يقول حسن وهو شاب مجاز معطل..» حينما نخرج للاحتجاج يصفوننا بالانفصاليين.. فهل حملة الشهادات المعطلين حين يخرجون في طنجة أو الرباط أو أي مدينة أخرى هم أيضا انفصاليون.. « ضرورة نهج ديمقراطية حقيقية وإيقاف سياسة الريع التي أنتجت لوبيات انتخابوية مسيطرة على المشهد، وتجهز على مقدرات الجهة وتنشر الفساد وتحتل كل المواقع لتضرب كل المجهودات التي بذلها المغرب في تطوير المدينة بالتحكم في رقاب الناس وجعلهم مجرد أرقام لترجيح كفتهم الانتخابية .. جماعة الدورة لا يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة غير أن لوائحها الانتخابية تبلغ الثلاثة آلاف نسمة.. وهي عبارة عن دوار بأكواخ آيلة للسقوط ، يعيش فيها السكان أوضاعا مأسوية حقيقية. بين البيضاءوالعيون مسافة طويلة تتطلب وقتا للوصول إليها لكن هي الأقرب إلى قلوب كل المغاربة كعاصمة للصحراء المغربية ،لأنها تسكن وجدان كل العاشقين لهذا الوطن والذين يسكنهم حب جنوني لا تستطيع لا تصريحات بانكيمون ولا مناورات الخصوم ولا انحياز جنرالات الجزائر أن تمسحها لأن الحب هو الشعور الذي لا يمسح بقرار.. مطالب مشروعة ذلك ما احسسنا به ونحن نضع أقدامنا على أرضية مطار الحسن الأول بالعيون حيث إن حواسنا اندمجت بسرعة مع كل شي في هذه .. الأرض المغربية الأصيلة.. نفس الرائحة ، نفس التوابل، كلها تحمل طابع « ماركة مغربية مسجلة» وازداد الشعور عمقا حين كان التجاوب والتفاعل كبيرا مع مبعوثة المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بديعة الراضي.. فقد كان الإجماع على شجب تصريحات بانكيمون.. وحتى التدخلات التي انتقدت الأوضاع الاجتماعية عبرت عن التشبث بمغربية الصحراء.. « المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها « هكذا قالت امرأة صحراوية، وهذه العبارة تكررت في أكثر من تدخل خلال هذا التجمع الناجح بامتياز.. مدينة العيون تعلن عن نفسها كمدينة من كبريات المدن ومن أضخمها، أربعة عقود تحولت بالفعل إلى عاصمة للصحراء بامتياز، ومؤهلة لأن تقود الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الحل الأوحد والأنجع الذي أراده كل المغاربة،لأنه يأتي في إطار الجهوية المتقدمة. لم يفهم بانكيمون أن الصحراويين المغاربة حتى وإن كانوا يحتجون على الشغل أو التعليم أو تحقيق مطالب مشروعة، فإنهم لا يطلبونها لجهة ما أو جهة خارجية ما، ولكن لبلدهم وإدارتهم المغربية، ولذلك فحينما يحتجون في الشارع فإنهم يحملون رايات المغرب ويتشبثون بوحدة الأراضي المغربية من طنجة إلى الكويرة.. كل من التقيناهم أجمعوا على أن العدالة الاجتماعية هي مطلب مشروع ومنطقي يشعر الساكنة بالأمن الحقيقي، بعيدا عن ثقافة الريع التي أنتجت لوبيات ماكرة تجثم على البلاد والعباد لتقف بحق في وجه التنمية الحقيقية التي هي السبيل لاستتباب الأمن والاستقرار.. يقول حسن وهو شاب مجاز معطل..» حينما نخرج للاحتجاج يصفوننا بالانفصاليين.. فهل حملة الشهادات المعطلين حين يخرجون في طنجة أو الرباط أو أي مدينة أخرى هم أيضا انفصاليون.. إننا فقط نمارس حقنا في الاحتجاج من أجل حق مشروع وهو الشغل والتوظيف.. أما التفكير بعقلية أمنية فلن يحقق ما يمكن أن يجعل من الأقاليم المغربية الصحراوية أقاليم تساهم بحق في تقدم البلاد» ،،،كلام هذا الشاب منسجم مع ما ذهب إليه الكاتب الجهوي للشبيبة الاتحادية عبد الله بوفوس حين قال:» إن المقاربة الأمنية التي ينهجها المغرب ليست الحل الأنجع، لكن الأهم هو مقاربة اجتماعية تضمن عدالة حقيقية فيما يمكن أن يحقق كرامة المواطن.. وضرورة نهج ديمقراطية حقيقية وإيقاف سياسة الريع التي أنتجت لوبيات انتخابوية مسيطرة على المشهد وتجثم على مقدرات الجهة وتنشر الفساد وتحتل كل المواقع لتضرب كل المجهودات التي بذلها المغرب في تطوير المدينة وتتحكم في رقاب الناس وتجعلهم مجرد أرقام لترجيح كفتهم الانتخابية ..» مدينة العيون نعم تطورت مدينة العيون وأضحت مدينة كبيرة، وهذا ما سيؤكده السيد بوزردة الذي استقر بالعيون منذ ما يناهز الأربعين سنة.. حيث يقول:»دخولي إلى أرض الصحراء كان سنة 1977، عندها كان والدي دركيا بمدينة الداخلة وكانت أسرتنا ضمن الثلاث أسر الأولى التي دخلت إلى الداخلة آنذاك، فالعيون حينما جئنا إليها في الثمانينات لا وجود فيها لأي شيء.. الشارع الكبير الذي كان فيها هو سوق الزجاج، وهذا السوق الآن هو الشارع الأضعف.ففي الثمانينات كان حاجز البوليس لا يتجاوز حي معطى الله على طريق السمارة، الحمد لله اليوم تطورت مدينة العيون وأصبحت من المدن المغربية الضخمة معماريا ،وحاجز الشرطة ابتعد عن سابقه بما يفوق ستة كيلومترات بمعنى أن المدينة كبرت وتطورت عمرانيا وديموغرافيا.. عندما دخلنا العيون كموظفين لم نجد أي شيء، لم تكن هناك منتجعات ،ولم تكن هناك أسواق أو فضاءات أو ساحات أو مدارس أو مسابح أو ملاعب رياضية أو قاعات مغطاة ، نعم، لم تكن أي من هذه الأشياء كما هو الحال اليوم، اليوم هناك تطور كبير وتحققت أشياء لا توجد في بعض مدن الشمال، والآن تبنى أكبر مكتبة في إفريقيا، وتم تحسين الميناء كما تم إصلاح طريق بوجدور، وكذا تهيئة الطريق نحو الداخلة، والطريق نحو الشاطئ، هناك مطاعم وفنادق فخمة يحق لنا كمغاربة أن نفخر بها، وهذا ما يجعلنا جد مطمئنين على وحدتنا الترابية...» أما الحاجة جميلة فقد قالت إنها حين جاءت إلى العيون سنة 88 أصيبت بالصدمة ،فقد اعتقدت أنها ستدخل مدينة ولو صغيرة لكنها تقول بأنها وجدتها مجرد قرية بلون قاتم ومجرد صناديق إسمنتية، ليست هناك مياه بل فقط بعض الصهاريج من ماء مالح، لكنها تغيرت خلال العقدين الأخيرين وأصبحت مدينة حقيقية تتوفر على نوع من التمدن، ففي السابق كان من العيب أن تجلس النساء في المقاهي، لكن اليوم أصبحنا نلمس مظاهر الحداثة في هذه المدينة.. كلام هذين المواطنين ليس مجرد كلام يطلق على العواهن فجولتنا في هذه المدينة جعلتنا نكتشف بالفعل أنها مدينة بكل ما تحمله الكلمة من معاني ، ومظاهر التمدن بارزة في شتى فضاءاتها وشوارعها وأسواقها .. سواء بمحج محمد السادس، أو شارع مكة، أو شارع القيروان أوشارع محمد الخامس أو شارع الحسن الثاني أو شارع عقبة بن نافع أو شارع 24 نوفمبر، وغيرها من الشوارع المتميزة باتساعها وتنظيمها وتأثيثها بالفضاءات الخضراء.. بل إنها مدينة يتسع صدرها أيضا لتستقبل احتجاجات بعض المطالبين بحقوق اجتماعية وهو ما يعطي لهذه المدينة بعدها الاجتماعي والنضالي.. من أجل مواجهة بعض لوبيات الفساد التي تريد السيطرة على مقدرات المنطقة وتسيء إلى الفعل السياسي والبناء الديمقراطي الذي بذل المغرب مجهودا كبيرا فيه.. ، ومن هنا ارتفعت أصوات من أجل الكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما تأكد بالفعل خلال اللقاء التواصلي الذي نظمته الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بالعيون، والذي حج إليه عدد من سكان العيون، والذين كانت تدخلاتهم تؤكد على ضرورة نهج مقاربة اجتماعية من أجل تحقيق العدل، لأن من شأن ذلك أن يطمئن أبناء الصحراء على مستقبلهم.. و كثيرون ثمنوا ما جاء على لسان عضو المكتب السياسي بديعة الراضي.. حين قالت « نقول للعالم أننا لا نخاف أن نقول حقيقتنا..»وكثيرون يبحثون عن فعل سياسي نظيف يضع العنصر البشري كأهم رافعة للتنمية والمستقبل بدل استهدافه فقط كرقم في صندوق اقتراع..هذا ما أدى بموسى عبيدة الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي بالعيون ليناضل رفقة كل الاتحاديين بهذه المدينة لنهج سياسة القرب واحتضان الجماهير والإنصات إلى مشاكلها ووضع مقر الحزب رهن إشارة المطالبين بحقوقهم في العدالة الاجتماعية. «العنصر البشري هو أهم ثروة يمكن الاستثمار فيها لضمان مستقبل، سيبنيه أبناء هذه الأقاليم بأنفسهم»،هذه العبارة تكررت في الكثير من التصريحات التي أدلى لنا بها المواطنون في كل الأقاليم الصحراوية التي زرناها.. نساء السياسة المرأة بالعيون لها حضور مميز وإن كانت تفضل الخروج في المساء أكثر من النهار حفاظا على بشرتها واهتماما بجمالها، لكن هذا لا يمنعها من اقتحام كل الفضاءات بما فيها السياسية.. تقول وفاء من الشبيبة الاتحادية: « النساء بالعيون انخرطن أيضا في الاحتجاج على تصريحات بان كيمون واستنكار ما تفوه به، والدليل هو حضورهن المكثف في اللقاء التواصلي الذي نظمه الاتحاد، وهي رسالة أيضا لمن يهمه الأمر.. فالنساء متعطشات للعمل السياسي ويبدين استعدادهن للانخراط فيه ، والمرأة محتاجة فقط إلى الدعم الذي لم تحظ به لتلعب دورها الحقيقي في التنمية خصوصا أن لها قناعة بقدرتها على تحقيق التجديد والتغيير داخل المجتمع.» ولا يمكن زيارة العيون دون زيارة الجماعات المحيطة بها، ولعل جماعة الدورة البعيدة عن مدينة العيون ب25 كلم في الطريق نحو كلميم من أبرز الجماعات التي تثيرك لا لشيء سوى أنها لا تملك من مواصفات الجماعة سوى الاسم، جماعة لا يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة غير أن لوائحها الانتخابية تبلغ الثلاثة آلاف نسمة.. هذه الجماعة عبارة عن دوار بأكواخ ودور آيلة للسقوط وبدون أي مظاهر للتقدم، يعيش فيها السكان أوضاعا مأسوية حقيقية والمثير للاستغراب فيها أن واجهة بناية الجماعة كلها مزينة بالرخام، والدورة بكاملها تعاني من سكن أقل ما يقال عنه أنه غير لائق، وهو ما جعل كل الذين التقيناهم هناك يتساءلون عن دور بنيت قرب الجماعة من طرف الدولة منذ عدة سنوات وظلت مغلقة دون أن يستفيد منها أحد، حتى إن أبوابها ونوافذها بدأت تكسر.. كان لابد أيضا أن نتوجه إلى بلدية المرسى، مدينة جميلة بكل المقاييس غير أن وجهها يخدش بالكثير من المعاناة ،معاناة إنسانية ، يقول المستشار الاتحادي الحسين اندوز: « إن ما يقض مضجع السكان في المرسى ،هو التشغيل، ففرص العمل قليلة جدا ..هناك فقط معملان، واحد للسردين والآخر للرخويات، غير أنهما لا يكفيان لامتصاص البطالة بهذه المدينة، لدينا أمل في المشاريع التي جاء بها ملك البلاد خلال زيارته الأخيرة من أجل تشغيل الساكنة والتغلب على المشاكل».. بلدية المرسى فتية وجميلة تبدو كمدينة عصرية لكنها لا تخفي بعض مظاهر البؤس، في أحد أحيائها زرنا أسرة ربها له 10 أبناء، كان يشتغل سابقا في شركة إسبانية، وجد نفسه اليوم في وضع صعب إذ لم يعد يتوفر على شغل والمصاريف اليومية تتطلب الكثير.. يقول: «وضعي جد صعب ، فأنا أستفيد من «الكارتية» أي الإنعاش الوطني مرة واحدة فقط في السنة، أي 1500 درهم، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع.. وهناك من يستفيد، ليس من بطاقة واحدة بل أكثر وبشكل دائم.. اقترضت من أجل بناء هذا البيت المتواضع، وأنتظر المستقبل بألم كبير وأنا على مشارف الستين من العمر، لست أدري إن كانت دريهمات الصندوق الوطني ستكفي لسد الرمق بمعاش تقاعدي.. فقط أملي في جلالة الملك في حل مشاكلي... أما وطني المغرب فلا بديل عنه رغم كل ظروفي الاجتماعية القاسية..» كان الرجل رغم البؤس ورغم بساطة بيته ورغم الألم الذي يتحدث به عن وضعه، واثقا متشبثا بانتمائه المغربي متحديا كل من يريد التشكيك في مغربية الصحراء.. وقد أكد، قائلا :»مهما تكن أوضاعنا الاجتماعية ، فإننا لا يمكن أن ننفصل عن دفء جسدنا المتمثل في مغربيتنا ومغربية أراضينا..»هذه العبارة كانت شعارا يحمله كل سكان مدينة السمارة. ترحيل الرحل بين العيونوالسمارة مسافة تمتد إلى 240 كلم عبر الطريق الوطنية رقم 14 ، نباتات شوكية تؤثث مساحات شاسعة عبر امتداد الأفق ، يمتزج لونها بالتربة .. لم نشعر بما قد يعكر الصفو.. حتى نقط المراقبة للدرك فهي جد عادية كما هو الشأن بباقي مدن المغرب وهو ما يؤكد الاستقرار في هذه الأقاليم المغربية الجنوبية. في طريقنا إلى السمارة توقفنا وبعد 50كلم قريبا من منطقة تسمى «وادي الشعر «حيث المحطة رقم خمسة، للحزام الرابط لنقل الفوسفاط الخام من بوكراع إلى العيون الشاطئ، قال مرافقنا، إن الحزام الرابط يتكون من عشر محطات بين مركز بوكراع والعيون الشاطيء.. وأن وادي الشعر هو رافد من روافد الساقية الحمراء، لفتت انتباهنا شاحنات واقفة في الخلاء، ما جعل فضولنا يكبر، فكان لابد أن نسأل عما تفعله، فقيل لنا أن الشاحنات تخص الرحل القادمين من مختلف مناطق المغرب بشاحناتهم ،قال لنا احدهم يدعى محمد أومسمرير «نحن أصحاب الشاحنات نقوم بنقل الرحل وعائلاتهم وماشيتهم من عدة مناطق بحثا عن الماء والكلأ..» محمد من قلعة مكونة أكد أنهم جاؤوا اليوم لترحيل الرُحل نحو منطقة سوس بعدما مكثوا هنا ما يزيد عن الثلاثة أشهر. وأضاف بأن هؤلاء الرحال من أيت عطا وأن الآخرين من مكونة وايت سدرات.. سألناه عن الأمن في هذه المنطقة فقال: « اعتدنا أن نتنقل في هذه المناطق ونرعى فيها ولم نشعر يوما بأي تضييق بل إننا نحس بالأمن مثلما هو الشأن حين نرجع إلى مناطقنا الأصلية.» هذا المشهد رسخ لدينا الشعور أن المغاربة يتواصلون ولو بعدت المسافة، وأنهم يتنقلون بحرية في بلدهم ،ما يؤكد بالفعل وحدة التراب ووحدة الإنسان ولو اختلفت الألوان واللهجات.. «في بعض الأحيان نضع ماشيتنا قرب أماكن، يتواجد فيها رحل صحراويون ،فنجد عندهم الترحاب وحسن الاستقبال ويقدمون لنا لكثير من المساعدات ويدلوننا على الأماكن الأكثر ماء وكلأ».هكذا ختم معنا مخاطبنا اللقاء . في مدخل السمارة وعلى يمينها العديد من التجزئات السكنية المجهزة و التي لم يشرع في بنائها بعد، و على اليسار مخيم الربيب 1 والربيب 2 والذي يضم حوالي 8000 نسمة. وهما عبارة عن أكواخ طينية بئيسة محاطة بالقمامة وتفتقد إلى أبسط مقومات العيش.. هناك رتبت لنا القيادة المحلية للحزب لقاء مع السكان.. ما أن يتحدث احدهم حتى يغرقك في الكثير من المآسي.. يقول عمر: نحن من أصول صحراوية لبينا نداء الوطن في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ولبينا نداء وحدتنا الترابية ،لكن وللأسف وجدنا أنفسنا في بؤرة الإهمال والتهميش وفي ظروف تفتقد لأبسط شروط العيش الكريم.. لم يمكنوننا من بقع لإخراجنا من هذا الوحل الصفيحي.. وزير الإسكان كذب على الجميع، حين قال بأنه أصبحت لنا مساكن منذ 2013 وهذا كذب وبهتان، يأتون فقط أثناء الانتخابات ويغرقوننا بوابل من الوعود ،وما إن ينجحوا حتى ينقلبون علينا، وحين نحتج يلفقون لنا التهم المفبركة ليرموننا في غياهب السجون..» وقال آخر إن هناك لوبيات من داخل المخيم ومن المدينة تتاجر بالمساعدات التي خصصها لنا جلالة الملك واغتنت بها.. كنا نتسلم مساعدات كل عشرة أيام وحولوها اليوم إلى الشهر وتسلم لنا منقوصة قرب المزبلة، ومن حاول الاحتجاج يعتقلونه..» واقع مأسوي ومرير عبر عنه أيضا الأطفال والنساء، بيوت لا تصلح أن يقيم فيها الإنسان، لكن رغم ذلك أكدوا أنهم لن يسمحوا في أن تمس حبة من رمال الصحراء، متشبثين بالوحدة الترابية للبلاد، أردف أحدهم: «رغم مأساتنا فإننا لا نساوم على وحدة البلاد بل إننا نشجب ما صرح به بان كيمون.. لقد انتقلنا إلى الرباط وشارك عدد منا في مسيرة التنديد بالمسؤول الأممي، وقلنا بأن الصحراء مغربية أحب من أحب وكره من كره..» نفس المشهد، نفس المعاناة، ونفس التنديد،بمخيم الكويز.. هذا المخيم القريب من تجزئة، وفي عمقه تحلق حولنا العديد من السكان كل يعبر بلغته، مغاربة من أصول صحراوية جاؤوا من عدة مناطق من المغرب من أجل الصحراء، فوجدوا أنفسهم في واقع مر أكثر تهميشا ومسا بكرامتهم، ومع ذلك فكلما طالب أحدهم بحقه إلا ووجهت له تهمة مفبركة ليجد نفسه في غياهب السجون، بل هناك من يعتبر أن هذه المخيمات مستهدفة من طرف لوبيات تدفع بمجرمين قصد الإساءة لأبناء المخيمات ،هذا ما صرح لنا به الكثيرون هنا في مخيمي البربيب والكويز. مدينة السمارة العاصمة العلمية للصحراء ومدينة الأولياء والصوفية بامتياز، تتميز بخصوصيتها ومعمارها وطيبوبة سكانها وكرمهم.. سكان يعشقون المغرب حتى الثمالة متشبثون بمغربية مدينتهم.. لكن هذا كله لم يشفع أن تحاط هذه المدينة بالكثير من التهميش في مختلف المجالات.. ضعف البنيات التحتية واضح بجلاء بحي السلام، أما حي المسيرة الذي كان مخصصا للفيلات فقد تحول إلى بقع للبناء العشوائي.. الدور التي كانت مخصصة للعائدين من مخيمات تندوف ظلت مغلقة دون أن يستفيد منها أحد وتحولت إلى أطلال.. المدينة رغم موقعها وخصوصيات معمارها فإنها تفتقد إلى الفضاءات الخضراء مما يعطيها لونا قاتما يدعو في بعض الأماكن إلى التقزز، وحتى ساحة 20 غشت التي كانت متنفسا أصبحت نباتاتها يابسة ،المثير في هذه المدينة أن العديد من البنايات الإدارية إما بنيت بشكل غريب أو أنها لا تقوم بدورها أو مغلقة.. فالنادي النسوي مغلق ولا تستفيد منه النساء.. أما كلية الشريعة التابعة لجامعة ابن زهر فهي على شكل دار للشباب وهو ما أكده لنا مرافقنا الذي قال بأن هذه البناية كانت مخصصة في البداية لدار الشباب لكن عبقرية المسؤولين حولتها إلى كلية.. مدينة السمارة بقدر ما ترحب بك وبقدر ما تشعر أنها مدينة ذات عمق كبير في الصحراء، بقدر ما تبوح لك بألمها وحزنها.. ألم صرح به البعض أثناء المائدة المستديرة التي نظمها الاتحاد الاشتراكي في المنطقة، والتي كان فيها الحضور تلقائيا وصريحا، بيّن من خلاله أبناء السمارة أنهم ملوا من منتخبين، حولهم الريع إلى لوبيات تجثم على هذه المدينة وتنهبها وتمنع عنها التنمية. لوبيات انتخباوية ومصلحاتية عششت في هذه المدينة لتنخر جسدها كسرطان خبيث.. السكان لم يخفوا التعبير عن سخطهم إزاء هذه اللوبيات .. لكن الذي لا يمكن أن يخفى على أحد هو أن هؤلاء السكان لا يرضون عن المغرب بديلا، وهم يُسمِعون ذلك لكل من سولت له نفسه أن يشكك في إخلاصهم للمغرب .. بيد الله بار عن القيادة المحلية شجب بقوة التصريحات غير المسؤولة لبان كيمون مستهزئا من عدم معرفته المعدن الأصيل للمغاربة في هذه المناطق. سمارة العلم السمارة مدينة العلم والصوفية يسكنها هاجسان، الأول حب الوطن والتشبث بالوحدة الوطنية والثاني مواجهة لوبيات الفساد ورفع التهميش عنها لتلتحق بركب نظيراتها بباقي مناطق المغرب. نواصل رحلة البحث عن الحقيقة ،وهذه المرة نحط الرحال بالداخلة، عروس الصحراء أو تلك المدينة الساحلية الممتدة وسط المحيط على شاكلة شبه جزيرة جميلة تركها الاستعمار الإسباني بمنازل قليلة متناثرة على جنباتها وببنية تحتية متواضعة لا تزال لحد الساعة بعض سماتها تؤثث المدينة. اليوم ،وبعد سنوات طويلة من عودة الداخلة لحضن الوطن الأم، تبدو المدينة في وجه متجمل وقد تغيرت عمرانيا وحضاريا حتى بات الزائر لربوعها يتيه وسط تلك البنايات المتراصة والطرقات المبلطة والشوارع التي تعكس وجه التنمية المغربية في هذه الأرض. كل شيء هنا يظهر وجه المدينة الجديد الذي تغير تدريجيا مع أوراش المملكة الكبرى التي أطلقتها فوق الإقليم منذ استرجاعه سنة 1978. نغوص في خضم التنمية وانعكاساتها على المواطن، ونبحر في استكشاف معالم المدينة وأسباب أخطاء الدولة بها،للوقوف على مكامن الداء واستخلاص علاجه. لذلك حاولنا استقراء ما يجري هنا على أرض الواقع من أفواه مواطنين عاشوا في الداخلة وتربوا بين شواطئها الخلابة. فالتركيبة السكانية هنا مزيج بين مغاربة صحراويين من الذين تركهم الاستعمار الإسباني ، وأكثرية تعيش في الحي الغربي المعروف «بحي مخيمات الوحدة» وهو حي يضم مغاربة قادمين من مدن الشمال خلال سنوات تحديد الهوية الذي أطلقته الأممالمتحدة إبان التسعينات. وأصل تسمية الحي المذكور تعود لكون قاطنيه من ساكنة المخيم الصفيحي «الوحدة» غير أن عملية إدماجهم شابها ما شابها من أخطاء كارثية كان من أبرزها عزلهم عمرانيا عن الأحياء ذات الغالبية من الساكنة الصحراوية، فنتج عن ذلك نجوم قرن الفتنة وتنامي الكراهية التي يزداد سعيرها عند كل مهرجان فني ينظم بالمدينة، ولعل ذلك ما ولد جرحا عميقا للداخلة، جسدته أحداثها الدموية الأولى والثانية. كما أن الحي المذكور يشهد تزايدا ديمغرافيا غير طبيعي البتة، إذ مازلنا لا نختبر معه حنكة الدولة ومؤسساتها في علاجه. فتشجيع تلك الساكنة على التكاثر وسط بيئة تفتقد لمقومات الإدماج مجتمعيا وكذا تجهيل تلك الأعداد الهائلة من المواطنين يطرح السؤال حول دورها الانتخابي كخزان للأصوات ،أو ربما كما أشعرنا مواطن من الداخلة ،يطرح السؤال حول دورها في تغليب طرف سياسي معين على آخر. الأمر الذي يعيدنا لدائرة التحكم من جديد، وهنا لا يفوتنا أن نحيط الرأي العام علما بصحة العملية الديمقراطية بهذه الجهة رغم توجه بلادنا نحو طريق الدمقرطة وتغليب شرعية الصناديق. أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات في طريقنا. فقضية وحدتنا الترابية هي الغاية والهدف الأساس وتصريحات «بان كي مون» لن تغير من كون المغرب في صحرائه ينعشها بتلك المشاريع الهامة التي شيدها فوق هذه الربوع بسواعد أبنائه،دون أن نزيغ عن تناسي أخطائنا التي يحاول بعض المغردين خارج السرب أن يروجوا لها، فليس العيب أن نخطئ لكن العيب أن نكرر نفس الأخطاء منذ قرابة 40 سنة. ونحن كنا وسنظل نملك الشجاعة الكبيرة في إظهار أخطائنا ومعالجتها على النقيض من الطرف الآخر الذي لايزال يسبح في أخطاء الدولة الجزائرية وقادتها. كان يتضح لنا بالملموس أن أكبر خطر يتهدد خارطة طريق بلادنا وأوراشها الكبرى بالمنطقة هو «خطر الريع» سواء الريع بشقه السياسي أو الاقتصادي. فالريع ظل في الصحراء عموما والداخلة خصوصا، بمثابة فساد اقتصادي مشرعن ومتوافق عليه ضمنيا بين بعض المسؤولين والمستفيدين منه ، ومتواطئ على السكوت عن تأثيره السلبي على الاقتصاد الوطني عبر منح الامتيازات والخدمات وفرص الاستثمار وفرص الشغل لبعض «المنتخبين» من العائلات «الصحراوية» ضاربا عرض الجدار كل الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة ،والتي من شأنها خلق ديناميكية تجعل الاقتصاد في خدمة الشعب، ولعل خطورة هذا الموضوع تكمن وتتجلى في تلك الحساسية التي يثيرها طرح الموضوع للنقاش داخل أروقة الدولة وحتى داخل المشهد الإعلامي والحقوقي ، فرغم أن الدولة قد قررت عبر أعلى سلطة داخلها متمثلة في خطاب جلالة الملك الأخير القطع مع سياسة الريع وتسريع الإجراءات التي تحد من عرقلته لسير عجلة التنمية ، إلا أن بصماته لا تخفى على النبيه بمجرد ولوج مدخل الداخلة الشمالي. فقسمة المجالس المنتخبة تحكي عن آثار أحد أباطرة الريع في توجيه تركيبتها. وحديث الناس لا ينفك عن ذكر الامتيازات التي يحظى بها هذا الرجل مع زمرته في المدينة. ورغم أنه يشغل رئاسة بلديتها غير أن تلك الميزانية الضخمة المخصصة لخدمة المواطن وتجديد البنيات التحتية لم تشفع للداخلة التي مازالت الحفر وأشغال إعادة تأهيل التطهير ،تغلب على بعض شوارعها وأزقتها المنسية. وحتى ديمقراطيا فالرجل يحظى بمعاملة خاصة يلعب فيها المال دور الموجه ارتباطا بالحي المذكور آنفا والذي يتحول موسميا إلى سوق محلية للمضاربة في الأصوات وتشويه العملية الانتخابية، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على الممارسة الحزبية السليمة وخلق وعيا شعبيا بتبعية الأفراد بدل الأحزاب، أو بأكثر دقة ،باتباع الرأسمال الريعي بدل اتباع البرامج الانتخابية والوجوه الجديدة. في طريق تحقيقنا وجدنا الشاب «محمد لفظيل» أحد شباب الداخلة الذين لم تسعفهم تماسيح الريع كما يقول في الخروج من شبح البطالة القاتل،فقرر دخول عالم المجتمع المدني حاملا رسالة التغيير والدفاع عن حقوق شريحة واسعة من أمثاله. «محمد لفظيل» يعتبر أن السؤال ليس سؤال تنمية أو أوراش بقدر ماهو سؤال مراجعة للسياسات وجب على الدولة الوقوف عليها. فتصريحات بان كي مون لا تملك أي شرعية في ظل عدم انسياق الصحراويين معها ،خصوصا ،وأن نصفهم مع حل الاندماج التام مع المملكة المغربية، لذلك ما يجب اليوم التركيز عليه بعد الانطلاقة التنموية الجديدة التي أطلقها جلالة الملك هو إجراء مصالحة وطنية مع الإنسان الصحراوي الذي يرى في المملكة والاستقرار والتنمية خيارا مصيريا، ومن ثم وجب توفير مزيدا من كرامة العيش لهؤلاء. جعجعة بان كيمون أما «محمد شريف» الذي التقيناه في مقر عمله كفاعل جمعوي ومستخدم مع إحدى الشركات الأمريكية : فقد اعتبر أن تصريحات بان كيمون لا تعدو كونها جعجعة في فنجان ومتجاوزة، مستذكرا بأن الأساس الذي يجب أن تستمد منه الدولة المغربية قوتها وشرعيتها فوق هذه الربوع هو الإنسان الصحراوي، خصوصا أن الغالبية تعيش هنا مقارنة مع المخيمات. لذلك وجب إشراكه في الأمر وتوفير كل سبل الكرامة التي تغري الطرف الآخر بالعودة إلى الوطن.» ذهبنا بعدها صوب إحدى المنازل الصحراوية حيث وجدنا نسوة من بنات الصحراء و اندهشنا لقمة الوعي التي بلغنها، وكذا لمدى الاحترام والتقديس الذي يتمتع به الجنس النسوي بالصحراء لدى الرجل. «سعاد الساعدي» أسهبت في الحديث عن الأمين العام الأممي معتبرة أنه مجرد آلة للتعبير عن الأسف، وأن مواقفه لم تكن دوما مجدية. مستنكرة في الوقت نفسه، تصريحاته الخطيرة تجاه قضية وحدتنا الترابية. سعاد بدت متفائلة كثيرا بالبرنامج التنموي الذي أطلقه جلالة الملك بالصحراء،وتأمل في أن يكون فاتحة خير على المنطقة. أما «كجمولة بوسيف» الشابة المثقفة فقد تحدثت عن الريع السياسي وخطورة تواجد مسؤولين غير أكفاء ودون مستوى معرفي وطاعنين في السن، وطالبت بضرورة تمكين المرأة من مزيد من المناصفة في المقاعد الانتخابية وكذا مساعدة الشباب على الترشح وتقلد المناصب مع تدعيم المبادرة الحرة والفردية.