أكيد أن الأغنية المغربية عرفت تحولات عدة في مسارها التاريخي، وكان المطلب والمأمول على الدوام أن تشنف الأسماع، وتستجيب لقضايا ومشاكل ومشاغل الناس اليومية، كلمة ولحنا وأداء. الساعة، الساحة الغنائية المغربية تعرف مستجدات عظيمة بتمركز أنماط غنائ جديدة، كانت إلى وقت قريب غريبة الأطوار عن محيطنا الفني وثقافتنا، والمقصود بذلك فن «الراب»، و«الهيب هوب» وهلم جرا... ف«الراب» نمط غنائي يعبر فنا بالدرجة الأولى بالكلمات دون التزام كبير بلحن أو إيقاع معين. كان ظهوره بمدينة كينغستون بجامايكا نهاية الستينيات، وانتشر في الولاياتالمتحدةالامريكية بداية السبعينيات في حي برونكس بولاية نيويورك على أيدي الأمريكيين - الأفارقة، واتسع نطاقه عالميا منذ التسعينيات. ويتخذ مغنو أو بالأحرى مؤدو «الراب» اللباس الفضفاض الواسع مستوحى من رياضة البيسبول أو لباس المساجين بمقاسات واسعة، ويترنمون بمقاطع موسيقية وغنائية تحكمها القافية والإيقاع، تزيدها تعبيرية أكثر وإيحائية، وهو ما يعطي للفرقة تميزها وتفردها بهذا اللون الغنائي الجديد . وموضوع هذا التعبير الغنائي، الإعراب عن المشاعر الفياضة والملتهبة وموضوعات شخصية أو اجتماعية أو عاطفية أو سياسية .. في عفوية وبساطة. وغالبا ما تكون مثيرة للجدل متحررة إلى حد كبير. وصوت المغني يعد ثانويا في هذا النمط الغنائي. لم يكن «الراب» قبل عشر سنوات معروفا في الشارع المغربي، علما أن آذان الشباب كانت ترتاح لبعض مغنيي الراب الأمريكيين. ومع الوقت بدأت الأمورتتغير لتتغلغل موسيقى «الراب» في صفوف الشباب المغربي بكلمات وموسيقى يمتزج فيها ما هو غربي بما هو شرقي . وفي «الراب» المغربي يتغنى المؤدي بالمواضيع التي كانت فيما مضى ضمن لائحة الممنوعات والمحظورات، بلغة الشارع، بعيدا عن الاستعارات. هكذا يتبين أن الشارع المغربي أصبح مرتعا خصبا لموجة «الراب»، حيث انتشر كالنار في الهشيم وكثرت معه المجموعات والمؤدون الذين بدأوا بدورهم يبحثون عن خصوصيات تميزهم، وأمسينا نسمع ب«الراب المراكشي» (لفناير) و«الراب المكناسي» (اش كاين) و«الراب البيضاوي» (كازا كرو والبيغ .....) وطبيعي أن يرافق هذه الموجات الموسيقية انقسام للرأي بين مؤيد ومعارض: فهناك من يرى بأن الراب هو انفتاح على العالمية ونافذة على المزيد من التحرر والاجتهاد الفني خصوصا بعد الركود الذي أصاب الأغنية المغربية، وهناك من يرى بأن «الراب» هو موضة مستوردة وستنتهي. وبين هذا وذاك، مازال «الراب» يبحث عن هوية مغربية تزيل عنه صفة الاغتراب، وإلى أن تختمر التجربة ويستوفي الراب شروط الإقامة الدائمة في المغرب، يظل السؤال مطروحا هل: «الراب» مجرد سحابة عابرة أم جوهرة أضيفت إلى عقد الأغنية المغربية؟.