بحضور جمع من الأصدقاء والفنانين والإعلاميين والكتاب، افتتح الفنان المراكشي يوسف حيمد معرضه التشكيلي الجديد المُقام بفضاء المسرح الملكي بالمدينة الحمراء في الأسبوعين الاخيرين من شهر دجنبر الماضي.. المعرض الذي اختار له الفنان يوسف حيمد شعار «ذاكرة مُلهمة»، مثلت لوحاتُه فقرات متكاملة من عمل خصب يجمع ما بين خيال الفنان و ذاكرته. حيث استجمع مخزون هذه الذاكرة التي تجاوزت البعد الفردي المرتبط بذات الفنان إلى مستوى جماعي، فاتحا مجالا لتحقق إيحاءاته عبر تشكيل لوني، لاستدعاء وجوه وبصمات أنثروبولوجية وتشكلات معمارية لها حضور رمزي في هذه الذاكرة. انصرف خيال الفنان بشكل أقوى في هذا المعرض، في مجهود استرجاعي، إلى استحضار رمزية المرأة في الذاكرة المغربية والفضاءات المرتبطة بها: الوجوه الموشومة، اللباس الأمازيغي التقليدي، الرقصات، توقيعات لرمزية العلاقة بالرجل في ظل سطوة الهيمنة الذكورية، الاحتفالات .. الزنوجة شكلت بدورها مجالا لاستقطاب الاهتمام التشكيلي لهذا المعرض. حيث مكنت بعض اللوحات من التأكيد على الحضور الزنجي في الذاكرة المغربية ومساهمته في تقوية تنوع هذه الثقافة وإغنائها ، معلنا ذلك من خلال عدة مستويات كان لها حضور قوي في المجتمع المغربي. المعمار ثروة للأشكال ومحفز جمالي للحياة. ذلك ما يستنتج من خلال التوقف الذي يفرضه المعرض من خلال بعض لوحاته، عند الخزان الكبير للأشكال المعمارية التي تتراكم في ذاكرة تخلت عنها ثقافة المغاربة العصرية، دون أن تتمكن من الاستفادة من قوتها الجمالية وحيويتها القيمية. في هذا المعرض، تستوقف لوحاتُ الفنان عينَ الزائر عند عالم مفتوح خلف شباك حديدي لنوافذ كبيرة من طينة النوافذ التي كانت غرف الدور التقليدية تنفتح من خلالها على الضوء والهواء. مثلما تعيد ذاكرته إلى القوس الذي اختفى جزؤه الأهم اليوم بمدخل حي القصبة، أو في الفضاء الرحب للدور. رغم تأهيله الجامعي و ثقافته المتينة في الأدب المغربي والآداب العالمية، يصر يوسف حيمد على نعث نفسه بالفنان العصامي. اختياراته في البناء اللوني تنتصر للألوان الحارة، وتدرجاته في بناء الأشكال تنتصف في مفترق الطريق مابين الفن الساذج الذي يبدو أنه يتعامل معه باختيار واع والبناء التشخيصي، الذي يحاول من خلاله دفع بعض لوحاته إلى منح المُشاهد إحساسا جارفا بمصداقية مثول مكونات الذاكرة التي تظهر فيها، بالصيغة التي تجعل الأشكال المقترحة في اللوحات تقوم بعمل كيميائي يحول كل ما يظهر فيها إلى أحاسيس متناقضة. وفي تصريح خص به يوسف حيمَّد «الاتحاد الاشتراكي»، أكد أن معرضه هذا بالفعل يجمع بين التشخيص والتجري، وان اختياره لحرارة اللون نابع من كون حرارة المدينة الحمراء كباب للصحراء، وبالتالي لابد ان يكون هناك تفاعل في لاشعور الفنان سواء في مخياله او بعده البصري.. مؤكدا ان الرمزية والتشخيص حاضرين بقوة، مبرزا تعامله مع صورة بورتريه للشهيد المهدي بن بركة،مشددا على ان اختياره لهذا الوجه هو تأكيد على ان الفنان التشكيلي يحمل قضية، وقضية المهدي يجب ان تملأ كل الفضاءات الفنية والسياسية والاجتماعية الى ان تظهر تلك الحقيقة التي مازال البحث عنها ساريا.. وحول الوسائل المستعملة في لوحاته، أكد يوسف ان الفنان التشكيلي خاصة العصامي قد يتعامل مع اي شيء متاح له قصد ان يفجر ما في دواخله، لا يهم ان يكون الأمر قماشا او ورقا او خشبا، ولا تهم نوعية الصباغة، فالفنان الاصيل هو القادر على أن يحول اي شيء متاح له الى قطع ابداعية، شأنه شأن الملحن الذي يطوع أي كلام ليشكل من خلاله معزوفة تشنف الاسماع.. واضاف يوسف حيمَّد ان نبشه في الذاكرة جعله يستحضر كل الفضاءات والشخوص والعادات التي تميز مراكش في شتى المجالات والتي بدأ الاهمال يطالها، وان استحضارها تشكيليا هو ارتباط وتشبث بالعمق الحضاري للمدينة الحمراء.