ذكرى وفاة جلالة المغفور له محمد الخامس.. مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلها محرر الأمة من أجل الحرية والاستقلال    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    في تناقض فاضح مع تصريحاته.. تبون يأمر باستيراد أضاحي العيد    إدارة السجن المحلي ببني ملال تنفي ما تم تداوله حول وفاة سجين مصاب بمرض معدي    توقيف شاب بحوزته 600 قرص مخدر بمحطة القطار بطنجة    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    200 مباراة في الليغا.. فالفيردي يعزز أرقامه مع ريال مدريد    134 ‬حكمًا ‬في ‬غسل ‬الأموال ‬أبرز ‬معطيات ‬النيابة ‬العامة    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    الأمطار الأخيرة تنعش حقينة سدود المملكة    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    كل «التَّلْفات» تؤدي إلى روما: عندما يسعى نظام الجزائر إلى لعب ورقة إيطاليا في خصوماته مع الشركاء الأوروبيين!    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    المغاربة مطالبون بتغليب مصالح وطنهم في مواجهة الحملات المغرضة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    التطوع من أجل نشر القراءة.. حملة ينظمها حزب الاستقلال بالقصر الكبير    تعليق الدراسة في عدد من الأقاليم المغربية بسبب الأحوال الجوية    وفد إسرائيلي يتوجه الى الدوحة الإثنين لمباحثات بشأن الهدنة في غزة    كندا.. المصرفي السابق مارك كارني سيخلف جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء    الحوار السياسي في موريتانيا خطوة نحو التوافق أم مناورة لاحتواء المعارضة    المرأة المغربية في عيدها العالمي وقفة سريعة مع سنة 2024    كيوسك الإثنين | انخفاض معدل الاعتقال الاحتياطي ب 37,56 % عند متم 2023    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    ساكنة تجزئة العالية بالجديدة يحتجون من جديد على مشروع بناء حمام وسط حيهم    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    رجاء القاسمي.. الخبرة السينوتقنية بلمسة نسائية في ميناء طنجة المدينة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    مبعوث أمريكي يدّعي أن حماس اقترحت هدنة من 5 إلى 10 أعوام بغزة    نهضة بركان تفوز بثنائية في تطوان    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    الشركة متعددة الخدمات الدار البيضاء سطات.. جهود مكثفة لتفادي تجمعات مياه الأمطار وتيسير حركة المرور    جثة امرأة تنتظر التشريح في سطات    أسعار الخضر والفواكه تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسواق سوس ماسة والمواطنون يطالبون بتدخل السلطات    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    التساقطات المطرية تساهم في الرفع من حقينة سدود المملكة    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    سوريا تحقق في "المجازر المروعة"    السمنة .. وباء عالمي    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    ملاعب للقرب تفتح أبوابها للشباب بمقاطعة سيدي البرنوصي    عبد الوهاب الدكالي ل "أكورا": نعيمة سميح فنانة استثنائية-فيديو-    حقيقة الأخبار المتداولة حول خطورة لحوم الأغنام على صحة المغاربة..    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    أفضل النصائح لخسارة الوزن    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة : شاهِدتانِ على قبرِ «تزممارت»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 01 - 2016

يُحكى أنّ حمامةً وكلبةً التَقَتَا في معتقلٍ (=تزممارت) في المغربِ الأقصى. وقد عاشَتَا هنالك رَدْحاً من الزّمن، عَرَفَتَا فيه أحد الأوجه الأكثر مقتاً وخبثا لبني البشر.. رَأَتَا كيف قَتَلَ أبناء آدم وحوّاء، إخوانهم في الدّينِ، وفي الوطنِ، وفي الإنسانيةِ بغيرِ حقٍّ، وبطرقٍ مقيتة.
بعد حينٍ من الدّهر، وفي عالمٍ غير العالمِ الذي يعيشُ فيه الحيوانُ الإنسانيُّ بمعيةِ باقي الحيوانات الأخرى، التقت الحمامةُ بالكلبةِ، فدار الحوارُ التّالي بينهما.
تقولُ الحمامةُ للكلبةِ، وقد صوّبت عينيها ناحيةِ الأخيرة؛ «هِلْدَا» هل تذكرتِني أم نسيتِ؟ أنا الحمامةُ التي جِئتكِ يوم كنتِ مسجونةً بذلك المعتقل، ذالك المكان الذي حُبس فيه نفرٌ من البشر.. أنا التي حكيتِ لي معاناتكِ ومعاناةِ السّجناء.
«هِلدا» هل تذكرتِني أم نسيتِ؟
تنظرُ الكلبةُ إلى الحمامةِ ملياَّ، وعلى وجهِهَا ارتسمت دهشةٌ وحُزنٌ؛ دهشةٌ للقاءِ صّديقٍ قديم، وحزنٌ لتذكرِ ماضٍ حزين. ماضٍ عرفت فيه شَنَاءة، وخُبث، ودَنَاءة بني البشر. ماضٍ رَأَت فيهِ كيف يرمي الآدميُّ بأخيهِ الآدميِّ في الحُفَرِ حياًّ، وكيف يُنكِّل به تنكيلا.. آدميٌّ يقتل بدمٍ باردٍ، ويَتَفَنَّن في تعذيبِ أخيه الآدمي..
تستمرُّ الكلبةُ في النَّظرِ دون أن تَنْبِسَ ببنتِ شفة. تَخطو الحمامةُ خطوتينِ نحو صديقتها القديمة، وتقول: «هِلدا».. هل تذكرين عَشيةَ حفرتِ في ساحةِ المعتقلِ، فوجدتِ عظاماً بشرية؟
هل تذكرين كيف كانت الهياكلُ العظمية مرميةً؟ وكيف كانت ملقاةً على بعضها البعض كأنها متلاشياتٌ فُرغ من استعمالها؟
هل تذكرتِ كيف بكيتِ لحالِ الذين دُفنوا وحال الذين على وشك أن يُدفنوا؟
هل تذكرين السّجناء النّصف الأحياء؟ هل تذكرين تأوههم، صراخهم، نحيبهم...؟
وهل تذكرين صباح دخلتُ عليهم، وعدتُ إليكِ مفزوعةً، مرتعبةً، من شدةِ اندهاشي للصورةِ التي غدا عليها الأسرى؟
لقد قلقنا لحالهم يومئذٍ، وخفنا عليهم من موتٍ مرتقبٍ. آهٍ، لقد كان الموت يمثلهم لهم ساعتئذٍ رحمةً وخلاصاً من عذابٍ شديدٍ مقيتٍ، وأعلمُ أنه لولا ثقتهم بربهم، وقوة عزيمتهم، لسلموا روحهم لبارئها دون تردّد.
«هلدا» تذكرين..؟ بربّكِ قولي.. ما بكِ لا تجيبين!!؟ قولي لي أيةُ ملةٍ وأيُّ دين لهؤلاء؟ أولم يقل لهم ربُّ العالمين «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»؟
هل تعلمين «هلدا» أني رأيتُ الذين عَذَّبوا الأسرى ورموهم في الحفرِ يتقدمون الصفوف للصلاة!!؟ أتصدقين!!؟ لقد كانوا خاشعين!!؟ أيّةُ صلاةٍ وأيُّ خشوعٍ لهؤلاءِ الظّالمين الجائرين؟
هل تذكرين أني وجدتُ فيهم المشلولَ، والمكلولَ، والمريضَ..؟ لم يكونوا يشبهون الإنسان الذي عرفناه وعشنا معه. كان الواحدُ منهم يُقَفْقِفُ من شدةِ الزّمهرير، تُسمع أسنانُهُ وهي تَصْطَك من شدّة البردِ، والآخر يمشي معقوفاً من طولِ حبسهِ في الغار... لقد كانوا جِيّاع، مهلوكين، كانوا عن عبارة عن هياكلٍ عظمية.
«هلدا» فلتنظري إليّ.. بربكّ أجيبيني، وقولي لي ماذا في نظركِ فعلوا حتى فُعل بهم ما فُعل؟ قولي لي كيف يَستخلف ربُّ العالمين البشر في الأرض ويفعلون ما فعلوا؟ ألم يجعل في قلوبهم رحمة؟ وأين رحمته من كلِّ هذا؟ ما السرُّ وما الحكمة في غيابِ رحمته عن الأسرى المهلوكين؟ ماذا في نظركِ الآنَ فعلوا؟ هل إلى عائلاتهم عادوا؟ هل سَلِموا؟ هل من ذلك الجحيم رُحِّلوا؟ هل قُتلوا؟ بربك قولي لي ماذا فعلوا؟
تستمر الكلبة «هلدا» في السُّكات.. تَهْرِش بقائما الخلفيِّ تحت أدنها اليسرى، وتستدير جانبا، تاركة الحمامة على يمينها. تسقُطُ دمعتان من عينيها.. تقول للحمامةِ بعد صمتها الطّويل: نعم، نعم يا فرج، أتذكر كل لحظةٍ قضيتها في ذالك الجحيم..
أتذكر الوجوه المقيتة، الخبيثة...
أتذكر وجوه الذين كانوا في النعيم يبيتون، وأتذكر وجوه الذين كانوا من الحيفِ، والقهرِ، والعذابِ يعانون.
ثم أردفت الكلبة بعد هنيهة من السّكوت: أتعلمين يا فرج، أتمنى إن بُعثت روحي في جسدٍ بشريٍّ، أن لا تُبعث مع أولئكَ الذين عرفتهم في ذلك البلد، فلتُبعث روحي في أي منطقةٍ من الكون، إلا تلك المنطقة.
فردت الحمامة مجيبةً: لا يا «هلدا» فلتُبعث روحك في تلك الأرض، وقُصِّ عليهم الحكايةَ، قولي لهم، إنه في زمنٍ مضى، قُتل على أرضكم أناس عديدون، ذنبهم الوحيد أن القدر ساقهم للدفاع عن الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.