إن الأنترنيت والفايسبوك تحديدا قد خلق أجواء جديدة لحياة النصوص الشعرية ولقراءتها على أوسع نطاق، وهذا ما يدخلها في إطار ديمقراطية الإعلام التي لا توفرها الوسائل التقليدية ، أقصد الإعلام الورقي والسمعي البصري، في التلقي والتواصل. تجد نفسك وأنت تتصفح ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي أو الفيسبوك، أمام كم هائل من النصوص الشعرية يوميا، شذرات، مقاطع ، جمل أو خواطر، أبيات عمودية، قراءات نقدية، وغيرها مما يدخل في حقل الشعر. لهذا أحاول من خلال هذه القراءة أن أطرح بعض التأملات والتساؤلات التي أتقاسمها مع مجموعة من الأصدقاء، ونحن نتابع ما يكتب في الفايسبوك، أو نتساءل عن دور الفايسبوك في تلقي الشعر، وفي الإقبال عليه من طرف أغلب الكتاب والمهتمين بالشعر. الفايسبوك كتقنية للتواصل إذا كان الشعر شفويا يرتكز على الحفظ والذاكرة في القديم، وربما لازالت بعض تجلياته بالنسبة للشعراء والمهتمين بالشعر المكتوب بالفصحى، وكذلك بالنسبة للزجالين، ثم انتقاله إلى مرحلة التدوين والكتابة الورقية، وعلاقتها بالفضاء، ارتباطا بمختلف الأجيال والحساسيات والأشكال من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر، حيث الكتابة الورقية والنشر بهذا الفضاء فرض سلطة القصيدة وتكريس شاعرها في المشهد الشعري العربي والمغربي تحديدا، فإن القصيدة المغربية يمكن القول أنها وجدت لها متنفسا وهواء جديدا في الفايسبوك، أي أنها استغلت تقنيات التواصل الاجتماعي في سياق العولمة، لتجد لها مكانا داخل الفضاء الافتراضي، لتصبح قصيدة افتراضية تفترض قارئا محليا أو كونيا، لا يلتزم بقواعد ما، تلك التي كانت تتحكم فيها معايير أخرى، وبالتالي فالمرور منها، ومن جسورها ، يعتبر إجازة لها ولشعرائها، وعبورا نحو تكريس أسماء معينة قد تكون بالصدفة أو بالحظ أو بأشياء أخرى. ديمقراطية الفايسبوك يمكن القول أيضا إن الأنترنيت والفايسبوك تحديدا قد خلق أجواء جديدة لحياة النصوص الشعرية ولقراءتها على أوسع نطاق، وهذا ما يدخلها في إطار ديمقراطية الإعلام التي لا توفرها الوسائل التقليدية ، أقصد الإعلام الورقي والسمعي البصري، في التلقي والتواصل، إلا لمن رحم ربك، أو لحسابات معينة. وبالتالي فسياق الجو الديمقراطي الذي أصبح الكل ينعم به في حدود معينة، على الأقل يوفر لشعراء ونصوص قادمة بقوة مساحة للتعبير بكل حرية وبسرعة فائقة، لنشر منتوجها وتعبيراتها وأفكارها، في مكان يمكن اعتباره مِلكا لها ومِلكية للجميع ، أي للزائرين الذين يتقاسمون معها نفس المجموعة ونفس الصداقة. ما أريد التنويه إليه هو أن أي واحد إذا ما أراد الوصول إلى القارئ، عاديا كان أو ناقدا أو مهتما أو متعلما أو غير ذلك من مختلف القارئين، عليه أن يضع ما يكتبه على صفحته ، فتتاح له إمكانية الدخول إلى صفحات أخرى أو عيون أخرى. أي أن النص الشعري لم يعد معزولا أو مبعدا، أو يحتاج إلى جواز عبور من الخارج أو من الداخل، يحتاج اليوم فقط إلى نقرة لكي يضمن زبائن من مختلف الشرائح والزوار، سواء بالتعليق أو بدونه، أي يضمن تتبعا ما في غياب مؤسسات النقد التي من المفروض، أن تشكل قنوات التواصل النقدي والمعرفي. طبيعة الشعر بالفايسبوك ما يقدمه الانطباع الأول، في توصيف ما ينشر بالفايسبوك، في غياب دراسة علمية، ليس تقييما لما ينشر من نصوص ، يعكس بشكل عام تجارب متعددة ومختلفة في قيمتها وفي ما تقدمه ، يمكن اختزاله في ما يلى:هناك شعراء مكرسون يقومون في نظري بدور بيداغوجي، في تقديم تجاربهم بشكل متواضع، في شكل شذرات أونصوص قصيرة تسمح بقراءتها في الفيسبوك، يمكن ذكر الشذرات التي ينشرها الشاعر الكبير عبد الكريم الطبال يوميا في صفحته ، والتي تلقى تلقيا كبيرا، من الداخل ومن الخارج، نصوص رائعة تفتتح بعتبات في أغلبها صوفية، تتيح إمكانية التعرف على مخيال ثقافي ومعرفي، يمكن بيداغوجيا من تعرف الأجيال الجديدة على تجربة سي عبد الكريم من جهة ، ويفتح لهم أفقا للكتابة بالمصاحبة والتعلم، ربما، من جهة أخرى. وهناك ما ينشره الصديق الشاعر أحمد بلحاج آيت وارهام في حدائقه ، ويدخل في نفس التجربة السابقة، والتي تتيح إمكانية الاطلاع على نصوص باذخة، تسهم في انفتاح القارئ على تجربة عميقة في الكتابة وفي الحياة بلغة شعرية تمتح من معجم صوفي راق. ثم هناك النصوص القصيرة التي ينشرها الصديق مصطفى الشليح، ذات النفس التفعيلي، والتي تقدم رؤية إبداعية متميزة في علاقتها بالذات وبالآخر. وهناك من جهة أخرى ما يقدمه الشاعران محمد أهروبا وعبد القادر وساط من ترجمات فريدة ونوعية لشعراء كبار، تتيح للقارئ والشاعر أو المهتم المغربي بالشعر عامة، الاطلاع على نصوص رائعة من لغات وجغرافيات أخرى، خاصة الفرنسية والألمانية. وهناك نصوص شعرية تدخل في نطاق ما يمكن تصنيفه في إطار «قصائد النثر»، وفيها أنواع وأشكال، منها القصيدة الناضجة ومنها المفبركة، والواعدة، وغيرها. وكلها لها دورها في خلق تراكم شعري مغربي، يمكن أن يفرز مستقبلا تجارب نوعية ، يمكن مقارنتها بما ينشر عموما في العالم العربي. ثم هناك نصوص أخرى لها أهميتها في اقتحام محراب الشعر، وفي كسر طابو النشر عبر شبكة التواصل الاجتماعي بجرأة التعبير عن الذات، وفي تقديم ما تختلجه دواخلها، بلغة خاصة بها، تعلن عن نفسها، عارية إلآ من نبضها السري، مقترفة محبة الشعر، ولها حقها في ذلك، تتغيا التواصل والاستمتاع بتوقيع ما تكتبه، وبتقاسمه مع محيطها وأصدقائها، وفي اكتشاف مضايق أخرى قد تفضي بها إلى آفاق أخرى، ربما سيكشف عنها النقد مستقبلا عند اكتمالها. ثم هناك شعراء لا ينشرون، يتتبعون المشهد بحياد ما ، أو باختيارات خاصة حسب ذائقتهم، ولهم الحق أيضا في ذلك. النقد و الفايسبوك عادة ما يرتبط النقد بالمؤسسات ، سواء كانت الجامعة في إطار بحوث وأطاريح ، ودراسات رصينة، بمناهج علمية؛لكنها غالبا ما تتناول ما يناسب اختياراتها اللغوية والأسلوبية والأسماء التي توافق مناهجها ومقاربتها. أو في إطار متابعات صحفية عن طريق الملاحق والمجلات الثقافية، والتي لها أيضا اعتباراتها الجمالية والقرابية. لكن هل ما ينشر في الفايسبوك يمكن اعتباره نقدا؟ هل ما يسجل من تعاليق على اختلافها ونوعيتها، يمكن اعتباره نقدا؟ أحيانا تكون بعض التعاليق، ولو في قصرها مؤشرا على تعامل حواري مع التماعة ما في نص ما، ينال حظه من التعليق النقدي الجمالي والمعرفي، وليس النقد المدرسي، الذي يقارب النصوص المنشورة بمرجعيات مدرسية صنمية، لا تقدم أي شيء للمكتوب. أي انطلاقا من نماذج تعتبرها مقاييسها في التذوق والتمييز، أوفي العزل. هل يمكن اعتبار ما تناله بعض النصوص على قلتها وقصرها، مشروعا نقديا للمنتج الشعري المغربي الحالي؟ ستوفر للباحث المستقبلي، «بيبليوغرافيا فيسبوكية»، في التصنيف والترتيب والغربلة، في القراءة العالِمة لمنجز رقمي، يفرض نفسه بالتدريج في العالم ككل. وهل يمكن القول أن النصوص الافتراضية ستخلق نقدا افتراضيا، وبالتالي ستعمل على تقعيد نماذج شعرية جديدة، على اعتبار أن الشعر يسبق النقد، ويمكنه من مادة للتعامل والمعالجة والقراءة. تلك أسئلة تحتاج إلى الوقت، كما تحتاج إلى السبر الهادئ، وإلى الدراسة العلمية الرصينة والمبدعة، وليس إلى القتل السريع لنصوص لا تتغيا مزاحمة النشر الورقي، أو الجلوس على منصات مهيأة سلفا في الكواليس، أو إلى جوائز لا تحددها إحداثيات موضوعية في القراءة والتأويل. نصوص الفيسبوك لها رهانات أخرى، في التواصل الجمالي، في القرب الاجتماعي، حيث الكتابة تعوض الجغرافيا، وحيث الزمن كلمات لا تقاس بالسرعة أو بالقرب أو الضوء، ولكنها نصوص تحب الحياة إذا ما استطاعت إليها سبيلا.