في تحقيق مثير لجريدة « الأهرام المصرية» عن الأيام الأخيرة في حياة مبارك منذ اندلاع الثورة ، ذكر أنه : كان التقرير الذي وصل إلى الرئيس حسني مبارك قبل الثلاثاء 25 يناير من اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية السابق يقلل من قيمة المظاهرة وقدرتها وأنهم مجرد شوية عيال يمكن احتواؤهم .. الموقف تحت السيطرة .. ولن توجد ثمة مشكلة » ويضيف التحقيق أن هذا لم يكن هو رأي بقية أجهزة الدولة . « ففي مساء الاثنين رفع احد الوزراء سماعة تليفونه الخاص الواصل إلى رئاسة الجمهورية ، واقترح أن يعلن الرئيس تعديلا وزاريا يشمل 15 وزيرا على الأقل ، وقال بالنص :15 واحد مننا يلبسوا الجلاليب ويقعدوا في البيت ، ونحل المشكلة .. كان الرد : بعد ربع ساعة سنرد عليك .. جاء الرد : سيبوا الموضوع لحبيب العادلي » كان حبيب العادلي ، يضيف التحقيق ، قد توحشت سلطاته بدرجة مذهلة ، خاصة بعد أن خدعهم بقصة وهمية أنه ضبط 19 متطرفا انتحاريا مجهزين أنفسهم لعمليات جديدة تجري محاكمتهم ، بعد القبض على متهم في جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية والكشف عن التنظيم الذي يقف وراءه .. في الوقت نفسه استطاع أن يجنب شخصية قوية جدا للغاية ، ويهمش دورها فانحصر كله في ملفات خارجية .. مستغلا أخطاء وخطايا وقع فيها هذا المسؤول ورتبها في ملف خاص عرضه على الرئيس والسيدة سوزان والسيد جمال ، وهو ما لقي قبولا من الزوجة والابن الطامح في منصب الرئيس ويريد أن يزيح من أمامه أي منافسة محتملة» هكذا « أفردت يد حبيب العادلي في التعامل مع مظاهرات 25 يناير سياسيا وإعلاميا ، فقد أرسل خطابا إلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون فيه تعليمات صارمة وأوامر مباشرة بالكيفية التي يجري بها تغطية الأحداث .. ولم يكن يجرؤ احد على معارضته ». وتضيف الأهرام « حدث ما حدث يوم 25 يناير .. ونجحت المظاهرات ، وبرر حبيب العادلي للرئيس مبارك المفاجأة بأن جماعة الإخوان حشدت شبابها بتعليمات من الخارج رصدت الداخلية بعضها على أجهزة الموبايل مثل اجعلوا الولادة متأخرة .. لا تدعوا الأم واقفة في مكان واحد,، فالحركة لها مفيدة جدا ! وهذا هو سر قطع الاتصالات المحمولة لمدة يومين والرسائل لمدة تسعة أيام . وهذا النجاح أغضب حبيب العادلي ، فتعامل مع جمعة الغضب كما لو أن المظاهرات تحد شخصي له » وتوضح الأهرام أن العادلي لم يستوعب ما حدث .. فوقع العنف المفرط والقتل ضد شباب أعزل .. وفي عصر يوم الجمعة وفي ظل العنف الذي تمارسه قواته ضد المتظاهرين أرسل حبيب العادلي بيانا إلى أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون لإذاعته فورا على الهواء ، لكن المسؤولين لم يقدروا على إذاعته فقد وجدوه مستفزا جدا للناس ، فمرروا البيان إلى القصر الجمهوري ..» كان البيان ، حسب نفس المصدر ، يتحدث عن دور الإخوان المسلمين ، ويحملهم مسؤولية العنف ، وأن الشرطة سوف تتعامل بمنتهى القسوة مع المتظاهرين ، وأن الشرطة مضطرة للدفاع عن نفسها ضد الاعتداءات المقصودة التي تتعرض لها لإسقاط هيبة الدولة وإشاعة الفوضي» ! بعد دقائق من وصول البيان إلى رئاسة الجمهورية ، يوضح التحقيق ، رن تليفون حبيب العادلي الخاص ، كان على الطرف الآخر الرئيس مبارك الذي راح يعنفه ويوبخه ويسبه بألفاظ حادة ونابية .. وأغلق المكالمة وهو يقول له : خلاص حنزل الجيش يساعدك وحيتفاهم مع الناس أكثر منك » وضع حبيب العادلي السماعة وهو يتمتم : خللي الجيش ينفعك ! » كان بجواره عدد من ضباطه ومعاونيه الكبار ، ثم أعطى أوامر بإخلاء الأماكن أمام قوات الجيش.. الجيش نزل امشوا أنتم! » مع الإخلاء ، تقول الأهرام ، تحركت مجموعات اقتحام السجون السبعة .. مستعملة أسلوبا واحدا : نيران كثيفة ، بلدوزرات لهدم الأسوار ، طلقات ال آر...بي...جي., وفتحت الزنازين بمرزبات قوية .. بالطبع مع وجود خيانة داخلية .. كان الرئيس يظن أن الجيش سيفض الأزمة ويعود الهدوء ومعه ريما إلى عاداتها القديمة .. وانتقلت إدارة الأزمة مع الثورة الشعبية من الداخلية إلى رئاسة الجمهورية .. بالتحديد مع أربعة أشخاص : الرئيس مبارك و عمر سليمان و زكريا عزمي و جمال مبارك وتتابعها عن كثب وتشارك أحيانا السيدة سوزان مبارك .. وكان جمال مبارك الأعلي صوتا وكفة ! » وهكذا «خرج بيان الرئيس الأول وهو يتصور أنه يطمئن الناس على الأحوال ، وكان تقدير الموقف خاطئا للغاية فقرر تعديل الوزارة وتعيين نائب للرئيس ، لكن بعد أن تجاوزت حركة الثورة الشعبية ، هذا النوع من القرارات الترميمية بمسافة واسعة ، فلم تتوقف المظاهرات على عكس التوقعات .. وكانت المظاهرة المليونية يوم الثلاثاء مفاجأة المفاجآت ، فالرئيس ومعاونوه تصوروا أن الوزارة انتهت ونائب الرئيس جاء .. فلماذا بقي الناس في الشوارع إذن؟ ! » وكتفسير لهذا التخبط ، يواصل التحقيق «لم يفهموا ما كان يجري فعليا .. وكانت التصريحات الرسمية لا ترضي الناس لا في ميدان التحرير ولا في سائر المدن المصرية .. لأن عقلية النظام الحاكم لم تتغير ، وتجمدت الصورة الذهنية عند تصورات لا صلة لها بالواقع .. وقريبة من الصورة التي سادت قبل 25 يناير .. إنها مظاهرات يمكن السيطرة عليها لو هدأ أوار الفضائيات والشحن المتواصل لها ، فالمتظاهرون ثلاثة اقسام ، ثلث شباب 25 يناير ، ثلث من القادمين للفرجة وهم يتظاهرون بالمصادفة ، وثلث من الإخوان المسلمين .. وإن الإخوان هم الذين يحكمون عقل ميدان التحرير ويغذون حماسه ويشعلون شرارات النار التي تتطاير منه إلى المدن المصرية الأخري ، خاصة تلك التي يوجد فيها الاخوان وجودا ملحوظا مثل الإسكندرية والسويس والمحلة ، وأن تلك المظاهرات لا تعبر عن رغبة كل المصريين ، فالأحزاب أضعف من إحداث مشكلات في الشارع ، والشارع نفسه تحت السيطرة إلا من فئات صغيرة لها مطالب بسيطة ، أما بقية المصريين فهم مشغولون بلقمة العيش ومش فاضيين للكلام الفارغ .. وكان جمال مبارك كما قلت هو الصوت الأقوي في الإدارة , وظل كذلك حتي بيان الرئيس مساء الخميس 10 فبراير » وعن التطورات اللاحقة ، يكشف التحقيق أن جمال مبارك « أدار الأزمة بعين على الحل وعين على السلطة ، ولم يفهم إلا متأخرا جدا أنه لم يعد موجودا في المشهد السياسي .. ولهذا كانت بيانات الرئيس للناس دائما ما تحمل لهم ما لا يريدون سماعه ، وتزيد من سخطهم وغضبهم .. وكان البيان الثاني هو الأقرب إلى وجدان الناس ، بعد دغدغة الخطاب مشاعرهم ، لأنه تحدث عن الموت على أرض الوطن ، ولاح في الأفق قبول المصريين لفكرة بقاء الرئيس في السلطة ، لكن على نفس الجانب من السلطة فكر أصحاب المصالح الذين استحلبوا مصر ونهبوها في استغلال الموقف الطارئ الجديد ، وهم خليط من رجال أعمال ونواب في البرلمان المطعون في شرفه وشرعيته واعضاء في الحزب الوطني ، فكروا أن باستطاعتهم أن يقلبوا الموازين ، متوهمين أن الشعب سيتخلي عن شبابه ، فنظموا مظاهرة ميدان مصطفى محمود لتأييد الرئيس ، من عمال شركات رجال أعمال ، وعمال من اتحاد العمال ، ولاعبي الكرة وفنانين ، وبلطجية جلبوا من عدة أحياء شعبية بالقاهرة ، مع الجمال والخيول والبغال من نزلة السمان وامتلأ الميدان عن آخره بعشرات الألاف من المؤيدين ، وجرت كلمات حماسية غلب عليها التحريض من بعض الشخصيات ، إحداها ظهرت في الفضائيات فعلا وهددت وطالبت بإخلاء الميادين بالقوة .. ووقعت فضيحة معركة الجمل الشهيرة .. التي لو جرى فيها تحقيق نزيه .. لتكشفت حقائق كثيرة مفزعة .. » فضيحة معركة الجمل ، تقول الأهرام ، رفعت سقف مطالب الثورة ، بعد أن نزعت التعاطف الذي أحدثه بيان الرئيس .. ووقع النظام بأكمله في ورطة مذهلة مثل حفرة عمقها ألف ميل .. وحدث ارتباك هائل في القصر الرئاسي .. ارتباك وصل إلى درجة العجز سواء في الفهم أو التعامل .. ووصل القرار إلي التنحي .. وكان سيعلن مساء الخميس 10 فبراير .. لكن جمال أقنع والده بمحاولة أخيرة ، وهي الخروج على الناس بحزمة اجراءات إصلاحية جيدة ، مع نقل الصلاحيات إلى نائب الرئيس السيد عمر سليمان .. وبقي سؤال : ماذا يقول الرئيس في البيان؟ ! عن ذلك ، يكشف التحقيق : «اقترح بعض المقربين من الرئيس ان يكون البيان ناعما وعاطفيا ، لكن كان لجمال مبارك رأي آخر ، أدخله على البيان ، فخرج بالشكل الذي أشعل حريقا مرعبا من الغضب في الصدور والعقول .. وفشلت المحاولة .. وجاءت لحظة النهاية .. قرار تكليف القوات المسلحة بعمل الرئيس .. ... وهكذا سقط الرئيس ورحل ...