تعود الشاعرة سناء غيلان في ديوانها «جداريات خلف الذاكرة» والصادر عن دار سليكي إخوان في طنجة، الى الذاكرة كي تملأ بياضاتها وما صار فيها من ندوب. تعود الى صوتها كي يتخلص مما علق به من أدران «الآخر» حيث تستعير لمقولات الانعتاق والتحرر فضاء للغة الشعرية تأبى أن تظل سجينة «اكليشهات» مخيال جمعي. في ديوانها الشعري «جداريات خلف الذاكرة» تظل القصيدة امرأة حرة ترفض الخضوع لإحساس جارف يحولها دائما لنقطة عبور أو طموح أو لذة أو رغبة، تشتهي الشاعرة لذاتها أثرا تشكله من داخل القصيدة كي يصبح لحضورها المجازي ألقا آخر ينبلج من ديدن تلك الصورة النمطية، وتصبح المرأة رديفا للثورة. نقرأ في الديوان «همسات» و»تقاسيم» لقصائد قصيرة تصر على كشف حواس الرغبة داخل معادلة غير متكافئة، إذ تكرس روحا متمردة تنأى عن الخضوع لسلطة نزعة ذكورية لا يهمها إلا الانتشاء من جسد ظلت تفاصيله تسعى الخروج من شرنقة «نزعة» لا يهمها إلا ذاتها. في قصيدة «مشهد ثالث» نقترب أكثر من هذه النزعة حتى في صورتها الساكنة في «ماضي يساري، وبالقدر الذي ترى الشاعرة قدرتها في التجاوز والخروج من «نمط حياة» تأسرها، بالقدر الذي يجعلها «الحب» أسيرة إحساس مضاعف بالانتماء.. «أصرخ أمام البحر لأقنع أنوثتي بالانعتاق بالتحرر مما التحرر أمن قيود التاريخ؟ أمن قوانين البشر؟ أمن بريق في عينيك يأسرني/ص28. هذا النفس للانعتاق والتحرر يهيمن بشكل لافت على ديوان الشاعرة سناء غيلان، وكلما لملمت الذاكرة إلا وازدادت رغبتها في حريتها وفي انعتاقها من ذاك المجسم «الذكوري». هذا الأخير ليس فقط استعارة لرجل، بل هو استعارة لمقولات و»تقاليد» ترسبت وعقليات «هجينة». فالشاعرة في الكثير من المرات تعود الى تيمة «الحب» كإحساس إنساني فياض، ولا تستثني هنا غير عقلية «ذكورية» متشبعة ب»ثقافة تسليعية للجسد وللأحاسيس». وزعت الشاعرة ديوانها بين «همسات» و«تقاسيم» و«اساور من فضة» و«رسائل قصيرة»، جل القصائد ترتبط بتيمات محددة، وتصر من خلالها على جعل مساحة صوتها تنزاح قليلا. وقد أصرت من خلال قصائدها الشذرية أن تشكل حالة تضاد نقيضة لصوت المرأة التواقة الى الحب.. أفارس الشعر والهوى تعال.. ومارس سطوك خطفك عنفك اللذيذ فأنا بك.. لك وحدك (...) أسير مغمضة العينين لكي أراك.. وحدك لأرى توحدك في.../ص69. هذا البوح المتواصل في جداريات الشاعرة سناء غيلان، ينتهي بصرخة «شهرزاد» التي تتكرر وهي تنساق وراء حريتها الخاصة ورغبتها في الحياة. لذلك تتحرر من «الدون كيخوطي» و«اليساري» المشوه و«العاشق الأناني» .. بعضهم أو جلهم لا يستطيعون أن يعيدوا لبهاء الأنثى هويتها الخاصة، ولا يدركون ألق هذه الكينونة التي تفرزها في كل مرة تصر على كتابة الشعر. الشعر في النهاية خلاص لهذا الصوت، الذي يرفض الانكسار والتشوه والامتلاك ويميل الى الحرية والانعتاق.