عَنْ جَابِرٍ رضي لله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى للَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ للَّهِ : مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: (مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ). صحيح مسلم كل من يتتبع خطابات الحركات السياسية المستغلة للدين في تبرير قراراتها وآرائها ..ومواقف من يريد أن يجعل من طائفته ومذهبه العقدي دولة داخل دولة... سيقف على أنهم يفتتحون كلامهم في الغالب ب ((من يهده لله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)).. وبعد وصف انفسهم بالصلاح والتقوى ونفيها ضمنيا عن الآخرين يختمونها بنصب محكمة يوم القيامة قبل أوانها فيضعون أنفسهم وأهليهم ومن شايعهم في الجنة.. وينظرون في أمور من يخالفهم ومن ليس على نهجهم، حيث لا يجدون حرجا في أن يدخلوه غير الجنة ...وهذا السلوك الخارج عن ضوابط الفهم السليم للإيمان .. نراه منذ عمليات الاغتيال الأولى الإرهابية التي تعرض لها بعض الصحابة و الخلفاء الراشدين والبعض من أحفاد رسول لله صلى لله عليه وسلم.. ونراه قد اتخذ أشكالا غريبة بانطلاق حملات وحروب التكفير المتبادلة بين البعض من أصحاب المذاهب والنزعات الظلامية.. لدرجة أنه إذا اعتمدت الاتهامات التكفيرية المتبادلة - في الدنيا منذ أيام سيدنا عمر إلى الآن - يوم الحساب وشهدت كل طائفة ضد الأخرى وقبلت شهادتهم لما دخل الجنة إلا القليل القليل من المسلمين والمسلمات، ولأصبح المسلمون أقل الناس دخولا الجنة يوم القيامة!!... هذا المدخل العام، له علاقة ببعض الجمل المحشورة في كلمات بعض الحكام في مشارق الأرض ومغاربها، وهم يخاطبون من موقع المسؤولية .. جمهرة الحاضرين من متفرجين وأتباع ومن خلالهم الرأي العام عن طريق وسائل الاتصال السمعية البصرية والالكترونية، حيث يخبرون بشرط جديد لدخول الجنة، لم يذكر لا في الكتاب ولا السنة، ولم يتعرف عليه المجتهدون المتقدمون والمتأخرون ..إلا وهو « من مع طائفتنا أو مذهبنا أو جناحنا الدعوي أو حزبنا أو حكومتنا دخل الجنة... « وحتى تستقيم الأمور مع المقال، لابد أن نفتح بعض الصفحات من الأمس القريب، الذي كان يسمى ويوصف بسنوات الجمر والرصاص، للدلالة على أن لغة الحوار شبه منعدمة إلى غائبة ..حيث كانت النقابات المناضلة المتواجدة تخوض إضرابات قطاعية أو عامة .. فتتباين نسب نجاحه بين ما يناهز 90 في المئة اعتبارا إلى تفهم و تعاطف الطبقة العاملة والشعب الكادح مع المطالب ودواعي الإضراب التي هي نفسها عند كل الناس ... أو على الأقل القطاعات المعنية بالحركات الاحتجاجية والمطلبية وامتداداتها الاجتماعية والاقتصادية ...وبين نسب التنفيذ الميداني بالامتناع الفعلى عن العمل التي تتراوح بين 100 في المئة و0 في المئة .. وقد يتساءل البعض ممن لايرون ما بعد أرنبة أنوفهم ..أو لا يمتلكون ولايعرفون المعطيات الموثقة في سجلات التاريخ النضالي للشعب وقواه الحية ..أو يتجاهلونها و يتنكرون مع سبق الإصرار والتعمد للتضحيات المجيدة والخالدة الملتحمة مع الذاكرة الوفية للشعب والوطن بعيدا عن إغراءات وحمى المواقع والمراكز وتقلبات إدارة السياسات العمومية الحزبية والنقابية ...إنها التضحيات المنقوشة على جدران السجون السرية والعلنية والموثقة في سجلات المؤسسات الاستعلاماتية والأمنية والإدارية صمودا وخيانات وانحرافات ومؤامرات وفي كتب المؤرخين والحقوقيين الفضلاء داخل بلدنا وخارجه .. فمن سيصدق والحالة هاته.. هل من يعلنون فشل الحركات الاحتجاجية ؟ ام الذين يعلنون نجاحها؟ أولا.. يجب على هؤلاء بالأمس كما اولائك اليوم ان يستحضروا المطالب ومرتكزات الاحتجاجات وينظروا.. - هل هي موضوعية وتدافع عن قضايا الشغيلة وتسعى إلى حمايتهم من سياسات التراجعات والتوازنات السياسوية الرامية إلى اصلاح أخطاء التسيير الحكومي وتدارك اختلالاته من جيوب الشعب والشغيلة بالمساس المتدرج و الخطير بالحقوق المكتسب والنضال العمالي من أجل إقرار عدالة اجتماعية شاملة وتنمية فعالة تحقق للشعب الرخاء والتقدم والإزدهار في أجواء الاحترام التام للديموقراطية والحق في الاختلاف و...؟ - هل أرشيفهم السياسي والنقابي غير ممتلئ بنفس الملفات المطلبية التي خاضوا من أجلها ما أسموه «إضرابات» متعددة.. كما أن بياناتهم وخطبهم وتصريحاتهم بالبرلمان والساحات والتجمعات، لم تكن تكتفي بوصف الحالة والمطالب وطرح المطالب بل تزايد على المؤسسين الشرعيين والتاريخيين للعمل النقابي والنضال الاجتماعي... بل تتعمد الاستهزاء بالحكومات والوزراء والأحزاب والإفراط في الوهم الخيلائي بادعاء أن أفضل حكومات المغرب منذ الاستقلال هي حكومتهم الحالية !!؟؟.. في الوقت الذي كانوا فيه عدما ثم اصبحوا من المرتاحين للقمع الممنهج ضد القوى الوطنية التقدمية ..ثم أثناء أدائهم لدورهم النقابي وتقمصهم لدور «المعارضة!» ثم قيامهم اليوم –فعليا- باتخاذ قرارات هم أنفسهم كانوا ضدها لأنها ستكون كارثية على التوازنات وعلى الشعب وسترهن مستقبل الأجيال القادمة...؟ ثانيا.. ماهي أساليب وطرق محاربة السابقين ممن كانوا مسؤولين بحكومات سنوات الجمر والرصاص في بلدنا وغيرها من بلدان العالم الثالث ؟..وما هي أساليب البعض اليوم، حيث « مفرقعات « الديماغوجية وادعاء المظلومية لتمييع المشهدين السياسي والنقابي والاستهتار بدور النقابات الدستوري التاريخي ليس في المغرب فقط، بل عبر تاريخ نضالات الكادحين لمواجهة العبودية والاستعباد والاستغلال البشع والتعسف وممارسة القمع الممنهج عن طريق سياسات التجويع والحرمان من الأجر والتلويح بقطع الأرزاق والتراجع عن المكتسبات ..؟؟ لقد عاشت الطبقة العاملة والشعب ما كان يسمى بالزيارات الليلية والمتابعات النهارية لاختطاف النقابيين والسياسيين المعارضين من منازلهم لترهيب الآخرين وثنيهم عن كل عمل نضالي، فتصل المضايقات إلى البيوت والطرق ومقرات العمل والمقرات النقابية والحزبية ..كما كان البعض يسعى لشراء ذمم المناضلين بتوزيع الامتيازات والمصالح والاستفادة من الحماية ؟؟؟ مقابل إفشال كل حركة مطلبية واحتجاجية وأحيانا مقابل التجسس على الرفاق والإخوة في النضال لمنح خصومهم الأسبقية في الحصول على المعلومة الضرورية في التدافعات التاكتيكية ..واعتمد في الابتزاز والتهديد من أجل الإخضاع .. الطرد والتوقيف عن العمل لشهور ولسنوات أحيانا كما تعرض العديد للمتابعات بخلفيات مختلفة لامجال للتفصيل فيها هنا ..وتتجدد بعض الصور المبتذلة من هذا السلوك في زماننا هذا بدون رصاص.. بالاتصالات والزيارات واللقاءات الإغرائية المبطنة بالتهديد، لحث الطبقة العاملة على عدم تنفيذ الإضرابات والسعي لإفشال وإسكات كل الاحتجاجات والتحركات المطلبية.. إنه، و قبيل نهاية التسعينات، قامت -وما زالت تقوم - الدولة بالتصالح مع ضحايا السياسات الحكومية السابقة..بما عرف بجبر الضرر في اعتراف ضمني ومعلن بمشروعية النضالات والتضحيات ...والمقصود هنا المناضلين والمناضلات والمواطنين والمواطنات، الذين خاضوا نضالات وحركات احتجاجية من نهاية الخمسينات، حتى قبيل حكومة التناوب، فطالهم التعسف والقمع والتشريد والنفي والتهميش وقطع الأرزاق و..وقطعت أشواط مهمة في هذا المجال، نالت إعجابا واستحسانا حقوقيا وطنيا ودوليا، وقدمت كنموذج واجب الاتباع في العديد من الدول، التي تسعى للانتقال إلى إقامة وبناء الدولة الديموقراطية الحقوقية العادلة... إننا اليوم، أمام التفاف وتراجع غريب عن العديد من المكتسبات والحقوق، يقدم عليه من يدير أمور بعض الحكومات، التي جاءت مناقضة بشكل كلي لروح ومطالب الشعب / الذي سمي بالربيع الديموقراطي ..لنسجل عندنا هذه المفارقة بين القرارات الحكيمة للعاهل المغربي بإجراء إصلاحات سياسية ودستورية، وفتح المجال أمام المعالجات والسياسات التي ستحقق للشعب ما يريده ويطمح ويناضل من أجله.. وبين السياسة الحكومية التي توجهت بكل قراراتها للمساس حتى بما كان حقا ممتلكا ولا نقاش حوله ..وامتدت لتطال مستويات العيش التي كانت أقل صعوبة مما يعيشه الناس اليوم في العديد من القطاعات و تعاني من تأثيراته مختلف الطبقات الشعبية من عمال وأجراء وفلاحين وتجار صغار وأصحاب المهن الهامشية وانضاف إليهم من يطلق عليهم البورجوازية الصغيرة وحتى المتوسطة... فبدل أن تكون سنوات ما بعد الربيع الديمقراطي في ظل الدستور الجديد سنوات المأسسة الكبرى للديمقراطية والتنزيل الفعلي الشامل للعدالة والنهضة الفكرية والثقافية والعلمية......عمد المتحكمون الجدد بالحكومة وخارجها إلى نقيض ذلك، فجعلوا الحزب مقدما على البرلمان وعلى الشعب وعلى الوطن !! فاختلط بشكل تعسفي الدين بالسياسة والمال الدعوي، المعلل بالإحسان، بالامتيازات الدنيوية، التي قد تكون عبارة عن تسبيق «للفوز « بكراسي الدنيا وأسرة الجنة معا ....واكتمل المشهد بالقول...( من يريد الجنة ومن يريد الحكومة ) .. فهل أحدثت متلازمة جديدة في البدع الفقهية (تسمى متلازمة الجنة والحكومة ) التي يحتاج أهل الحل والعقد والناس إلى معرفة طبيعة العلاقة وضوابطها ومتى تتخذ الحكومة مسمى الجنة ومتى تتنافى معها ..وفي سياق العلاقات السياسية العامة، هل للجنة والنار علاقة بمن يتبع السياسة الرسمية لأيِّ حكومة وبمن يعارضها وينتقدها ؟؟.. إن من أوجه سياسات التشكيك والتخويف التي توظف لإخضاع الناس إضافة لما سبق ..القول بأن الأمن والسكينة، يرجع الفضل في تحققهما لحكومة معينة، وليس للدولة والشعب بكل مكوناته، الذي به تقوم الدولة، وبه تتنمّى وتتقوى، وبه تبنى المؤسسات ويحمى الوطن ..كما أن وصف مطالب النقابات بغير المشروعة وأنها في حكم المرفوضة، لأنها ستتسبب في كوارث كما يدعون أمرا فيه تسلط قهري للإرادات البناءة... إن اختزال الحل في أن إجراءات الحكومة، هي التي ستجنب البلاد كوارث لاتحصى .. وأن على الكادحين والفقراء المزيد من الصبر والتضحية ..والرضى بسياسة التراجع عن المكتسبات والقبول بالمساس بالحقوق الفردية والجماعية القانونية والدستورية ...يدفعنا لندعو كل هؤلاء لقراءة تاريخ نضالات الطبقة العاملة على الأقل في القرنين الماضيين في العالم والملفات المطلبية للحركة العمالية المغربية منذ ابتداء العمل النقابي ببلادنا وكذا البرامج السياسية والانتخابية للأحزاب السياسية.. وليجيبونا بشكل واضح عن جدلية النقابي والسياسي وحدود كل واحد منهما... إن القول بأنه خلال العقود الماضية من نضالات الشعب المغربي وقواه الحية، كان البعض يرى الأمور بنظرة سوداوية... وباستحضار مبررات القمع القديمة -التي اعتذرت الدولة ضمنيا عنها - وإسقاطها واستعمالها اليوم، لوصف ونعتِ الحركات المطلبية التي تقودها القوى الحية وكأنها على ضلال بل وأنها متآمرة ضد الدولة وسياساتها وكأنها لاتسعى للإصلاح والصالح العام ..يجعلنا نطرح السؤال المركزي التالي... هل يمكن القول إن في هذا تراجعا للدولة في شخص الحكومة عن تصالحها التاريخي مع نضالات الشعب.. وقطعا مع جوهر الإصلاحات السياسية والدستورية، التي جاءت لبناء دولة المؤسسات والحقوق والحريات... إن استحضارهم في سياق بعض الخطابات لمقولة تعود لعقود، والتي أطلقتها المعارضة أنذاك لتوصيف مؤيدي الاستغلال والظلم والسياسات الحكومية، وهي مقولة «العام زين»... يضعنا أمام توصيف اتهامي للحالة الراهنة في نظرهم، باعتبار كل من يقول «العام زين» في هذا الزمن والعقود السابقة والمؤيدين للدولة وقراراتها.. وحتى المعارضة أنهم مخطئون ومغرضون.. إلا من يكرر في الصباح والمساء أن أعوام هذه الحكومة هي فقط «زينة»..