ماذا لو إفترضنا أن البنية الدرامية لجميع القصص، الأساطير والأفلام تخضع لنفس القواعد السردية؟ سؤال يبدو في ظاهره متضاربا، غير منطقي ، و حتى مستحيلا. إذ أنه لا يمكن الجمع مثلا بين جميع الأفلام، بإختلاف أجناسهاو تيماتها، حول نموذج درامي موحد. لأنه ببساطة، قد يقول القارئ: لكل فيلم خصوصيته و تفرده الذي يجعله مختلفا عن باقي الأفلام. وهو إعتراض منطقي ومقبول إذا توقفنا عند هذا المعنى السطحي والمستوى الظاهر للسؤال. وبطبيعة الحال، إن إشكالية السؤال معقدة وأعمق من ذلك بكثير. في كتابه " البطل بألف وجه" يتناول الميثولوجي الأمريكي جوزيف كامبل بكثير من الدقة الأبعاد و الدلالات العميقة وراء هذا السؤال و ذلك عبر نظريته الشهيرة "monomythe " الأسطورة الوحيدة الإتجاه". وتجدر الإشارة الى أن هذا المصطلح " هو مستوحى من رواية أمريكية للكاتب الأمريكي "Finnegans Wake" James Joyce ويعتمد جوزيف كامبل بشكل كبير على نظريات Carl Jung حول البنية النفسية للإنسان. تهدف نظرية كامبل الى تبيان فكرة أساسية و هي أن "جميع القصص، الأساطير والحكايات الملحمية مرتبطة فيما بينها داخل المتخيل الإنساني، وهي تجسد تمظهرات ثقافية لحاجة إنسانية عالمية من أجل تفسير بعض الحقائق الإجتماعية، الكونية والروحانية". وهو الشيء الذي يحاول إثباته من خلال طرح نموذج مشترك للبطل الواحد.او ما يسميه عادة برحلة البطل. فحسب كامبل إن جميع الأبطال الأسطورية، بغض النظر عن الحقب والثقافات، تتبع نفس المسار السردي (والسينما لاتشكل الإستثناء). يرتكز عمل جوزيف كامبل على منهج تحليلي مقارن من أجل عرض مختلف المراحل التي يمر بها البطل والأهداف المحققة في مساره السردي. ويمكن تلخيص هذه المراحل كالآتي: 1 - البطل في عالمه الطبيعي: يتعلق الأمر بتقديم البطل في وسطه و حياته اليومية. وتعتبر هذة المرحلة بمثابة تمهيد للمغامرة التي سيخوضها لاحقا. 2 - نداء المغامرة الذي يظهر غالبا على شكل تحد أو مشكل يستوجب الحل. 3 - تردد البطل في قبول نداء المغامرة و خوفه من المجهول. 4 - تدخل المرشد الذي يظهر عادة على شكل رجل عجوز وحكيم أو شخص آخر ليساعد البطل في إختيار القرار بقبول نداء المغامرة. في بعض الأحيان يزود المرشد البطل بسلاح سحري ولكن لا يرافق البطل في مغامرته حيث يخوض هذا الأخير مختلف التحديات التي تعترض سبيله لوحده. 5 - يتخطى البطل العتبة الأولى في المغامرة و يدخل الى عالم غير طبيعي بحيث لا يمكنه التراجع. 6 - يخوض البطل مجموعة من التحديات ، يلتقي بحلفاء و أعداء. 7 - يصل البطل الى المكان الأكثر خطورة في المغامرة حيث يوجد الشيء الذي يبحث عنه" "Elixir." 8 - يخوض البطل الإمتحان الكبير حيث يواجه الموت. 9 - حصول البطل على الشيء الذي يبحث عنه. 10 - طريق العودة : عادة ما تتميز هذه المرحلة بمحاولة البطل للفرار من إنتقام الأشخاص الذين سرق منهم شيءا يشكل الهدف من المغامرة 11 - عودة البطل من العالم غير الطبيعي و قد شهد تغييرا بفضل التجربة. 12 - العودة الى العالم الطبيعي و إستخدام الشيء موضوع بحثه لتحسين العالم. إن النموذج الذي نقدمه في هذا المقال لا يشكل بأي وجه كان ملخصا شاملا لمختلف المراحل التي يعرضها كامبل في كتابه, بل يقتصر عملنا على جرد وجيز لما نعتبره أهم المراحل الأساسية في النموذج السردي الذي يقترحه كاتب البطل بألف وجه. نترك للقارئ متعة الاطلاع على التفاصيل في الكتاب. يعتبر جورج لوكاس George Lucas أول مخرج يعترف بتأثير جوزيف كامبل على صناعة السينما بهوليود. حيث صرح المخرج الأمريكي بعد طرح الجزء الأول لفيلمه حرب النجومStar Wars سنة 1977" إن قصة الفيلم تم تشكيلها وبناؤتها جزئيا حسب الأفكارالمتضمنة في كتاب جوزيف كامبل " البطل بألف وجه". هذا الإرتباط بين الفيلم و كامبل تم تأكيده لاحقا بعد إعادة طباعة الكتاب حيث يظهر على غلاف الكتاب صورة الممثل Mark Hamil في دور Skywalker الذي لعبه في فيلم حرب النجوم. و لكن الكتاب لم يعرف شهرة كبيرة إلا بعد إكمال ثلاثية حرب لنجوم و خصوصا بعد نشر مقال صغير من 7 صفحات للمنتج و كاتب السيناريو بهوليود Christopher Vogler. وهو المقال الذي سوف يطوره فوكلر لاحقا الى كتاب تحت عنوان " رحلة الكاتب"The writer's journey الذي يعتبر اليوم من بين المراجع الأساسية لكتاب السيناريو بالعالم. و من بين الأفلام التي تستلهم بناءها السردي إنطلاق من نظرية الأسطورة الوحيدة الإتجاه نذكر على سبيل المثال لا الحصر The Lord of rings, The lion King, Nemo, Batman ,The Matrix, Indiana Jones, Avatar . وفي الأخير، لا شك أن هناك تمايزات وفروقا بين مختلف القصص، الأساطير والأفلام، غير أن الهدف الجوهري لنظرية كامبل يبقى هو تبيان ما هو متشابه فيما بينها وفق منهج تحليلي وصفي descriptif لا معياري normatif بمعنى أن نظرية كامبل لا تقدم وصفة جاهزة prêt à porter لصناعة الأفلام بل تقتصر بشكل حصري على استنباط مجموعة من القواعد المشتركة بين مختلف الأشكال السردية. وهو ما يجعل السينما فنا ساحرا لا يخضع لقواعد أو قوانين محددة.