يغادرنا العجبُ وتبرحنا الدهشةُ ونحن ننصتُ لشرذمة من الذكور يبيحون لأنفسهم نكاح ما شاء لهم من النساء فيستدلون لهذا الغرض بآيات قرآنية للدفاع عن ما يختلج في نفوسهم المريضة، وعقلهم المهووس بالشهوة. فتراهم يرددون على مسمعك الآية3 من سورة النساء «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع» و ينسوا الجزء الأهم من الآية نفسها «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» .أما الآية 129 من نفس السورة أظن أنهم لم يقرؤوها البتة و التي جاء فيها «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم». فمن يفهمهم أن الدين بكُليّته أعظمُ وأعمق من الأجزاء الصغيرة التي يوظفونها. فبدلا من البحث عن جوهر القرآن، ينتقي المتعصبون الجاهلون آية أو آيتين، يرونها تتناغم مع أسلوب تفكيرهم وعقولهم المتطرفة. وما يثير في نفسي الاستغراب استدلالهم بالقوامة التي تحدث عنها اللهُ في كتابه العزيز: "الرجال قوّامون على النساء بما فضّل اللهُ بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم». لتأكيد وجوب التابعية للرجل. أجيب هذه الفئة، أن المرأة مارست كل الأعمال حتى قبل مجيء الإسلام فكانت حاكمة و كاهنة و إلهة و محاربة إلخ. قفزت إلى ذهني هنا الكاتبة المستنيرة بأفكارها التنويرية نوال السعداوي في معرض حديثها عن نفس الموضوع، في كتابها الوجه العاري للمرأة العربية حيث تقول «وكنت أندهش كلما قرأت في تاريخ العرب قبل الإسلام و في المراحل الأولى للإسلام عن تلك الشخصيات النسائية اللائي برزن في المجتمع، و عن الأهمية الكبيرة التي نالتها نساء العرب سواء في الأدب والثقافة و الفنون أو الحب و الجنس أو في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية، بل منهن من برزن في السياسة و الحروب و القتال سواء قبل الإسلام أو بعده وفي حياة محمد رسول المسلمين نفسه» و تقول أيضا «وفي المجتمعات الاسترالية أيضا تساوت المرأة و الرجل من الناحية الاقتصادية فكلاهما يعمل من أجل الرزق، لذلك تتبع بعض القبائل النظام الأمومي فينسب الولد إلى أمه و يلتحق ببطن الأم». تعاني المرأة في مجتمعات بطريركية؛ شأنها في ذلك شأنَ كلِّ النساء في العالم الذكوري الراهن. فتعاني عندما تطالب على سبيل المثلال لا الحصر بحقها المشروع والعادل في الخروج للعمل مثله فتجده يعطي لنفسه الحق في حرمانها من أبسط حقوقها فلا يقول غير: «لااااا»! لأنها الكلمة الوحيدة التى لُقِّنها. ولكي يشرعن اضطهاده نجده يستدل بأقوال شيوخ موغلة في التطرف و الجهل. أجد نفسي هنا مشدودة إلى تسائل فاطمة المرنيسي في كتابها «ماوراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية» وفي هذا الصدد تتسائل المرنيسي لماذا يشجع المجتمع الإسلامي الزوج على أن يلعب دور السيد وليس دور العشيق؟ أيهدد الحب بين الزوجين شيئا حيويا في الهندسة الاجتماعية؟ إياكم أن تصدقَوا أن كلّ العالم وجهابذة الفكر والعلم، بوسعهم محو جهله، بإقناعه أن المرأة عقلٌ وإرادةٌ وشخصية وإنسان كامل الأهلية، وليست مادةً لإغواء الشهوانيين. أتذكر هنا نقاشي مع أحد الأصدقاء حول المساواة بين المرأة والرجل، فأفاجأ به يطلق وابلا من رصاص اتهاماته. فصديقي المتطرِّف لا يكلُّ ولا يملُّ من الكلام عن أمور سطحية، وأنا تعبتُ من فرط الكلام عن الجوهر والإنسانية والعقل والتفكير. فالمرأة بالنسبة له كغيره من الذكور كائنٌ ناقصُ الأهلية، ومن ثم فهن - النساء- ناقصات عقل و دين. بهذه الآراء الشاذة الموغلة في عبثيتها يدافع هؤلاء عن مواقفهم المتطرفة التي لا يصدقها عقل طفل صغير آية الجاهل أنه يستميت للحفاظ على جهله ! لكنهم كما أسلفنا محض ذكور، لا يحملون من سمات الرجل إلا ما يميز نوعهم الجنسي من أعضاء، وفقط. إنهم منتسبون للرجال عن طريق الخطأ. وحتى عندما تكون المرأة إنسانة مثقفة و مبدعة وتمسك قلمًا لتكتب. تجد هجموما شرسا على قلمها ذلك أن التفوق منذورٌ للرجل منذ الأزل، و حتى إذا تأكدنا من تفوقها، نشرعُ في رشقها بتهم لا أساس لها من الصحة فنبحث بين كلماتها عن ما نسميه سيرتها الذاتية. لكن الرجل عكس كل ما سبق ذكره، فهو مجموعة من الصفات الأخلاقية والمتحضرة النبيلة التي تجعل الرجل جديرًا بالقوامة؛ كالشهامة والمروة والنبل و الاحترام و الصدق إلخ، وكم نتمنى أن تربطنا بهؤلاء الرجال قرابة، أن نكون صديقاتهم أو زوجاتهم أو أخواتهم إلخ إن وجودنا في مجتمعاتنا العربية، يتحدد داخل شرنقة «العادة» و» وجمود التفكير « و»التقاليد البالية». الكثير منّا يعيشُ مأسورًا داخل شرنقته، والقليلُ منّا يحطمها. ويحلّق خارج القفص، يفكر خارج الصندوق. ويغرد خارج السرب. لماذا لا نحاول معًا أن نُفكّك شرانقَ الجمود، ونكسّر الصناديقَ البالية التي زرعتنا فيها التقاليد و فكرنا النقلي و ثقافة لا تقربوا الصلاة؟ لماذا لا نضرب صفحًا عن معتقداتنا البالية و نقوم بعملية مسح الطاولة بلغة ديكارت؟ إن إيماني بحق المرأة في غد أفضل كانا يحركّان مساري ويرسمان لي درب الرفض، لكل أشكال الظلم والحيف والاغتيال المعنوي و العنف الرمزي الذي كانت ولازالت تتعرض له المرأة و لن يتغير شأنها للأفضل ما لم تعي ذلك. حيث أقول كما أن هناك (رجال) يقومون بهدر إنسانية المرأة، هناك أيضا نساء متورطات في ذلك فكيف لنا أن نلومَ هذا (الرجل) على مغالطاته إن كنّا نحنُ بيدنا لا بيد عمرو، نتواطأ معه. إنه التناقض الجليّ بين أن تطالب النساءُ بالمساواة بالرجل وفي الوقت عينه تعيد إنتاج الثقافة السائدة. هرِمنا من التطرف في الآراء، ومن الجهل الضارب في الآفاق من الثقافة النقلية بدل إعمال العقل. تعبنا من استسلامنا لأفكارنا البالية فأين نهرب من كل ذلك؟