لم يعد الأمر حلما وإن تدرج في مراحله، بل بات حقيقة واضحة: منتخب إيسلندا يسطر إنجازا كرويا جديدا، فيطرد الإنكليز من أوروبا ويعبر إلى ربع النهائي، ثم يتوعد أصحاب الأرض في موقعة الأحد المقبل في باريس. وكانت البداية بالتأهل التاريخي لمنتخب إيسلندا إلى نهائيات كأس أوروبا، برغم القاعدة الصغيرة للاعبي كرة القدم في البلاد ويقدر عددهم بنحو 20 ألفا، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 330 ألفا، ويعد الأصغر في تاريخ نهائيات كأس أوروبا. وتدرج الحلم ليصبح حقيقة ساطعة في البطولة، تعادل 1 – 1 مع برتغال كريستيانو رونالدو، ثم آخر أمام المجر بالنتيجة ذاتها، قبل الفوز التاريخي على النمسا 2 – 1 والتأهل إلى ثمن النهائي. واعتبر كثيرون أن المغامرة الإيسلندية وصلت إلى نهايتها، لأن المنافس هذه المرة هو المنتخب الإنكليزي، صاحب الأسماء الرنانة والدوري الأشهر في العالم، الذي «يتابعه الإيسلنديون منذ صغرهم»، لكن المفاجأة حصلت، بفوز إيسلندا على إنكلترا 2 – 1. ودفعت إنكلترا ثمن الإفراط بالثقة، ما أدى إلى خسارتها المذلة وخروجها من البطولة، ولم يتأخر مدربها روي هودجسون في تقديم استقالته، بعد أن كان يأمل في عبور إيسلندا على الأقل للبقاء حتى مونديال روسيا 2018. وكان تعليق اللاعب الإيسلندي راغنار سيغوردسون واضحا جدا بقوله «ظنوا أنها ستكون نزهة في حديقة، ولكن كان لدينا ثقة بقدراتنا». وسجل سيغوردسون هدف التعادل في الدقيقة السادسة، بعد دقيقتين فقط من تقدم إنكلترا من ركلة جزاء عبر واين روني. وأضاف كولابين سيغثورسون الهدف الثاني لأيسلندا في الدقيقة 18. واحتشد عشرات الآلاف خلف شاشة عملاقة في ريكيافيك لمتابعة المباراة حسب ما أورد التلفزيون الرسمي. فمنذ الاستفتاء على الاستقلال عام 1944، لم يعرف هذا البلد (330 ألف نسمة) إلا نادرا فرصة الاحتفال بالانتصارات الوطنية. الإنجاز الرياضي الأكبر قبل كأس أوروبا كان ميدالية فضية لمنتخب كرة اليد في دورة الألعاب الأولمبية في بكين 2008. وجاء على موقع التلفزيون الرسمي الإلكتروني «نصر لا يصدق لإيسلندا»، في حين عنونت صحيفة فريتابلاديد «أولادنا يعيدون إنكلترا إلى البيت». وكتب وزير الشؤون الخارجية الإيسلندية على تويتر «لا توجد كلمات، فقط دموع وفرح». وكتبت النائبة أستا هلغادوتير على تويتر أيضا «إنه البريكست الحقيقي»، في إشارة إلى تصويت الانكليز لمصلحة الخروج من الاتحاد الاوروبي قبل أيام، مضيفة «لقد هزمتهم إنكلترا، مجددا». وحضر الرئيس الايسلندي الحالي أولافور راغنار غريمسون، الذي يعرف عنه حبه الكبير لكرة القدم إلى ملعب أليانز ريفييرا في نيس لمتابعة المباراة من أرض الملعب، مع الرئيس المنتخب غودني يوهانيسون (انتخب السبت الماضي، وسيستلم مهامه في الأول من غشت) الشغوف باللعبة. وقال هيمير هالغريمسون، المدرب المساعد والشريك للسويدي لارس لاغرباك في الوقت ذاته، «كنت أكثر استرخاء من المباراة أمام النمسا. لو قال لي أحد ما قبل أعوام أننا سنصل إلى ربع نهائي كأس أوروبا، فلم أكن لأصدق ذلك. لم يعد هناك أي عقبة أكبر من هذه بالنسبة إلى هؤلاء الرجال الآن». وأشاد هالغريمسون بلاعبيه، معتبرا أنهم عاشوا يوما «سيحدثونهم عنه طوال حياتهم»، وأمل «بحضور عدد أكبر من مشجعي بلاده الى استاد دو فرانس في باريس (ضد فرنسا)»، ومضيفا بابتسامة «وللمباراة التي تليها أيضا بالتأكيد». وحضر أكثر من 25 ألف إيسلندي إلى فرنسا لتشجيع منتخب بلادهم، وتابع قرابة 10 ألاف منهم المباريات من داخل الملعب. وتعد إيسلندا أصغر دولة من حيث عدد السكان تتأهل إلى نهائيات كأس أوروبا، بعد أن أذهلت الجميع في التصفيات بفوزها على هولندا العريقة ذهابا وإيابا، وساهمت بإبعادها عن البطولة للمرة الأولى منذ 1984. وبواقعية، اعتبر لاغرباك أن مواجهة فرنسا ستكون «أكبر» من لقاء إنكلترا بقوله «بالنسبة لي مواجهة فرنسا هي أكبر بكثير من مواجهة إنكلترا، لأنها في ربع النهائي ولأنها الدولة المضيفة، ولأن المباراة ستقام في باريسالمدينة التي أحبها كثيرا». واعتبر اللاعب الايسلندي كاري أرناسون أن منتخب بلاده حافظ على تنظيمه بقوله «حافظنا على تنظيمنا ودافعنا بشكل جيد، كنا نؤمن جميعنا بالفوز، ولكنها لم تكن حال الآخرين. يغمرني الفرح. مدربنا لم يسبق له أن خسر أمام إنكلترا وقال لنا بالمواصلة على المنوال ذاته». واعتبر أنها «من دون شك أكبر نتيجة في تاريخ كرة القدم الإيسلندية»، مضيفا «لقد صدمنا العالم».