نقدنا الأدبي المعاصر مريض بداء المصلحة الذاتية بعيدا عن جماليات الحرقة الإبداعية، لو كنت أستاذا جامعيا توزع بركات الشواهد لتحسين الدخل والنسل أو كنت بوابة للنشر بدور النشر المشرقية المشهورة فكل ما ستخطه يمناك أو يسراك الأمر سيان سيقرأ من طرف محترفي النقد الرنان لدرجة أن أحدهم دخل النقد من باب القراءات التقديمية الصحفية بأمر من أستاذه المدرسي كان متخصصا في التمسح بمنشورات سلسلة شرقية وأخرى خليجية تنشر للمشاهير والنكرات . ومع وهم امتلاك « الانتقاديين « لسرير بروست وعمليات فرانكشتاين الجراحية القسرية كن متأكدا أن هؤلاء القوم لن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة منجز كتاب و كاتبات تجاوزوا أدواتهم المرجعية الجليدية ومعاولهم الصدئة بسنوات ضوئية لا تبالي بتجاهلهم الحقير.. وتاريخ الفن والإبداع الحق بيننا !!! كل كتاب إبداعي شعرا كان أو قصة أو رواية أو أي جنس إبداعي آخر يعانق بين دفتيه سؤالا محوريا حول هوية المنتوج وطبيعة حرائقه المهووسة بالتعبير عن معاناة جمعية وفردية بصيغ غير مسبوقة وأساليب مجددة تعرف قارئها المفترض ، ونقاد ملتقيات الزناقي والدواوير المغلقة يهتمون بمن يدفع أكثر ويسمح لهم بالظهور في المنابر المأجورة وصفحات الكاغط المشدود لاستراتيجيات التعتيم والتجهيل ، يكتبون بمعجم إنشائي محايد عن أعمال بعينها ويتناسون أن الإبداع سؤال والنقد صياغة ذكية لجرح السؤال . بكثير من التسرع والمعرفة السطحية وجمع طائش من المصطلحات الإجرائية الفاقدة للأرضية الصلبة ، يدخل الناقد المزعوم محراب الجنون المتمرد دون احتراس من الغرق في متاهات اللامتوقع ، يتيه في مقدمات نظرية طويلة حائرة ، يحاول بسذاجة بئيسة إيهام القراء بانسجام خليط عجيب من مجالات متنافرة وبعلمنة مستحيلة ، يتطاوس على حساب النص المبدع ، يدردش قليلا حول جمل يأخذها صدفة ، لا يتجاوز حدود قراءة بسيطة ناقصة لا تعدو ان تكون سوى تقديما مقزما لعمل ساقه القدر بين يدي وسيط يرتدي جبة جمركي مغفل وقساوة حاكم يصدر أحكاما مزاجية متسرعة تحت خيمة موسم عام . طبعا هذا النوع من الانتقاد يستحيل أن يقترب من إبداعات تحترم ذكاء قارئها ومتلقيها ، ويصعب عليه الوفاء لتاريخ خلق فني مهووس بالتعبير عن جراحات وأحلام مشروعة تروم تحقيق إنسانية مفتقدة مسلوبة ، الفن خلق متمرد وشهادة تكره الحياد ، ونقد الدينارات الموبوءة لا يهمه تطوير وسائل التعبير ولا تحريض القارئ على تذوق جماليات حرائق تحركها رؤى تتجاوز الكائن الظالم وتحلم بالممكن العادل . والغريب العجيب في أمر « الزناقدة « الجدد هوسهم بمقدمات نظرية طويلة توحي للقراء المخدوعين بعمق وهمي عاجز عن مقاربة العمل المبدع و تفتيت سؤاله المركزي ، يرمون في كل الاتجاهات بحجارة الاستفهام الساذجة بإطناب ممل ، يفتحون أفق الانتظار على مصراعيه ، يمرون أمام أبواب عصية على أدوات مدرسية صدئة مستوردة من جوطية المفاهيم والمصطلحات صقيعية الدال والمدلول ، وقبل النهاية المزعومة ، يكتشف القارئ اللبيب أنه أمام قراءة عرجاء اتخذت النص الفني مطية لإبراز عضلات معرفية بعيدة عن حقل الإبداع العنيد ، وخاتمة اللغو تكتمل بوعود إتمام القراءة والإجابة عن أسئلة سائبة في فرص قادمة ، وهو الوعد الذي لن يتحقق أبدا . في مغربنا الحبيب وشرقنا الجريح ، أروع نقاد النص الأدبي هم مبدعوه ، من يمتلكون وعيا نقديا متقدما ورؤية منسجمة مع مرجعياتها الفكرية والفلسفية والجمالية ، يبنون مشاريع إبداعية ذات نفس طويل تقوم على خلخلة السائد بأساليب مجددة ولغة محفزة وغايات تنتصر للفن كأرقى وسيلة تعبيرية عن الإنسان فينا ، وللتمثيل نستحضر نقد مبدعين من طينة محمد عزالدين التازي ومحمد برادة وأحمد المديني وأحمد بوزفور وأحمد المجاطي وعبد الله راجع ومحمد بنيس .. ومحمود درويش وأدونيس وجبرا إبراهيم جبرا وزكريا تامر وإلياس خوري وحيدر حيدر ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وسليم بركات في شرق القلب المتعب ، غداة نكبة فلسطين وهزيمة العرب المذلة سنة 1967 أمام إسرائيل وأطماع أمريكا الطاعون ، يلتقي الوعي الشقي بالموهبة والمعرفة والدراسة والانحياز لنبل الكلمة والشهادة ونقرأ نصوصا تجاوزت توقعات مستهلكي السهل المبتذل والكتابات الإنشائية المتواطئة مع الاستغباء والتجهيل لتركيع المواطن المغلوب على أمره .