محمد علوش من الأصوات الشعرية الفلسطينية؛ القادم من طولكرم محملا بهواجس الإبداع الحقيقي الضارب في الجرح الإنساني ؛ وفي محبة وجودية متيمة بأرض شامخة بنخيل الشهداء؛ وسنديان الأمهات المرابطات في قلاع الصمود نكاية في الموت وعاشقة للشهادة والحياة. من هذا الإرث التراجيدي ولد الشاعر متلظيا بنار الجور والمعاناة ؛ مما كان له الُأثر الجلي على الرؤية الشعرية التي يمكن وسمها بكونها رؤية تستقي صوتها الشعري من تصور ينطلق من اعتبار الشعر تعبيرا عما يكتنف الذات من أسئلة حارقة حول الواقع المدمى بالجروح ؛ والمطوق بليل أبدي قاصم للإرادة ، فتكون بذلك سلاحا للمقاومة؛وتعبيرا رافضا لما تتعرض له الذاكرة الجمعية من محو وطمس ، وقد كان الشعر الفلسطيني، في بداياته، ملتصقا بالصوت الجماعي؛ لأن القضية تستدعي أن يكون الصوت مرتفعا وكرنفاليا ؛ للتحريض وتأجيج حمية الجماهير، وقد نجح هذا الصنف من الشعر في خدمة القضية الفلسطينية ؛فأصبح الشاعر اللسان المعبر عما تتعرض له الأرض والذاكرة من انتهاكات جسيمة الغاية منها القضاء على الذاكرة، وحماية الأرض من تشويه المعالم الزاخرة بحضارة الإنسان الفلسطيني الضاربة في العمق الإنساني، وأيضا على هذه الأرض ما يستحق الحياة - كما قال محمود درويش-؛ وفي تعرض الأرض لكل ما ذكر فيه تهديد لكينونة الذات الشاعرة؛ فهذه الذات لا تحقق وجودها إلا بالارتباط بالأرض التي تمثل هوية الإنسان، فبدون انتماء لا وجود للذات. والشاعر محمد علوش من الشعراء الذين ظلوا مرتبطين بهذا الهم الجماعي، فتجربته الشعرية التي نقاربها، من خلال، ديوان «خطى الجبل» بعد ديوانيه «سترون في الطريق خطاي» و«ظلال الفجيعة». فديوان "خطى الجبل" يمثل تجربة شعرية راهنت ، في تأسيس خطاب شعري ملتصق بالهم الجمعي، وبالقضايا العربية والإنسانية ، والكتابة بدم الشهادة ، مما يبرز أن انشغال الذات الشاعرة الرئيسي هو القضية بكل أبعادها ، فجاء الصوت الشعري لديه صوتا صادحا بهذا الجرح الأبدي ،عازفا نشيد العذابات التي ترزح تحت شراستها الأرض والذات معا، ولعل نظرة متأملة للمتن الشعري يكشف حقيقة ذلك يقول الشاعر: أتيت أحمل روحي وريحاني أرفع قامتي نخلة في غربتي ملاذا لصوفي في أرض أحلامي الصغيرة أبوح بأشواقي (.........) أحمل روحي قربانا لنار سلبتني آلهة تعبدني فالذات الشاعرة تسترفد وجودها من العمق العاطفي، فهي متشبثة بالأرض والتضحية والشهادة، واختيار لغة البوح وسيلة تعبيرية عما يخالج الروح من حرقة وعذابات ، لا تكتسب معانيها العميقة إلا داخل سياق التجربة الشعرية ، فهي وإن كانت مرتبطة بالجانب العاطفي إلا أن لها حمولات دلالية ضاربة في عمق التصور الذي ينطلق منه الشاعر؛ والمتجلي في كون القضية هي جوهر العملية الشعرية؛ فالذات تقدم حياتها ، بغية حماية الأرض والحفاظ على الذاكرة يقول : أتيتك أحمل روحي ودفتر أشعاري الصغير أنتشي بجمري المتوقد وخمرة شوقي لنهر طليق هكذا الذات تأتي منتشية باحتراقاتها حاملة أقمار التاريخ والحضارة لتضيء ليل الأرض التي يعتلي عرش سماء القدس السليبة بعدما لحق الذات الشاعرة من نفي وغربة وتيه وضياع وتشرد يقول: أتيتك وقد غربتني الحدود وقست علي الخيام وشردتني الفصول فمعاناة الذات من معاناة الأرض التي تعبر عن هوية الشاعر، ومن تم فهي تفصح عن ارتباطها السرمدي بالقضية؛ فنجد الشاعر ينثر ورد المحبة للغيم والزيتونة واللوعة ؛ دليل على مدى التشبث والإيمان بها ، فالأرض ، بالنسبة للذات الشاعرة ، مصدر للكتابة الحارقة اللاذعة المتشحة بالألم الوجودي والتاريخي ، وفيها يستبد الليل فتغدو غريبة عن ذات محاصرة بالموت والانتظار يقول : والأرض غريبة والشوق مصلوبا على نار صفيح النار وعطر الأقحوان محاصر فالشاعر محمد علوش يؤسس لشعرية تمتح من عمق الهم الجمعي لخلق نص شعري يجسد تجربة الذات الجريحة بنصل الغياب ؛ لذلك تروم الذات الشاعرة إلى التجذر في تربة الأرض ومسح الهزائم من تاريخ الأمة يقول: أغمد جذري روحا متوثبة وأطفئ الغياب وأمسح عن جدائلك الهزائم وأسرج أحلامي المعذبة وأنبض فيك ملحا وماء فالملفوظ الشعري يكشف عن لغة التحدي التي تستند إليها الذات للتعبير عن موقف رافض لكل أشكال الغياب والهزائم، عبر الارتباط بالحلم والماء كمصدرين للاستمرارية في الحياة وعلى هذه الأرض الطاهرة، فتصبح الكتابة الشعرية لدى الشاعر مرآة تنعكس عليها ملامح الذات الشاعرة وهي مسربلة بالأمل الذي تبتغيه رغم مسحة الشجن والحزن يقول: نوقد من دمنا نارا نشعلها أفراحا لطيور الجنة حتى تتواصل الأعراس بنشوتها (..........) أنا المحزون أذمتني الحفر على عربدة الشارع فالذات الشاعرة ذات مسكونة بتناقضاتها فهي تارة متحدية وأخرى مستسلمة لقدرها فترى أن الحياة وهم، وأن ما يجري على الأراضي الفلسطينية من ممارسات لا إنسانية توضح بالملموس أن العدو جاثم على أنفاس أهل الحق يقول : الكل سراب سراب إقناع الليل بأن يرحل فالرؤية هنا تعري جوهر الذات التي تكابد مرارة واقع القضية ، هذا الواقع الذي يتسم بالعجز ، وعندما يعجز الواقع فإن الذات تصاب بخيبة الأمل ، لكن وللخروج من هكذا وضع ، تتقنع بذاكرة فلسطينية تزرع الحياة من جديد في شرايين الشاعر، هذه الذاكرة تتمثل في شخصية حنظلة الطفل الفلسطيني وليد الكاريكاتيري ست ناجي العلي ، ليستمد منه روح البقاء يقول: قتلوني بعيدا ولكنني لم أمت أدرت ظهري لهم للعفن الأسود يستوطن قلوبهم هي صورة شعرية طافحة بالتحدي، فحنظلة ما زال حيا يرزق ، يقيم في حارات وأزقة فلسطين، ويعبق بروائح الأمهات المتشحات بالنخوة والإباء ، حنظلة مازال يتجول كل لحظة في سماوات القدس والخليل والجليل وكل البقاع الفلسطينية وهو جرح الورد وضمير الفقراء يقول: أنا جرح الورد النازف ضمير الفقراء طائر القلب الشريد حطموا جناحي ومازلت أعزف طائرا في سماء البوح انتحرت خيولي في صحراء الهم ويبقى حنظلة متقدا وساطعا في الذاكرة الإنسانية لكونه لسان كل مقهور ومعذب على أرص لا ترتضي غير الحياة، فاللغة عنده الصورة المعبرة عن الألم الإنساني في الكون والتي تشكل الضمير الحي يقول : لغتي صورتي لوحاتي ضمائر لا تنام تنام على مقلتيها الدموع قتلوني بعيدا ولكنني لم أمت لذلك ظل حنظلة المصباح الذي يضيء عتمة الواقع ،فبريشته تمكن من حماية الذاكرة الفلسطينية من الزوال، ويزرع بذور الحلم في الذات الشاعرة حتى تستمر في الحياة يقول: آتيكم لنكمل الحلم ونعلي النشيد «لا غالب إلا الله» فانتظروني على شاطئ حيفا فالتجربة الشعرية للشاعر محمد علوش تجربة تزخر بزخم موضوعاتي معبر عن اللحظة التاريخية، ومنسجم مع الدفقة الشعورية لذات تصطلي بحرقة الإبداع الأصيل ، حيث تحضر القضية بشكل بارز في المتن الشعري ، فرغم حضور الذات إلا أنه يظل حضورا باهتا نظرا لجلال الجرح الفلسطيني وعظمته ؛ والقضية لم تكن الشغل الشاغل للرجل الفلسطيني فقط بل إن المرأة الفلسطينية كانت هي الأخرى مساهمة ومشاركة بشكل يبرز الدور الفعال لها في الدفاع عن حوزة الأراضي السليبة ، لذلك يخلدها الشاعر رمزا للصمود والإباء والنضال يقول في قصيدة (خالدة ) : تسامرين مساء الصمود وتعزفين ألحان البقاء من وحي القهر من وجع الانفرادي من قلب الزنزانة وتحطمين قيد الخشونة في معصمك فأنت الشرارة يا نزف الثائرين أنت الحكاية والبداية فالمرأة الفلسطينية حاصرة في المتن الشعري كصوت مقاوم ومناهض لكل أشكال التنكيل الذي يتعرض له الإنسان الفلسطيني،فخالدة ما هو إلا رمز لكل امرأة فلسطينية قدرها أن تجد نفسها أسيرة بين قضبان الظلم والاستعباد؛لكنها تظل شامخة وأبية ، فهي امرأة ترتدي المجد والعنفوان ، غير مساومة ولا مقامرة بل مقاومة لكل الممارسات اللاإنسانية التي يمارسها المحتل في حق صاحب الأرض. مما لاشك فيه أن الذات الشاعرة تكتب سيرة شعب يتكبد القمع ويعاني من الحصار على جميع الصعد ، ومن تم فهو يسعى إلى التحرر من هذه القيود التي تقف سدا منيعا أمام طموحاته وتحقيق أحلامه ، فتتحول التجربة الشعرية عند الشاعر محمد علوش إلى صوت من لا صوت له ، فالشاعر لسان الإنسان الذي يتعرض لوحشية الجائر الظالم. فالحرية تيمة موضوعاتية تهيمن على الخطاب الشعري يقول : طليقا مغردا في ليل قدر كرنفال روح متوثبة يعانق أسراب حمام فارسا فوق صهوة موجا عارما عنيدا كذخيرة الجندي المجهول روحه لا تموت حرا في سماء عرابي إن الذات الشاعرة تعتمد في بناء نصيتها الشعرية إلى رموز لها حمولات سياسية وأدبية ومكانية ، حيث حنظلة وغسان كنفاني ومحمود درويش ومصر ودمشق والجزائر والصين ،هذه الرموز تحيل على ذاكرة النضال بشتى ألوانه، فهناك النضال بالقلم والريشة والمقاومة الذي تجسده هذه الرموز ذات البعد الإنساني ، إضافة إلى الرمز الحضاري الذي تمثل في عكا وأريحا وقاسيون وبردى فقد أسهمت في شحن الخطاب الشعري بمداليل مفعمة بالدور الكبير الذي قامت به في مجابهة كل عدوان يقول الشاعر: عكا سيدة البحر عكا حكاية الزمان عكا تحرس الأسوار تغني للبحر موال البحارة ونشيد الأزقة العتيقة وتصلي شواطئها في انتظار المطر ممهورة بدم العشاق فرمز عكا يدل على الحضارة الفلسطينية المتجذرة في التاريخ البشري ، والتي لا تتنفس إلا روائح الإنسان الفلسطيني أما الغريب فهو منبوذ،فهي الحارسة والسيدة والمغنية والمتعبدة والعاشقة تربة الأرض المقدسة ، إنه توحد بين الأرض والحضارة يجلي عمق الوجود الفلسطيني. يقول في عشقه للشام : متيم بالشام بجدول عشقها تنبع من بردى دموعا وشوقا أطل على قاسيون جبلا شامخا فالذات الشاعرة تستمد كينونتها من الجبل رمز الصمود والإباء،والشموخ . فشموخ الإنسان الفلسطيني من شموخ جبال أرض العروبة، أرض الشهداء والممانعة ، لذلك يعبر عن هيامه وولعه بالشام. هذا العشق ما هو إلا ترجمة لذات شاعرة تتخذ من هذه الرموز قناعا شعريا لتمرير المواقف المعبر عنها بلغة البوح الداخلي. وبالتالي يمكن القول إن الشاعر وظف هذه الأقنعة ذات الدلالات الموحية والضاربة في الذاكرة الجمعية هادفا من وراءها حماية التاريخ من التزييف والتحريف من لدن العدو. فالتجربة الشعرية ماضية في رسم ملامح الذات وهي متماهية مع القضية، التي هي ملح التجربة ، وبها استطاعت الذات الشاعرة المضي بعيدا صوب معانقة ما هو سام في الوجود ليعلن معجزته ويكشف عما يعتملها من مشاعر وعواطف نبيلة تتواشج مع ما هو أبهى وأنبل، وهو المتوج أميرا على الجبال والفارس الذي يمتطي صهوة الحلم وسيلة تعبيرية لتأسيس خطاب شعري يجسد المعاناة الفلسطينية بلغة شعرية تستقي حياتها من الواقع المعيش ، لغة اتسمت بالبساطة على مستوى البنية السطحية ؛ لكنها قابلة لتآويل عديدة مما أثرى البنية النصية للتجربة ؛ وجعلها تنماز ببلاغة القول الملمح ؛ وبجمالية المبنى يقول الشاعر: ماض بخطى ثابتة أعلق فوق أعناق الجبال معجزتي مهجتي وأنثر زهرة عمري باقة للسفح وقبلة على خد القمر إن هذا المقول الشعري غني بدلالات لاتستمد إلا في السياق النصي الذي كان داعيا من دواعي الكتابة، فالذات تتحدى كل الصعاب والمشاق حاملة معجزة الصمود التي يستقيها من بلاغة الجبال ؛ ناثرة زهرة العمر كبرهان على حب التضحية من أجل الأرض الطيبة ؛ أرض الأنبياء والحضارة والمحبة ، وسيرة الشاعر من سيرة فلسطين ؛ هذه السيرة الضاربة بجذورها في الذاكرة الجمعية تعبر بما لا يدع مجالا للشك ؛ عن الارتباط الوجودي بالأرض والانتماء إلى كينونة فلسطينية تقاوم وجودها عبر النضال والمقاومة ، ولعل استدعاء الشاعر لشخصيات بَصَمَتْ التاريخ العربي والإنساني بالتضحية من أجل الإنسان مما عمق التجربة يقول مستحضرا شخصية الحسين الشهيد البطل : لم يراق على أرض عراق تدفقي كربلاء الله روحا ودما لحسين لطخته يدي الأعادي باهت وجهك دجلة مجمدة في عروقه دماء الإمام لحن الرافدين حزينا تنوح عليه الرواسي فاللغة الشعرية جريحة ، مفعمة بالتحسر والتفجع نظرا لما تتخبط فيه أرض العراق من أوضاع مأساوية وتراجيدية تكالبت عليها مكائد التاريخ والجغرافيا، وهذه الصورة المشهدية الكارثية تسري على أمة كليمة وغارقة في دم الإخوة الأعداء، وما يمكن التأكيد عليه هو أن هذا الاستدعاء ما هو إلا وسيلة لتمرير مواقف إنسانية رافضة لكل هذا الألم العربي. ولعل هذه السمة من مميزات الخطاب الشعري الذي يؤسس لتجربة شعرية لشاعر مندمغ في قضايا المجتمع، فاللغة ضاربة في الألم والجرح ، لغة الكارثة التي وسمت النص الشعري ، مما يزكي حقيقة العمق الإنساني الذي يعبر عنه المتن الشعري للشاعر، هذا المتن الذي يصطبغ بالمحنة الوجودية للذات في علاقتها بالواقع المذمى، وما يؤكد ذلك هو استدعاء الشاعر لشخصيات وأمكنة عربية لها الحظوة الكاملة في الدور الفعال الذي قامت به عبر التاريخ ؛ لتكون اللسان الناطق بهذه المحنة وأقنعة شعرية أسهمت في ضخ النص الشعري بحمولات دلالية وجمالية أعطته الوهج والبهاء يقول: لم يراق على أرض عراق تدفقي كربلاء الله روحا ودما لحسين لطخته يدي الأعادي باهت وجهك دجلة مجمدة في عروقه دماء الإمام لحن الرافدين حزينا تنوح عليه الروابي لاشك أن هذا القناع يعري واقع الأمة العربية الإسلامية، واقعا متشحا بكآبة الشلل والعجز للخروج من هكذا حالة؛ فالشاعر بصيغة الأمر يوجه خطابه إلى كربلاء رمز الشهادة والإباء لتتدفق بروح ودم الحسين الملطخ بيد الإخوة الأعداء، كي يعيد لأرض العراق المجد والنخوة لأمة أسلمت راياتها للهزائم والخيبات، ومن تمجيد للعرب تاريخ الماضي المجيد والزاهر. فالذات الشاعرة تستند إلى التراث التاريخي والحضاري كإرث إنساني للتعبير عن موقف الرفض لما يجري من أحداث وحروب الضحية الأولى فيها هو الإنسان العربي. كما تراهن على الأمل في الأجيال القادمة، التي ستعيد الشموس إلى سماء العرب والحياة إلى الأرض بعد الموات يقول الشاعر: عاشقة كقديسة قصائدها من أريج البوح رذاذ من عبق الأقحوان صارت نشيدا للشوق (..........) راهنت قديما بأن الغيم سيمطر وبأن الحق سيعلو فكم من أمطار سقطت هذا الرهان الشعري الذي تبتغيه الذات الشاعرة هو رهان من أجل الأرض الطاهرة، العاشقة، التي تغني نشيد البقاء وترتضي الغيم رمزا للحياة، إنه الحلم الذي يقود الشاعر إلى اقتراف جنحة الخيال لخلق لغة متواشجة مع النزيف العربي رغم أن الذات مكبلة بأغلال الهزائم ؛ والفجائع الأليمة والمؤلمة؛ ورغم المنافي فإنها تصبو إلى معانقة الحياة يقول: أنا المنفي سمائي تحاصرني وأحلامي مقيدة بالسلاسل خانتني المواعيد تركتني وحيدا على حافة الحلم ويقول أيضا: بعيد عنك قريب منك تظللني سحابة عاشقة تغني للحلم سنابل حمراء وللخيول صهوة الشوق وتهري يتدفق شاعرا يصدح بالنشيد بأعراس الظهيرة من رحم المعاناة والعذابات تنبثق الذات الشاعرة منتصرة على كل القيود التي تحول دون تحقيق المأمول ، لكن طبيعة الشعراء أنهم دائمو الحلم باندحار الليل وقدوم نهار سيضيء العتمات والظلمات؛ وما استحضار الرموز الأدبية ) غسان كنفاني ومحمود درويش وناجي العلي ...) ثم الرموز السياسية ( ماوتسي تونغ واليرموك وفوكوياما المقاومة الجزائرية ) والرموز الحضارية (مصر والشام ...) إلا برهان على رهان حقيقي يتمثل في الشهادة من أجل إعادة الاعتبار إلى الأرض والإنسان والتاريخ العربي يقول: فأنت الشهيد حالما وحارسا لغيمة فصول أربعة عائدا من منفاك البعيد ترسم طيرا ترسم برتقالة فالشهيد غسان كنفاني وأمثاله من الشهداء هم الذين يزرعون الأمل ليوم مشرق بشمس النصر والعودة مادام الغريب سيبقى غريبا ولو حاول تغيير ملامح الأرض ؛ ومع ذلك لن يستطيع إلى ذلك سبيلا يقول: هو الغريب لا أنت فأنت الشهيد وأنت نبي زمان بلا أنبياء دمك ينزف عشقا ينزف ذكريات تقطر منها ينابيع المحبة فالمحمول الشعري ثري بهذا الامتداد الوجودي في الذاكرة والتاريخ، فالشهيد بالعشق والمحبة والنبوة قدم روحه قربانا لأرض الأنبياء ، ومهد الأخوة والروح الإنسانية حيث التعايش كان العنوان البارز لكل العصور ، كما أن الشهيد أيضا يكتب الأرض بدمه وبوجع الدروب الضيقة الاستمرارية والديمومة ، إنه يحمل رائحة التراب في الأنفاس والأحلام، في الفرح والترح، في النصر والهزيمة. فالذات الشاعرة ؛ من خلال هذا الديوان الشعري الذي يحمل صوت الشاعر الشعري، وبالتالي يجسد تجربة شعرية قمينة بالمصاحبة النقدية المتأملة والمبحرة في أعماقه التي تواري الدرر الشعرية الباذخة في بلاغة البوح، والكتابة بدم الشهادة عربون عشق للأرض الفلسطينية المجروحة والمكلومة ؛ فيظل الشاعر باحثا عن القصيدة الحلم وحائرا فيها ليؤثث عوالم النص الشعري بمتخيل بلاغي أصيل يقول: وأنا الحائر أبحث عن شارع يتسع خطاي أبحث عن زيتونة تدفئني حلكته فلا أجد إلا تيها تتبعه قدماي ويقول أيضا : وحيدا في رحاب اللغة أخط يراعي من نبض دمائها يمامة سماء القصيدة تدثري من برد الانتظار ووعثاء الطريق إلى البداية إن الشاعر محمد علوش يظل رهين تجربة تبحث عن الحرية والسفر بعيدا حيث اللامحدود واللانهائي هو نداء القصيدة المتشحة بصوت القضية ، ويبقى شاعرا منذورا لقدره الإبداعي ، وحرقته واحتراقه الأبدي من أجل الحياة والكتابة. شاعر وناقد من المغرب