مع نهاية الموسم الدراسي وشهر رمضان، تأتي العطلة الصيفية كمناسبة للأسرة عموما والأطفال خصوصا ، لتغيير الأجواء والترفيه عن النفس، بعد سنة من العمل والعطاء. لكن الوجهات تختلف بحسب خصوصية الاسرة، مكان سكنها وإمكانياتها المالية. في الأمس القريب قبل سنوات قليلة، كانت الأسر المغربية كلما حل فصل الصيف تعد عدتها من أجل قضاء عطلتها السنوية باختيارات محدودة أهمها التوجه نحو الأهل والأقارب والأصدقاء، خاصة من يقطن منهم في أماكن قريبة من البحر أو الجبل. العطلة كانت فرصة أيضا للعودة الى الجذور عبر زيارة أرض الأجداد في البوادي النائية أو القرى و المدن البعيدة، وهي مناسبة تعزز الارتباط بالعائلة وتعرف الأبناء بالأصول. أسر اخرى تختار التوجه للبحر عبر نصب خيام في الشاطئ أو تتوجه نحو «المواسم» التي تقام بمحاذاة بعض الأضرحة للإستفادة من الأنشطة الموازية كالتسوق ومتابعة فرق موسيقية شعبية و عروض التبوريدة. في حين تفضل بعض الأسر إرسال أبنائها للمخيفات الصيفية المختلفة من أجل التربية على قيم التضامن والاعتماد على النفس واحترام الآخر. أسر أخرى أقل حظا تمضي العطلة دون أن تغادر منزلها في غياب بدائل ، ما يضطر الأبناء الى قضاء العطلة في الأزقة والشوارع ، ما يدفع بعضهم الى امتهان تجارة موسمية او حرفة خلال فصل الصيف لتمضية الوقت أولا ثم كسب بعض المال وتعلم حرفة قد تنفع في المستقبل. الفنادق كانت بالنسبة لفئات عريضة من المجتمع حصونا يصعب اختراقها، فالعائلات المحظوظة فقط كانت تستطيع التوجه نحو منتجعات سياحية خارج ارض الوطن كباريس، لندن او نيويورك. أما الفنادق الوطنية فكانت تعتمد بشكل كبير على السياح الاجانب، في حين ان المواطنين المغاربة كانوا يشكلون الاستثناء. العطلة الصيفية اليوم تغير الزمن وتغيرت العقليات وأصبحت العطلة الصيفية ضرورة من ضروريات الحياة المعاصرة، ساهم في ذلك تطور البنيات الفندقية في بلادنا ، وأيضا الترويج الاعلامي والتوجه نحو القروض الاستهلاكية. فمنذ 15 عاما خلت عرفت عدة مدن نموا وتطورا لقدراتها الاستيعابية السياحية و الفندقية كمراكش، أكادير، طنجة، مارتيل، الداخلة، ورزازات، أو الصويرة،....بنيات كانت موجهة بالأساس الى السائح الاجنبي، لكن الأزمات الأقتصادية وأيضا الثورات والأحداث التي شهدها العالم منذ بداية القرن الواحد والعشرين عرضت القطاع لعدة هزات ما دفع الفاعلين والمستثمرين إلى توجيه عرضهم نحو السائح المحلي، وبالتالي تخفيض الاسعار مقارنة بالاعوام السابقة. وكالات الاسفار التي يبلغ عددها في المغرب حوالي 762 وكالة تتمركز أكثر من 50 بالمائة منها في محور الدارالبيضاءومراكش، لعبت دورا كبيرا لتسويق هذا المنتوج السياحي. توجهنا صوب احدى هذه الوكالات للتعرف على نوعية العروض المقدمة ورصدنا آراء مختلفة. «نقدم عروضا غنية ومتنوعة بين رحلات داخل وخارج ارض الوطن، لكن انشطتنا ترتكز بالاساس على تنظيم رحلات الحج والعمرة» . هذا ما اكده لنا مسير وكالة أسفار، وفي سؤال عن الأثمنة أجاب : «عروضنا مدروسة بعناية وتستجيب لمختلف الاذواق والرغبات وبأثمنة مناسبة» . التقينا بشاب حديث الزواج يشتغل كإطار في إحدى الشركات الخاصة رفقة زوجته، وسألناه عن الوجهة السياحية المفضلة لديه فأجاب : «شخصيا أفضل اسبانيا، ايطاليا واليونان، لأن الأثمنة جيدة والأجواء رائعة في حين تفضل زوجتي اكتشاف تركيا، لكن بعد التعرف على كل العروض استقر اختيارنا على رحلة بحرية تستمر 11 يوما بسعر 8500 درهم للفرد. سنكتشف من خلالها عدة مدن بشواطئ البحر الابيض المتوسط، في كل من فرنسا، ايطاليا، مالطا، تركيا، واليونان» . وعن عدم اختياره وجهة سياحية وطنية أجاب : «طبيعة عملي تمكنني من اكتشاف مناطق عديدة من ربوع المغرب وبالتالي اخترت وجهة خارج المملكة، فالرحلة البحرية ستكون أكثر رومنسية خصوصا بالنسبة لفترة شهر العسل». سألنا زبونا آخر عن طبيعة اختياره فأجاب : «هناك عروض جيدة بمختلف مدن المملكة، لكني اخترت مدينة الداخلة، لأنه لم يسبق لي اكتشاف اقاليم المغرب الجنوبية، خصوصا واني من هواة الصيد و الرياضات البحرية، تكاليف الرحلة 5000 درهم تشمل الطائرة والاقامة بالفندق» . لكن الشبكة العنكبوتية اصبحت تشكل في السنوات الاخيرة منافسة حقيقية لوكالات الاسفار. فيكفي اليوم امتلاك هاتف من الجيل الجديد للتعرف على عدة عروض مغرية، والحجز بفنادق مصنفة من فئة 5 و 4 نجوم. بتخفيضات تصل احيانا الى اكثر من 70 بالمائة، فنهاية اسبوع في مراكش قد تصل تكلفتها الى اقل من 600 درهم في فندق من فئة 4 نجوم لزوجين رفقة طفل يقل عمره عن 10 سنوات. ولمن يريد ان يمضي عطلة الصيف ويتمتع بأشعة الشمس وامواج البحر الابيض المتوسط مع الاحتفاظ باجواء العائلة المغربية بمدينة مارتيل ، هناك عروض قد تصل الى 2900 درهم، اي بتخفيض يصل الى 72 بالمائة. لاربعة اشخاص وتدوم 7 ليال بشقة بغرفتين وصالون وحمام ومطبخ. بمنتجعات سياحية توفر مسابح ومرائب للسيارات وايضا ولوجا مباشرا لشاطئ البحر. لكن هذه العروض تطبق فقط في الفترات الأقل اكتظاظا، لكن في عز الصيف ومع ارتفاع الطلب تقفز الاسعار الى الضعف او اكثر، فيكفي التوجه الى القبلات السياحية كمراكش، اكادير، طنجة، مارتيل، الصويرة، السعيدية،افران،... لتكتشف لهيب الاسعار .فأمام الإقبال الكبير تصبح الشقق المفروشة الوجهة المفضلة للزوار، بسعر لا يقل عن 300 درهم لليلة الواحدة، لكن الرقم يتضاعف عدة مرات كلما ارتفعت جودة السكن او تواجد داخل منتجعات سياحية توفر مسابح وانشطة ترفيهية أو اقتربت اكثر من شاطئ البحر. ما يوفر نشاطا ورواجا في عدة مناطق تعرف ركودا على مدار السنة وهوما يوفر مصدر رزق للعديد من الاسر. فمدينة السعيدية مثلا يرتفع عدد سكانها بالضعف 20 مرة خلال فصل الصيف. ولتلبية طلبات ومتطلبات الطبقة المتوسطة تتفنن شركات القروض والابناك في ابتكار عروض مغرية تتأقلم حسب المواسم وتمكن من تمضية عطلة ممتعة قد تستمر اقساطها لسنوات. مع إمكانية تأجيل تسديد الدفعات 3 او 6 اشهر مع إمكانية استفادة الزبون من بطاقات بنكية في حدود سقف معين من المال بالدرهم او بالعملة الصعبة في حال الرغبة في زيارة وجهة خارج حدود الوطن. لكن شريحة واسعة من المجتمع تجد صعوبة في تأمين مصاريف رحلة خلال العطلة الصيفية، فخلال بحثنا التقينا بسيدة في عقدها الخامس وهي أم لآربعة ابناء، سألناها أين تمضي العطلة الصيفية ؟ فاجابت : «بالكاد نستطيع تأمين المصاريف الضرورية، بالاحرى توفير مصاريف رحلة في الصيف» . التقينا برجل في عقده الرابع وهو موظف وأب لطفلين وسألناه أين يمضي عطلته الصيفية. فاجاب وملامح الابتسامة بادية على محياه : «في السنوات الاولى من الزواج كنت أستطيع تمضية عطلة قصيرة في إحدى مدن المملكة، لكن اليوم مع تكاليف دراسة الابناء في مدارس خصوصية و بعد اقتطاع قرض السكن، أنتظر أخر الشهر بفارغ الصبر، لكن لإرضاء الأبناء نذهب لشاطئ عين الذئاب أو شاطئ المحمدية مرة أو ثلاث مرات خلال فصل الصيف» . وهو حال العديد من الأسر المغربية، لحسن الحظ هناك برنامح العطلة للجميع الذي انطلق سنة 2003 بمبادرة من كاتب الدولة المكلف بالشباب سابقا محمد الكحص، والذي راهن على تحسين واقع المخيمات الصيفية وإتاحة الفرصة أمام آلاف الأطفال المغاربة للولوج الى اكتشاف مناطق شاسعة من ربوع المملكة مع الاستفادة من برنامح تربوي وترفيهي متنوع. لهذا الغرض تنشط عدة جمعيات من المجتمع المدني بتأطير من وزارة الشباب والرياضة من أجل انجاح عملية 2016، حيث من المرتقب ان يصل عدد الاطفال المستفيدين من برنامج العطلة للجميع هذا العام في نهاية مراحله الخمس لحوالي 250000 مشارك ومشاركة. الاختيار الأمثل المغرب بتنوع تضاريسه ومناخه وغناه الثقافي، يوفر وجهات سياحية رائعة جبلية، صحراوية و بحرية وأيضا مدنا تختزل إرثا معماريا وحضاريا قل نظيره، لكن ضعف قدرة العديد من الاسر يحرمها من الاستفادة والتعرف على جمال بلدها. وبالتالي اصبح توفير عرض يتلاءم و امكانيات وخصوصيات الأسرة المغربية أمرا ضروريا، عبر تدبير أفضل لبرنامج (كنوز بلادي) الذي أطلقته منذ سنوات وزارة السياحة دون أن يحقق كل النتائج المرجوة، فالفنادق وان كانت تلبي متطلبات الطبقة المتوسطة الصغيرة العدد، فهي لا تستجيب لرغبات الأسر المغربية التي بلغ عددها 5 او 6 أشخاص أو أكثر والتي تفضل الشقق، لأنها توفر أجواء أكثر حميمية وبتكلفة أقل. تدبير ميزانية الأسر على مدار السنة أمر هام وضروري مع اختيار وجهات تناسب الإمكانيات من حيث التكلفة والمدة بدل الاستمتاع بعطلة صيفية باهظة الكلفة عبر اللجوء إلى الإقتراض المفرط والدخول في دوامة يصعب الخروج منها. فكيفما كانت الوجهة السياحية المقصودة، فيبقى الأهم هو التمتع بلحظات سعيدة وإنسانية رفقة العائلة والأصدقاء. (*) صحفي متدرب