمجرد بلوغهم الرشد، لماذا هذا الانشغال بجسد المرأة من طرف الأشخاص والمؤسسات؟ وما الفرق بين من يدعو إلى عرض جسد المرأة شبه عار في الإشهار بمناسبة وبدون مناسبة ومن يدعو إلى جعلها خيمة متحركة بمجرد تخطيها عتبة الدار؟
لا فرق، في نظري، بينهما، فكلاهما يعتبر المرأة جسداً فقط ومن ثمة شيئًا. وهذا هو التمهيد لتحويلها إلى سلعة، سلعة قابلة للتداول في السوق، خاضعة لمنطق العرض والطلب! وإذا أضفنا إلى هذا فكرة أن التفقير والإذلال يؤديان بدورهما إلى التسليع بما في ذلك تغذية روافد سوق الجنس على صعيد شمولي، وأن الثراء الفاحش يخلق حاجيات مصطنعة وبدوره يغذي سوق الكماليات والترف، نستخلص أن تسليع الإنسان يخدم مصلحة السوق العالمية كما هي حالياً.
الملاحظة الثالثة، وباقتضاب، مرتبطة بما سلف، وهي ماهية الإشهار في ظل معطيات السوق الجديدة. الهدف الأساس للإشهار الذي كان يعرف فيما مضى بالدعاية (Réclame) هو التعريف بمنتج والحث على اقتنائه عبر تعداد مزاياه، وكلما كان المستمع أو المتفرج سهل التصديق كلما كان الإشهار ناجحا. لذلك دخلت على الخط آليات الضبط أو ما يسمى بالقانون المرن (Soft law) لوضع قواعد لحماية الفئات الأكثر هشاشة وقابلية للتأثر من قبيل الأطفال. لكن، هذا لا يمنع الإشهار اليوم وفي كل مناطق العالم من تجاوز حدود التعريف بالمنتج أو الخدمة والدعوة إلى استهلاكه (ها) إلى نشر قيم جديدة وثقافة استهلاكية صرفة، عبر خطابات وتقنيات سمعية بصرية غاية في الإحكام لم يستعملها حتى «غوبلز» في زمانه! ومفاد تلك الثقافة باختصار أن كل شيء يباع ويشترى بما فيه الجسد البشري. وأي مطَّلِع على عالم الإشهار سيقول لكم أن جودة الوصلة الإشهارية لا تقاس باحترامها للقيم الإنسانية ولكن بفعاليتها وحجم تأثيرها على المستهلك، وهذه هي نوعية دراسات الجدوى التي يقوم بها المستشهرون وخبراء الإشهار. ليس في نيتي شيطنة الإشهار، لكن بعملية حسابية بسيطة لا تحتاج إلى عبقرية فذة ، يتبين أن الإشهار في أيامنا هذه ليس شيطاناً في حد ذاته لكنه بالتأكيد محامي الشيطان.
الملاحظة الرابعة هي تأكيد ما جاء في دراسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري من كون الإشهار، من خلال العينة المرصودة، غالبا ما يحصر المرأة في الفضاء الداخلي المنزلي. لكن القفز من هذه الملاحظة الإحصائية إلى خلاصة أن سبب ذلك يعود إلى العقلية الذكورية أو «البطريركية» السائدة في المجتمع هو طريق مختصر يتناقض مع مبادئ البحث العلمي السالفة الذكر. فللوصول إلى تلك الخلاصة ينبغي أن تستند الدراسة إلى خزان تفكير (Think tank) يضم أفكار علماء اجتماع وعلماء نفس وخبراء تواصل.
الحيز هنا لا يسمح سوى بالتشخيص بالعين المجردة فقط، أي وصف تلك العقلية قبل نعتها بالتسمية المناسبة والتي هي حتما ليست بالذكورية ولا بالبطريركية (وهما بالمناسبة نعتان مستوردان فيما لكل مجتمع خصوصياته، وهذا تجاوز علمي أيضاً).
إذا اتفقنا على أن صورة المرأة في إشهارنا كما في مجتمعنا المغربي محصورة في الفضاء الداخلي/المنزلي، فهذا يجعل منها المكلفة الأولى بتربية الأبناء ذكوراً وإناثاً، وحارسة التقاليد وصاحبت القرارات حتى المصيرية منها بالنسبة للأسرة، والمتدخلة في كليات الأمور وجزئياتها داخل العائلة. فماذا يعني هذا؟ ...
يعني ببساطة أنها المسؤولة أو على الأقل صاحبة أكبر قدر من المسؤولية عن استمرار نفس الصور النمطية التمييزية ضد المرأة، ومسؤوليتها أكثر من الرجل الذي يحتل الفضاء العام على حساب الفضاء الخاص ولا يساهم في تربية الأبناء إلا بالنزر اليسير لأنه -وفقاً لنفس توزيع الأدوار ذاك- مكلف بالإنفاق عليهم.
من ثم، إذا كان لا بد من نعت الأشياء بمسمياتها، فالعقلية السائدة هي العقلية «الأمية»، والمقصود هنا ليس جهل القراءة والكتابة، بل الأمية نسبة إلى الأم كما قصدها الأستاذ عبد الله العروي، أي عقلية الأم بكل ما تحمله من تربية على الخوف من العالم الخارجي، والخضوع للأقوى، والمحافظة على «التقاليد» والخوف من التغيير والاختلاف... وما إلى ذلك من إعادة إنتاج «سيكولوجية الإنسان المقهور».
من الناحية العلمية والعملية، وإذا كان لابد أن ندخل في منطق الثنائيات المصطنعة وأن نجد للمرأة عدوا، فلن نجد أحسن من المرأة نفسها. إذ أن المرأة عدوة نفسها وعدوة المرأة حين لا تعي رغم ولوجها إلى مقاعد الدراسة والعلم والثقافة والعمل ومدرسة الحياة أنها مع ذلك تحمل داخلها عقلية أمها وجدتها.
التربية «الأمية» التي تلقيناها جيلاً بعد جيل جعلت التربية تدجيناً. وبالعودة إلى الدجاجة والبيضة المذكورتين في البرنامج، التربية «الأمية» تقوم -بعد التحضين طبعا- على أساس تكوين ديك من الابن، ودجاجة من الابنة كل همها الظفر بزوج/ديك وحتى إن كان طيراً حراً ستقص جناحيه حتى لا يطير بعيداً!
تلك التربية جعلتنا ننسى أو نتناسى أننا ذكوراً وإناثاً وُلدنا طيوراً حرة في سماء الله الواسعة ولنا حرية الاختيار ومعها مسؤولية ذلك الاختيار. والعقلية الناجمة عن تلك التربية، جعلت، في اللاوعي الجماعي، الرجل يقبل على نفسه أن يكون ديكاً دوره تخصيب دجاجة أو أكثر والتحول إلى صراف آلي قدر المستطاع، وجعلت المرأة تقبل على نفسها أن تكون دجاجة تفرخ الأبناء وتحضن عليهم حتى بعد عقود من بلوغهم سن الرشد. ويمكن الاستدلال على ذلك في بحث الابن عن «رضى الوالدة» أكثر من بحثه عن رضى الوالد عند اختياره لشريكة حياته، بل وحتى في أدق تفاصيل حياته الزوجية معها، وكذلك في العلاقة المتشنجة عادة بين الحماة والكنة.
إجمالاً، تصير الأسرة عندنا بسبب كل ما سبق مؤسسة تدجين أكثر مما هي الخلية الأولى للتربية، وعندما تتحول المؤسسة الثانية للتنشئة الاجتماعية التي هي المدرسة وبشكل ممنهج إلى آلة «للتضبيع»، على حد قول الأستاذ محمد جسوس رحمه الله، فماذا ستكون النتيجة في نظركم سواء في الإشهار أو في المجتمع ككل؟
الأرقام لا تكذب، لكن إذا تم القفز مباشرة إلى استنتاجات تنبني على مصطلحات ومفاهيم غير دقيقة كما هو حال الخلاصات المعبر عنها إبان تقديم دراسة «الصور النمطية التمييزية ضد المرأة من خلال الإشهار في القناتين العموميتين الأولى والثانية»، نسقط حتما في ثنائيات مصطنعة من قبيل المرأة ضد الرجل، العربي ضد الأمازيغي، الشباب ضد الشيوخ... والأمثلة عديدة لثنائيات مصطنعة تستهلك جهدا ووقتا وما تيسر من أموال الدولة ولا تنتج سوى خلاصات تفتقر إلى الحد الأدنى من التحليل العلمي الحق، أو تقدم حلولاً من منطق إثارة المشاكل، وتعتمد على مدعي خبرة يزيدون الطين بلة بصب الزيت على نار الثنائيات المصطنعة أو بذر الرماد في العيون لإخفاء الثنائية الحقيقية، أي سؤال توزيع الثروة إنتاجا واستفادة وبالتالي توزيع السلطة، في المجال وبين الأجيال وبين الطبقات الاجتماعية. وهنا دخلنا في المحظور أو على الأقل المحظور على تلك الدراسات المعلومة المسموح لها فقط بالتعامل مع السوق من نفس منطقه، ومع تشييء الإنسان نساء ورجالا من منطق تخفيفه، ومع تسليع الأفراد والمجتمعات من منطق تقنين التسليع فحسب!
لذلك، يجدر بنا كمتفرجين (متفرَّج علينا في نفس الوقت!) أن نطرح على الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري سؤالاً أولاً وجيها: أليس من مهمتها حماية المواطنين من الاعتداء السمعي البصري المتجسد في الإشهار الذي يخرق دفاتر الحملات ولا يحترم كرامة الإنسان/المرأة ويخل بالقواعد اللغوية لأي لغة دون تمييز، ولا يراعي أبسط قواعد الذوق العام، أليس من واجبها التدخل بما يفرضه القانون وموقعها كهيئة إدارية للضبط والتقنين بدل التعامل كمكتب دراسات؟
أما السؤال الثاني التي يتبادر إلى الذهن بهذا الخصوص فهو: ألن نشاهد في حياتنا أبدا القنوات التلفزية الخاصة التي وعدنا بها تحرير المشهد السمعي البصري ببلادنا وتأجلت لأكثر من عقد من الزمان، مادامت القنوات العمومية الممولة من جيوب دافعي الضرائب تقتات حصرياً على الإشهار؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.