لم يكن أحد يتوقع أن يلجأ رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى القرآن، لتبرير السلوك العدائي، الذي ينهجه ضد الحركة النقابية، مفسرا آياته، بالشكل الذي يحلو له، من أجل تقديم تبرير «شرعي»، للاقتطاع من أجور المضربين. لقد نشرت المواقع المقربة من حزب العدالة والتنمية، وهي مزهوة بذلك، تصريحا لبنكيران، يعتبر فيه أن الاقتطاع من أجور المضربين، مذكور في القرآن، مُدَلِلًا على ذلك بالآية «والسماءَ رفعها ووضع الميزان». حيث أكد أن الآية تبرر الاقتطاع. هذا التفسير الغريب للآية يطرح عدة قضايا، من المفيد مناقشتها، نظرا لما لها من أهمية في السياق الذي نعيشه اليوم. المسألة الأولى التي من الضروري إثارتها، هي أن كل التفاسير التي قدمت لهذه الآية، تحيل على العدل، بمفهومه الشامل، وليس على معاقبة الشغيلة التي تدافع عن حقوقها بسلاح مشروع هو حق الإضراب، إذ لاعلاقة للآية بسياسة حكومة بنكيران. المسألة الثانية، هي مفهوم العدل نفسه، حيث إن تحقيق هذا الهدف الأسمى، لا يمكن اختزاله في الاقتطاع من الأجور الهزيلة للشغيلة، «ذنبها» الوحيد هو المطالبة بإنصافها، فهل يرضى بنكيران وجماعته عن أوضاع الشغيلة، ويعتبرونها من الظالمين؟ أليس العدل بمفهومه الشامل هو رفع الحيف عنها؟ ألم يقلب بنكيران الميزان؟ المسألة الثالثة، هي اللجوء إلى هذا النوع من التبريرات السياسية، التي تتخذ صفة «دينية»، حيث إنها تحيل على منهجية كهنوتية، استعمل فيها الدين، من طرف عدد من السُلَطِ المطلقة، لإضفاء شرعية على استعباد الناس وامتصاص دمائهم وسرقة عرق جبينهم. فما قام به بنكيران ليس جديدا، في منطق مثل هذه الأنظمة، التي استعملت سلاح الدين، وحَرّفَت مقاصده، لخدمة الطبقات الغنية والمُستَغِلة. تتشابه هذه الأنظمة، في استخدامها لهذه الآلية، رغم اختلاف الإيديولوجية الدينية، التي يتم اللجوء إليها، غير أن التشابه المثير، الذي تجب الإشارة إليه، هو أن بنكيران، ظل وفيا، فيما قاله، للمشروع المجتمعي الذي يطمح إليه، وهو النموذج الخليجي المتخلف، الذي لا تعترف قوانينه بالحق النقابي، يمنع التنظيمات النقابية، ويناهض الحركة العمالية.