يرتبط تاريخ السينما ارتباطا وثيقا بتاريخ «العرض الأول»، تاريخ خروج السينما من المختبر وولوجها عالم العرض والفرجة الجماهيرية. فالنقاد والمؤرخون السينمائيون يجمعون، على الرغم من تضارب الروايات، أن اليوم الذي عرض فيه الأخوان لوميير المخترعان الفرنسيان أفلامهما الأولى بمقهى Café journal بباريس في 28 دجنبر 1895، هو التاريخ الرسمي لميلاد السينما. إلا أن الملاحظ هو أن «العرض السينمائي» وما يحيط به من ملابسات وعمليات تجارية وتدبيرية، أي ما يصطلح عليه في أدبيات العمل والصناعة السينمائية بمستوى «الاستغلال»، غالبا ما يتم تهميشه في الدراسات النقدية والمقالات والمتابعات الصحفية للإنتاج السينمائي، على الرغم من أن إقبال الناس وتهافتهم على مشاهدة العروض السينمائية هو الشرط الموضوعي والأساسي الذي كان وراء التنافس الكبير الذي جعل شركات الإنتاج والتوزيع تقدم على تأسيس شبكات واسعة للعرض من خلال البناء المتسارع لدور العرض والمركبات السينمائية التي أضحت بسرعة فائقة، مكونا أساسيا من مكونات المدينة الحديثة. إلا أن الأزمات التي تلحق الصناعة السينمائية بين الفينة والأخرى، وخصوصا في العقود الأخيرة، جعلت المهتمين ينتبهون الى ما يتهدد هذا الصرح العظيم، من الدور السينمائية البادخة، من إفلاس وتلاش. إن إطلالة سريعة على الوضع السينمائي بالمغرب تحديدا، تجعلنا نقف مشدوهين أمام المصير المظلم الذي يتهدد الكثير من دور العرض والصالات السينمائية ببلادنا. إن الحديث عن صالات العرض بالمغرب حديث ذو شجون يحرك المواجع ويوقظ مشاعر الأسى والحسرة والحزن على ما لحق الكثير من هذه الفضاءات من إبادة ممنهجة ودمار شامل يصلح مادة لشريط مأساوي عن عنف الاستئصال ووحشية التكالب على هذه الأماكن العبقة، الزاخرة بالذكريات التي تؤرخ لميلاد أحلام وترعرع خيالات أجيال وأجيال. غريب أن يتم تجاهل هذا الوضع المأساوي الذي يتهدد دور السينما بالزوال، وهي التي لم تكن مجرد هياكل إسمنتية بلا روح بل كانت ولاتزال مشاتل لزرع الحلم وإثراء الخيال، نوافذ لاكتشاف الحياة بمعناها النبيل. لقد عرفت السنوات الأخيرة بالمغرب تسارعا لافتا لعملية دمار وانقراض دور السينما، لدرجة أصبح فيها مشهد القاعات السينمائية التي تغلق أبوابها وتتساقط تباعا كأوراق التوت أمرا مألوفا. غريب حقا أن يسود الصمت وتترك «المدينة» تفقد جوهرها الثقافي لتتحول الى سديم كاسح بارد لا روح فيه ولا حياة. ومادام الشيء بالشيء يذكر، فها هي مدن كالدار البيضاء ومراكش وطنجة والرباط وفاس ما زالت تشهد إغلاق العديد من القاعات، وهذا هو المنحى العام الذي ينذر بالكارثة التي قد تحول العرض السينمائي إلى عروض منزلية أمام شاشة الهاتف أو الحاسوب أو الألواح الإلكترونية. وهذا ما يقتضي التسلح بالكثير من الانتباه من أجل إنقاذ السينما، وإنقاذ الحلم، وإنقاذ الانسان..