بمجرد الإعلان عن بداية انفراج أزمة الأساتذة المتدربين، التي شغلت فصولها الرأي العام الوطني والدولي طوال سبعة شهور، وتوصل الحكومة ممثلة في والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة عبد الوافي لفتيت، وتنسيقية الأساتذة المتدربين، وممثلين عن ست نقابات تعليمية والمبادرة المدنية، إلى توقيع محضر «تسوية»، خلال اجتماع انعقد يوم الأربعاء 13 أبريل 2016 بولاية الرباط، سارع القيادي في الحزب الحاكم ووزير النقل الرباح، في إطار عملية التسخين الانتخابي، وللدفع بكتائب الحزب الإلكترونية إلى تأجيج «الفتنة» في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر في تدوينة له على حسابه ب»الفايسبوك»، أن الاتفاق المبرم بين الحكومة والأساتذة المتدربين، يجسد قمة التوافق الذي يؤكد النموذج المغربي، ويفوت الفرصة على المتربصين والمغرضين، وأن الحكومة خرجت منتصرة بإبقائها على المرسومين، وعدم الرضوخ لمطلب توظيف الفوج كاملا في شهر شتنبر 2016، وحققت انتصارا للقانون والمؤسسات، وأوضح كذلك أن 7000 أستاذ متدربا فوتوا على أنفسهم فرصة الاستفادة من أجرة خمسة شهور، بتفضيلهم التضامن مع بعضهم البعض... وجدير بالذكر أن الحكومة والتنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين، كانتا قد توصلتا إلى اتفاق مبدئي، يقضي بتعليق الاعتصام المفتوح أمام البرلمان، الذي كان مقررا خوضه ابتداء من يوم الخميس 14 أبريل 2016، وتشكيل لجنة تقنية مشتركة من وزارات: التربية الوطنية، الاقتصاد والمالية والوظيفة العمومية، وباقي الأطراف المشاركة، تعنى بمهام أجرأة نتائج الحوار، على أساس التزام الأساتذة بالعودة إلى مقاعد الدراسة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وفق المتفق عليه وحسب مخرجات هذه اللجنة، بأن تستأنف حصص التكوين النظري في الثلاثة أشهر المتبقية: ماي ويونيو ويوليو 2016، والدروس التطبيقية خلال شتنبر وأكتوبر ونونبر 2016، وينظم امتحان التخرج خلال شهر دجنبر 2016، بينما تجرى مباراة التوظيف في شهر يناير 2017، وأن يلتحق الأساتذة بوظائفهم في أجل أقصاه فاتح فبراير 2017. بالله عليكم هل بمثل هذه التعقيدات تقاس الانتصارات ؟ فالانتصار المسجل في هذا الصدد، هو ما عبر عنه الأساتذة المتدربون من روح وطنية سامية، عبر نضجهم ووعيهم واحترامهم للمؤسسات والقوانين، وما أبانوا عنه من قدرة على التضحية والصمود أمام الممارسات القمعية وأساليب الترهيب ومحاولات بث الفرقة، إيمانا منهم بعدالة قضيتهم ودفاعا عن المستقبل والمدرسة العمومية، وما أبداه شرفاء الوطن من مساندة وتضامن معهم في محنتهم ومعركتهم الخالدة، خاصة في المنظمات الحقوقية والنقابات والهيئات السياسية وفعاليات المجتمع المدني... فقد كان ممكنا أن تحقق الحكومة انتصارات عدة، لو أن رئيسها التزم بوعوده وما ردده حزبه من شعارات إبان الحملة الانتخابية، التي قادته لتصدر نتائج تشريعيات 2011، كأن يعمل على تقليص الفوارق الطبقية، ويحرص على التفاعل مع نبض الشارع، والاحتكام إلى الحوار المثمر والمقاربة التشاركية في معالجة الملفات الكبرى، واعتماد الحكمة والتبصر في تدبير الأزمات الطارئة، بدل ضرب القدرة الشرائية للبسطاء والإجهاز على المكتسبات، بنوع من الاستبداد بالرأي وسياسة لي الأذرع. والانتصار الحقيقي، هو إصلاح منظومة التربية والتكوين، والصحة وتوفير مناصب الشغل للمعطلين، والقضاء على الفساد واقتصاد الريع، وهزم "التماسيح والعفاريت" الحقيقيين عوض مراكمة الخيبات... إذ كيف يعتبر انتصارا، تمريغ كرامة الأساتذة المتدربين العزل في الوحل باستعمال القوة المفرطة في حقهم من لدن قوات الأمن، وإلحاق الأذى بهم عبر شج الرؤوس وتكسير الأسنان والأطراف، لا لشيء سوى أنهم خرجوا للتظاهر والاحتجاج بشكل سلمي وحضاري، دفاعا عن حقوقهم المشروعة، كما تشهد بذلك "مجزرة الخميس الأسود"، التي ادعى سيادته بأنها "ما فراسوش"؟ وكيف يعتبر انتصارا، ما خلفته الأزمة من آثار سيئة على ذوي الأساتذة المتدربين (عشرة آلاف أسرة)، توقيف ثلاثة أساتذة مكونين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، بدعوى تحريض " أساتذة الغد" على العصيان؟ وكيف يعتبر انتصارا، تأخر الالتحاق بوظائفهم إلى غاية فاتح فبراير 2017، علما بأن مدارسنا التعليمية تشكو خصاصا مهولا؟ والمؤكد ألا أحد اليوم يجهل فظاعة المرسومين المشؤومين مصدر اندلاع الأزمة، حيث يقضيان بفصل التكوين عن التوظيف، وتقليص المنحة من 2400 إلى 1200 درهم شهريا. أما كان حريا بالوزير الرباح، القيام بتقييم شمولي لحجم الخسارة التي تكبدها المغرب، سواء على مستوى الإساءة إلى صورته بالخارج أو على مستوى هدر الوقت والكلفة المادية، جراء تعنت أمينهم العام ورئيس الحكومة ابن كيران، الذي ظل منذ البداية رافضا لأي حوار جدي ومسؤول، وإنهاء أجواء التوتر التي أرخت بظلالها حتى على مكونات حكومته؟ أليس من العار، أن يستمر في إدارة شأننا العام أشخاص يتدثرون بثياب المظلومية ويتهمون كل من يخالفهم الرأي بالتشويش والتآمر والخيانة؟ فالرجل الذي توسمت فيه الجماهير الشعبية خير النهوض بأوضاعها المتردية، هو نفسه الذي شكل عائقا كبيرا أمام تطلعاتها، وحال دون تفعيل مقتضيات الدستور والانتقال الديمقراطي، بسبب قراراته اللاشعبية، فضلا عن التضييق على الحريات واختلاق الأزمات... ختاما، نحمد الله على أنه لم يعد يفصلنا عن موعد رحيل هذه الحكومة، سوى أشهر بعدد أصابع اليد، نأمل أن تمر في أجواء من السلم الاجتماعي، وأن تتوفر لرئيسها الإرادة الصادقة في الحل النهائي لمشكل أساتذة الغد، حتى لا تتكرر مأساة أصحاب "محضر 20 يوليوز"، والوصول كذلك إلى توافق مع المركزيات النقابية حول ملف التقاعد...