عن منشورات الموكب الأدبي بمدينة وجدة صدر ديوان في شعر الهايكو للشاعر المغربي سامح درويش تحت عنوان: "خنافس مضيئة". وقد قام بتصميم لوحة الغلاف الفنان يزيد خربوش. يقع الديوان في 118 صفحة. وتعتبر نصوصه تمثيلا حقيقيا لشعر الهايكو في فرادته وبساطته التي يكسوها عمق وتزينها دقة متناهية في القبض على الصورة ونسجها في لغة سهلة وبديعة. هذا، وقد دأب الشعراء اليابانيون منذ مئات السنين على خلق وإبداع أمثلة من شعر الهايكو. إلا أن بروزه بقوة سيتم خلال القرن السابع عشر مع الشاعر الياباني :ماتسو باشو Matsuo Bashō الذي سيمنح الهايكو دينامية جديدة ورؤية أخرى تتمثل في الاهتمام بعالم الطبيعة باعتبارها مصدرا للتأمل. هناك أيضا شعراء يابانيون آخرون ساهموا في تطور هذا النوع من الشعر نذكر من بينهم: كوباياشي إيسو Kobayashi Issa ويوسا باسون Yosa Buson. في بداية القرن العشرين ،بعض الشعراء الناطقين بالإنجليزية المعروفين سيطلعون على الترجمات الإنجليزية لشعر الهايكو وسيولعون به وسيكتبون بعض النصوص فيه من بينهم: Jack Kerouacو Richard Wrightو Ezra Pound. وفيما يخص شكل القصيدة ،فيمكن أن يضم نص من نصوص شعر الهايكو ثلاثة أبيات يكون هدفها الأساسي هو رسم صورة داخل مخيلة القارئ. شعر الهايكو هو بمثابة دعوة للتصالح مع الطبيعة بكل مكوناتها وسماتها الجمالية المتفردة. لغته سهلة لكن صياغتها متماسكة ونصوصه تخلق البهجة والفرح وهي تنفر من التعقيد وتجنح نحو السلاسة والبساطة والتركيز. هذه البساطة في اللغة وفي التعبير هي ما نالت إعجاب الناقد الفرنسي رولان بارت الذي اكتشف الهايكو في مرحلة السبعينات من القرن الماضي. وربط تذوقه لهذا النوع من الشعر بالمفهوم الذي دائما ما يلصق به ألا وهو مفهوم: اللذة plaisir . يقول عبد الكبير الخطيبي في مؤلفه: "صور الأجنبي في الأدب الفرنسي Figures de l'étranger dans la littérature française" بأن رولان بارت رغم أن قرأ نصوصا من الهايكو مترجمة عن اليابانية إلا أنه انبهر بها و رغم قصرها فقد لمس فيها دلالات صافية pure بتعبيره. انطلاقا مما سبق، يمكن القول أن "خنافس مضيئة" مجموعة شعرية تتميز بلغة مختزلة وبعمق صورة. وتعتبر نموذجا متميزا لشعر الهايكو الذي بدأ يأخذ مكانته المهمة ضمن الأجناس الأدبية الأخرى سواء الشعرية والنثرية. كما وجب التذكير أيضا أن ما يميز هذه المجموعة هو سلاسة اللغة واستعمال مفردات سهلة عموما. وعلى المستوى الفني تتميز هذه المجموعة بالبراعة في خلق الصور سواء تلك المرتبطة بالطبيعة كما كان يفعل شعراء الهايكو اليابانيون الأوائل أو صور أخرى نسجها الشاعر من خياله و تلتصق بشكل أو بآخر بالمحيط المغربي الذي يتواجد فيه. ولتوضيح هذه المعطيات أسرد الأمثلة التالية: - مثال رقم 1: قطَارٌ عابِرٌ، قُبْلةٌ في الهواءْ، تُبْهجُ فتىً يُصْلِحُ السّكّة. هنا الشعر بمفهوم اللذة عند رولان بارت. القطار العابر هو الإطار العام للقصيدة ولكن الصورة تتسلل من تحت سيطرة القطار فتمنح القبلة الصادرة من أحد المسافرين أو إحدى المسافرات الدفئ للفتى المنهمك في إصلاح السكة. رغم التعب والجهد فإن هذا التصرف النبيل لا محالة أسعد الفتى وأفرحه وانساه تعبه. الشعر هنا وبلغة سهلة ودقة متناهية يخلق الفرح ويصدر المتعة الحقيقية للمتلقي ولا يتعبه بالتأمل في مضمون القصيدة فهي موجهة له من أجل إسعاده وإمتاعه. ولكن هذا التركيز في اللغة والإبداع في الإتيان بمثل هذه الصورة يقتضي خيالا رحبا وأيضا مؤهلات فنية وشاعرية مرهفة وهذه كلها تتوفر حتما في صاحب الديوان من خلال هذا النص وغيره. - مثال رقم 2: مَكانَ الخَاتَم، لا أرَى الآن، سِوَى أثرٍ دائِريّ أبْيَضْ. للتعبير عن فقدان الخاتم، يقدم الشاعر هنا صورة بسيطة ولكنها رائعة. يستهل النص الشعري بالإشارة إلى مكان الخاتم أي أصبع اليد.ثم عوض أن يعبر مباشرة عن عدم وجود الخاتم فإنه يضيف صورة أخرى تتمثل في إقحام ذاته كشاعر أو كمتكلم لا يرى سوى أثر للخاتم. هذه الصور نسجت بدقة وبساطة وبلغة محدودة من حيث الكلمات المستعملة. وهنا تظهر قوة الهايكو وبراعته في نقل الصور بحرفية وبدون الإسراف في التعبير والوصف. بهذا الديوان وغيره من دواوين الهايكو التي سينشرها الشاعر المغربي سامح درويش مستقبلا، لا شك أن الاهتمام بهذا الجنس الأدبي الجميل سيزداد بالمغرب وبالدول العربية سواء على مستوى الكتابة الإبداعية أو النقد أو حتى الترجمة من اللغة العربية إلى لغات أجنبية منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.