استقبال ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة شكّل حديث الخاص والعام، وكان مثار نقاش قوي في مختلف الأوساط هذه السنة، بالنظر إلى السياقات والمستجدات التي عاشها المغرب مؤخرا ومعه باقي دول العالم، في ظل تصاعد موجة الأفعال الإرهابية آخرها ما عاشته عاصمة الأنوار باريس، وإسقاطاتها على بلجيكا والعديد من الدول الأخرى، في الوقت الذي طفا فيه على السطح وبشكل بارز الدور الذي لعبته المخابرات المغربية في إحباط العديد من السيناريوهات الإرهابية على المستوى الداخلي والخارجي وهو مكّن من تفكيك خلايا منفردة وجماعية، مما دفع إلى إصدار عدد من التهديدات لاستهداف المغرب خلال ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة وإفساد طقوس الاحتفال بها، الأمر الذي تم وعلى غرار العادة أخذه على محمل الجدّ من طرف المصالح الأمنية التي أبانت عن يقظتها في مواجهة كل الأخطار المحتملة، وتمكّنت من توفير كل الأجواء الأمنية الضرورية لكي يحتفل المغاربة بحدثهم بكامل الطمأنينة والسكينة، فانعكس ذلك على ليلة كانت استثنائية، سواء تعلق الأمر بالشقّ الاحتفالي فيها، أو بالنظر إلى حصيلتها، على اعتبار أن عدد الحالات الجنحية والجرمية التي تم تسجيلها، كانت منخفضة مقارنة بما كانت تخلّفه احتفالات سنوات خلت، وهو ما أكّد على أن الحموشي ورجاله استطاعوا ضبط عقارب الوضعية الأمنية خاصة في العاصمة الاقتصادية، التي جابت «الاتحاد الاشتراكي» شوارع وسط مدينتها وشريطها الساحلي رفقة دورية للأمن في ليلة بيضاء لتوثيق احتفالات المواطنين وطبيعة أداء وحضور الأمنيين. كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة السادسة من مساء الخميس 31 دجنبر 2015، حين استقبل رئيس الخلية الولائية للتواصل بولاية أمن الدارالبيضاء، العميد عبد الإله السعيد، بمعيّة أمنيين من نفس الخلية ممثلي مختلف المنابر الإعلامية ببهو مقر الولاية مزودا إياهم بعدد من التفاصيل وكذا التوجيهات حول الكيفية التي ستتم بها الجولة الليلية، قبل أن يدعو الجميع إلى ركوب «دوريات» وضعت رهن إشارة الإعلاميين الذين حجّوا بكثافة لتغطية الاحتفالات برأس السنة الميلادية، وهو ما أكّد مرّة أخرى أهمية اللحظة ودقّتها التي يستشعرها الجميع، بما في ذلك ممثلي مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ورقيا وإلكترونيا، الذين كان عددهم مهمّا بحجم ثقل الليلة. أمن في كل مكان قبل بدء جولة استكشاف شوارع المدينة حوالي الساعة السادسة و 45 دقيقة، كانت أفواج الأمنيين من مختلف الرتب والأسلاك والتشكيلات، قد انتشرت في كل أنحاء المدينة، عند كل ناصية وملتقى، وأمام مقرات البعثات الدبلوماسية، والمؤسسات السياحية، والدينية، والثقافية، مصحوبة بوسائل لوجستيكية وبعتاد متطور بعضه يخرج إلى شوارع المدينة لأول مرة. أمنيون بالزي المدني وآخرون بالزي الرسمي، دوريات راجلة «حذر» وغيرها، وأخرى متنقلة على متن سيارات، إلى جانب دراجات نارية لفرقة الصقور الدراجيين وعناصر شرطة المرور، وآخرون على متن دراجات رباعية العجلات «لكواد» والخيّالة، وغيرهم، الكلّ مجند للمساهمة في ضمان الأمن واستتبابه، إذ بلغ عدد الموارد البشرية التي تمت تعبئتها حوالي 35 ألف ما بين رجال الأمن، وعناصر الحرس الترابي وأعوان السلطة والوقاية المدنية، وحده العنصر النسوي الذي كان حضوره استثنائيا هذه السنة وبأعداد قليلة لم تكن بادية للعيان على غرار السنة السابقة؟ الحضور القوي للأمن في صيغة المذكر، كان لافتا للانتباه فالصدريات تشعّ في كل مكان وأنوار الدوريات تعلن قدومها عبر مسافات، هذا ما وقفنا عليه ونحن نغادر مقر ولاية الأمن عبر شارع الزرقطوني، فمصطفى المعاني، ورحال المسكيني ثم العودة إلى شارع للا الياقوت، والجيش الملكي ومحج الحسن الثاني، ومختلف الشوارع التي ونحن نجتازها هي ومداراتها كنا نعاين ألوانا شتى من الأمنيين، وبالموازاة كنا نترقب خبرا هنا وهناك يعيد إلى الأذهان سيناريوهات/أحداث كانت مضامينها في عهد سابق لصيقة بمثل هذا النوع من الليالي، لكنه ترقب طال انتظاره، فكنا نكتفي بالمعاينة البصرية لما يقع في الشارع العام، مادام حتى جهاز اللاسلكي الذي كان في الليالي السالفة المذكورة يكسّر نوعا من الرتابة من خلال تقاطر برقياته، كان حكرا على الضابط الذي رافقنا انسجاما والتعليمات على ما بدا، والذي كان يتتبع تفاصيله عبر سماعة موضوعة على أذنه تمنحه الحق الحصري في المعلومة! كومندوهات وتقنيات لمواجهة الإرهاب ليلة رأس السنة الميلادية كانت مناسبة لبعض الشركات للاستثمار في الجانب الأمني، وذلك بعد أن نبّهت لجنة تقنية مختلطة جابت الوحدات الفندقية والمؤسسات السياحية والفضاءات الترفيهية قبل أيام إلى ضرورة التقيّد بالضوابط الأمنية، بما فيها التوفر على بوابات إلكترونية وهو ما لم يكن متوفرا في عدد منها الأمر الذي كان سيحول دون السماح لها بفتح أبوابها، وهذا ما دفع إلى الاستعانة بخدمات بعض هذه الشركات المختصة التي وضعت البوابات المذكورة رهن إشارة الوحدات المعنية. بالمقابل أمّنت المصالح الأمنية مؤسسات فندقية بعينها وفضاءات ترفيهية معيّنة بكومندوهات خاصة استقدمت عناصرها من العاصمة الرباط، وفقا لمصادر الجريدة، التي كان حضورها لافتا على المستوى الكمّي والكيفي، والتي كانت تبدو مؤهلة لمواجهة كل أشكال المخاطر والانفلاتات التي قد تقع، وهو مامنح جرعة أكبر من الطمأنينة ورفع من منسوب الإحساس بالأمن عند العامّة والخاصّة. إلى جانب ذلك انتشرت وحدات الأمن بالكلاب المدرّبة في عدد من الفضاءات كما هو الحال بالنسبة لمحطة القطار الميناء، إلى جانب عناصر أخرى، ووحدة التدخل وتفريق المتظاهرين بالمياه، وهو الحضور الذي استقطب اهتمام الإعلاميين الذين ورغم وجود دورية الأمن التي تصاحبهم، اعترض حال سبيلهم في البداية من طرف حارس للأمن الخاص وأحد الأشخاص الذي قدّم نفسه على أنه مسؤول في مكتب «الخليع» الذي لم يرقه توثيق اللحظة بالصورة! الحياة في أبسط صورها ونحن نجتاز المحاور المطلّة على ممر الأمير مولاي عبد الله والأزقة المجاورة له، عاينا كيف أن هذه المنطقة كانت تعجّ بالحياة من خلال الحركة التجارية ومختلف أنواع السلع المعروضة للبيع، والتي كان يقبل عليها المواطنون، شأنها في ذلك شأن الألعاب والهدايا، والتقاط الصور مع «بابا نويل» الذي كان يغري الأطفال ببراءتهم وعفويتهم في الارتماء في أحضانه والتقاط صور تذكارية له. الوضع في هذه النقطة لم يختلف عن مثيله في ساحة ماريشال المقابلة لفندق حياة ريجنسي، إذ كانت حشود بشرية عديدة تؤثث الفضاء، ما بين منتظر لقاطرات «الترامواي»، وجالس متأمل في أشكال الاحتفال التي أغرت أسرا بكاملها بالمتابعة، تحت حضور قوي للأمن من خلال وحدات خاصة، تتابع أعين عناصرها عائلات بصغارها وكبارها، وتترصد تفاصيل كل المتواجدين فرادى وجماعات، أصدقاء، جيران، زملاء، أشخاص يعيشون علاقات، وكل من اتخذ من الساحة وجهة ومستقرا، مادام الكل قد ضرب موعدا فيها تلك الليلة من أجل الفرح، الذي تجسّد على محيّا الجميع وهم يلتقطون الصور التذكارية، بين بهلوانات لشخصيات كرتونية، في حين انتشر هنا وهناك باعة للذرة «البوب كورن»، ولفناجين «القهوة» والألعاب والهدايا، والمناديل الورقية، وبطاقات الاتصال الهاتفية، وغيرها. هي لوحة جماعية للمرح والغبطة، وللتنقل بمنتهى الأريحية، ساهم في تشكيل تفاصيلها الجميع كل من موقعه، مواطنين وأمنيين، وزاد من ألقها شباب اختاروا أن يطربوا أنفسهم وغيرهم، بأهازيج ورقصات شعبية، فكان أن شكّلت الساحة الشهيرة عنوانا للحياة في أبسط صورها. ضرب وجرح، سرقة، شذوذ جنسي ونصب كان علينا الانتظار إلى غاية الثامنة و 45 دقيقة ليصلنا خبر تدخل أمني من عناصر فرقة الشرطة السياحية التي أوقفت 4 أشخاص متلبسين بالاتجار وحيازة المخدرات، وفقا لما أوضحه عميد الشرطة الممتاز، عبد الحميد عاصم، رئيس فرقة الشرطة السياحية، الذي أفاد بأن المعنيين كان مبحوثا عنهم بتهمة تكوين عصابة إجرامية في ترويج المخدرات والسرقة، مضيفا أنهم من ذوي السوابق، حيث تم عرض المحجوز الذي هو عبارة عن 4 قطع من مخدر الشيرا، إضافة إلى مبلغ 700 درهم، وهو ما يفيد أنه تم تصريف كمية معينة من المخدرات، وشدّد ذات المتحدث على أن عملية الإيقاف سبقتها حملات تطهيرية سابقة، الهدف منها محاربة كل أشكال الجريمة، إذ لايقف الحضور الأمني على مناسبة مثل رأس السنة الميلادية، وإن كانت وتيرة العمل تعرف ارتفاعا من أجل مرور الاحتفالات بشكل عادٍ دون أن تشوبها شوائب. حادث تلته حوادث أخرى اندرجت ضمن خانة الحوادث «المتعايش معها»، من بينها حادث للضرب والجرح على مستوى زنقة الأمير مولاي عبد الله، وسرقة هاتف نقال حوالي الساعة العاشرة والربع ليلا على مقربة من المركب التجاري «موروكو مول» وإن ظل أحد الموقوفين ينفي التهمة ويدعي أنه جلب الهاتف من اللص بهدف تمكين الفتاة/الضحية من استرداده؟ بعدها وحوالي الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، تم «تعميم» برقية عبر أجهزة الأمن اللاسلكية التي أفادت بتمكن عناصر فرقة الصقور الدراجيين من ضبط عصابة متخصصة في استدراج ضحاياها بواسطة شاذ جنسي، على مستوى أرجاء حديقة الجامعة العربية «كازابلانكيز». تدخل أمني جاء بعد أن تمّ «التغرير بالمعتدى عليه» من طرف شاذ، فلبى الضحية دعوته وولج معه الأماكن المظلمة الخلفية لحديقة الجامعة العربية لكي يقضي وطره منه، وفقا لتصريحات أمنية، وهناك تم سلبه هاتفه النقال ومبلغ مالي قدّر في 700 درهم، وكان من الممكن أن تتطور الأمور إلى ما لاتحمد عقباه، لولا تدخل عناصر الصقور، التي تمكّنت من توقيف الشاذ وشريك له مع استقدام الضحية، إلى مقر فرقة الشرطة السياحية 2 بمحج الحسن الثاني، في حين لاذ 4 شركاء بالفرار، هذا في الوقت الذي ظل الموقوف الثاني يتشبث بكونه «حوّاتا» ولا صلة له بأي شبكة! حادث آخر عرفه الشريط الساحلي لاكورنيش، بعد أن تجاوزت عقارب الساعة منتصف الليل بنصف ساعة، ليكون بذلك أول حادث للسرقة في سنة 2016 بالدارالبيضاء، والذي طال سائحة هولندية، وفقا لتصريحها، التي أكدت أنها تعرّضت لسرقة هاتفها النقال من طرف لصوص لاذوا بالفرار بعد إقدامهم على جرمهم. وفي الوقت الذي كان يتم فيه الاستماع إليها، دون تقديم التوضيحات الكافية لنا من طرف المسؤولين الأمنيين بمخفر الشرطة السياحية الصغير المجاور لأحد المسابح الخاصة، وبعيدا عن الشريط الساحلي، عربد 5 أشخاص بشارع للا الياقوت بوسط المدينة، وذلك بعد أن فعلت الخمر فعلها فيهم، فتم إيقافهم من طرف العناصر الأمنية التي كانت متواجدة هناك. مباشرة بعد الحادثين المذكورين عادت الأضواء لتسلّط على الشريط الساحلي، وذلك بعد تداول خبر كان وقعه قويّا في ظل «الرتابة» التي طبعت الفعل الجرمي ليلة رأس السنة، والذي أفاد، بشكل غير رسمي، بإيقاف شخص وبحوزته مسدس داخل غشاء بلاستيكيا؟ خبر استثنائي استرعى بانتباه جميع من كانوا يقومون بالتغطية الإعلامية للمناسبة، وذلك حوالي الساعة الواحدة من صباح يومه الجمعة، قبل أن يتبيّن أن الأمر يتعلق بشخص من ذوي السوابق العدلية يبلغ من العمر 26 سنة ويقطن بأحد الدواوير المجاورة للشريط الساحلي «لاكورنيش»، والذي أثار تواجده في أحد الأزقّة المظلمة ريبة عناصر فرقة الصقور الدراجيين التي عملت على إيقافه، وأثناء عملية الجسّ الوقائي، تم الوقوف على توفره على مسدس وأصفاد بلاستيكية وكذا سكين، وهو ما رجّح فرضية سعي الموقوف للتربص بزبناء محتملين أثناء مغادرتهم لبعض الحانات والملاهي وهم في حالة سكر من أجل النصب عليهم وسلبهم ما بحوزتهم، فتم إحباط مخططه وجرى نقله من طرف عناصر فرقة الشرطة القضائية إلى مقر ولاية أمن الدارالبيضاء للاستماع إليه. ثم تواصلت أخبار بعض الحوادث هنا وهناك، كما هو الحال بالنسبة لإقدام 3 أشخاص على اعتراض سبيل المواطنين بساحة النصر، الذين جرى إيقافهم، إضافة إلى عربدة شخص في وضعية غير طبيعية بتقاطع زنقة ابن الحكم وبوركون، الذي لاذ بالفرار قبل أن يتم إيقافه من طرف القوات الأمنية التي حجّت إلى مكان الحادث بكثافة، وغيرها من الحوادث الأخرى التي ظلت خفيفة بالنظر إلى ماكانت تعيشه شوارع البيضاء في احداث سابقة مماثلة. نزوح من وسط المدينة إلى الكورنيش رغم حضور المواطنين من مختلف الأعمار ومن الجنسين بساحات وشوارع وسط المدينة إلا أن الإقبال كان أقلّ من المعتاد، هذا في الوقت الذي فضّلت عدد من الحانات إقفال أبوابها وعدم الاشتغال وهو ماكان لافتا للانتباه، بالمقابل لفظت أخرى روادها في الساعة الحادية عشرة ليلا، مما جعلهم يتخذون وجهة أخرى تتمثل في حانات وملاهي كورنيش عين الذئاب لإتمام ماتبقى من السهرة، وهو الأمر الذي لم يكن متاحا للجميع بعد أن رفضت عدد منها استقبالهم إما لكونها امتلأت عن آخرها، أو بفعل عملية الانتقاء التي اعتمدتها والسماح لولوج فضاءاتها بمنطق الأفضلية. نزوح وإن كان مهمّا من الناحية البشرية إلا انه لم يؤثر في انسيابية المرور التي سهرت عناصر الأمن المختصة في المجال على ضمان حركيتها بشكل سلس، هذا في الوقت الذي أكّد فيه أمنيون أن أعداد المواطنين التي حجّت إلى الشريط الساحلي تظل عادية مقارنة بأيام قليلة سابقة، وهو مايعني أن جو الحذر والرهانات الأمنية المرتبطة بسلامة الأشخاص وممتلكاتهم كانت حاسمة في قضاء ليلة رأس السنة خارج أسوار البيوت من عدمه ، لكن ورغم هذه «القلّة» جاب أعوان السلطة الذين كان حضورهم هم أيضا لافتا للانتباه خلال تلك الليلة بصدريات وشارات تميزهم عن غيرهم، مختلف المحلات التجارية لمطالبتها بإغلاق أبوابها انطلاقا من منتصف الليل، وذلك من اجل التخفيف من حدّة أي ضغط محتمل على المنطقة قد يساهم في استمراره تقديمهم للخدمات المختلفة. مستعجلات بطعم الدم أقسام المستعجلات خلال ليلة رأس السنة كانت هي الأخرى مستعدة للتعامل مع الحالات التي قد ترد عليها، وإذا كان أحد المستخدمين بمستعجلات ابن رشد قد نفى أن يكون هناك أي ضحية للضرب والجرح وقت زيارتنا لها في الثانية من صباح الجمعة فاتح يناير 2016، مقابل وجود ضغط لمواطنين مرضى وضحية لحادث سير، فإن مستعجلات مستشفى 20 غشت استقبلت ضحية اعتداء دموي قدم من حي الأزهر بمنطقة البرنوصي، بعدما تسبب له أحد اللصوص، وفقا لتصريحه، في الإصابة بجرح غائر على مستوى الوجه، كما استقبلت ذات المصلحة قبله حالة أكثر خطورة لشخص كان في جلسة خمرية ببرشيد تطورت تفاصيلها إلى اعتداء دموي نتيجة لنحره بعدما رفض الاعتداء على كلب له، وهي الحالة التي تطلبت تعاملا خاصا من طرف الطاقم الطبي الذي تجنّد لإنقاذ الضحية وتقديم العلاجات الضرورية له. وإلى جانب الحالتين سُجّلت كذلك حالة شخص كان في وضعية سكر طافح والذي كان مصابا إصابات متعددة في الوجه خاصة على مستوى الجبين والشفة العليا، الذي لم يستطع أن يميز إن كان ما تعرض له هو نتيجة اعتداء من أجل السرقة أو حادثة سير فردية، لم يتم تسجيلها من طرف المصالح الأمنية؟ بدورها استقبلت مستعجلات مستشفى بوافي بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان ما بين الساعة الثامنة من ليلة الخميس وإلى غاية الثامنة من صباح الجمعة، حوالي 100 حالة، ضمنها 20 حالة هم من ضحايا حوادث للسير، خاصة الحادثة التي وقت على مستوى تقاطع شارع الفداء وشارع 2 مارس نتيجة لعدم تحكم سائق سيارة في سيارته واصطدامه بحاوية للنفايات مما أدى بخمس سيارات أخرى إلى الاصطدام به بدورهم. وإلى جانب ذلك تقاطر على المستشفى 10 أشخاص أصيبوا في حوادث للضرب والجرح، تفاوتت حدّتها، نتيجة لحالة السكر التي رافقت أجواء الاحتفالات والتي تطورت إلى مواجهات، في حين توزعت باقي الحالات التي تقدّر بحوالي 70 حالة كلّها كانت مرضية، بين مصابين بأزمات على مستوى التنفس لكون المعنيين يعانون من مرض الربو، أو بفعل آلام على مستوى الجهاز الهضمي وكذا اللوزتين وغيرها. أما على مستوى منطقة الحي الحسني فقد تسببت الجلسات الخمرية التي رافقت طقوس الاحتفالات وحالات العربدة التي تلتها نتيجة لدوافع متعددة، في توجه 25 مصابا بضربات بالأسلحة البيضاء، إلى مستعجلات مستشفى الحسني من أجل تلقي الإسعافات/العلاجات، وكان لافتا للانتباه أن المعنيين بالأمر هم من الشباب الذين يتراوح سنهم ما بين 17 و 25 سنة، وهي الشريحة العمرية التي مايزال يصرّ بعض الشبان المصنّفين ضمنها على إدمان الخمور والمخدرات، والتسبب في حماقات متعددة، تتطور إلى جنح وجرائم يعاقب عليها القانون لأنها تمس بالسلامة الجسدية للأشخاص والممتلكات. شرود، فقر، وأشياء أخرى اليقظة الأمنية التي سجلت على مستوى الدارالبيضاء لم تحل دون وقوع حالات للشرود، إذ كان لافتا للانتباه استمرار توافد عربات ثلاثية العجلات على الشريط الساحلي من طريق أزمور قادمة إليه من مناطق سيدي الخدير، الوفاق والأحياء المجاورة، وهي الدراجات المسيّجة التي كانت بدون ترقيم ولا أنوار المفتقدة لكل معايير السلامة، والمتجولة في الشارع العام في كل مكان بما فيها الاتجاهات الممنوع فيها السير، ومع ذلك عاينت «الاتحاد الاشتراكي» حركية منتظمة لها بكيفية عادية دون أن يسجّل في حقها أي تدخل؟ من جهة أخرى لم تفلح مظاهر الاحتفال والبذخ التي كان يعيشها البعض ومساحيق التجميل المختلفة التي وضعت على شفاه المدينة من إخفاء عناوين للبؤس والحرمان، التي تجسّدت في متسولين من مختلف الأعمار، باشر بعضهم تسوّلا مباشرا وآخرون كانوا يمدّون أيديهم تحت مبّرر بيع الورود والمناديل الورقية، وهي المظاهر التي بيّنت حجم حاجة البعض ممن خرجوا للشارع بهدف البحث عن دراهم معدودة تحت جنح الليل ووسط موجة البرد، ومن بينهم فتاة صغيرة كانت مصحوبة بطفلة معاقة على متن كرسي متحرك على مستوى تقاطع طريق أزمور والشارع المؤدي إلى الكورنيش الذي يجتازه الترامواي والذي يحتضن محطته النهائية، في مشهد كان مبعثا على الأسى والألم. التغطية الإعلامية التي تفاني في القيام بها عدد من ممثلي وسائل الإعلام، وخارج الضوابط الأخلاقية والأعراف المهنية، وبعيدا كذلك عن التوجيهات الأمنية التي كانت حاضرة قبل انطلاق الجولة، لم تسلم من بعض الممارسات التي سعى أصحابها إلى تصيّد وجوه الموقوفين، والمشتبه فيهم الذين كان يتم تنقيطهم، بل وحتى المتوقفين في حاجز السدّ القضائي وغيره، في إطار المراقبة الروتينية، وتوثيق هذه المراحل/الحالات بالصورة والصوت، وهو ما يعتبر انتهاكا لحرية شخصية، خاصة حين يتم عرض صور المعنيين بالأمر دون إخفاء ملامحهم، وهو السلوك الذي ظل حاضرا رغم الملاحظات التي عبّرنا عليها في حينه في إطار النصيحة المتبادلة بين زملاء يتقاسمون همّ مهنة المتاعب، لكن تم تجاهلها من طرف البعض مما كاد في لحظة من اللحظات أن يتسبب في أحداث بتداعيات ليست بالهيّنة، كما هو الشأن لحالة اعتداء أحد الزملاء حين ظل مصرا على تصوير مرافق له اشتكى الاعتداء عليه من خلال رميه بحجر من طرف مجموعة أشخاص مما تسبب له في جرح على مستوى الأذن، وذلك بدافع السرقة، حسب تصريحه، وهو الاعتداء الذي تم رفضه مع الحيلولة دون دخول الطرفين في شجار بينهما! تفرّق آمن ظل الحضور الأمني متواصلا طيلة ليلة الاحتفال برأس السنة الميلادية، واستمر إلى بزوغ شمس الجمعة، بعد أن أقفلت الحانات والملاهي أبوابها، وغادر الكل الفضاءات التي احتضنته في اتجاه بيته ليخلد إلى الراحة، معلنا عن توديع سنة واستقبال أخرى، في ليلة كانت حافلة للبعض بطقوس الاحتفال، بينما حضر عند البعض الآخر همّ وهاجس تأدية الواجب والاشتغال، كل من موقعه وباختلاف درجات مسؤوليته. استقبال ليوم وعام جديدين كان بطعم الارتياح والنجاح، بعد أن طويت ليلة رأس السنة ومعها صفحة 2015 بشكل آمن، حقّق فيها الحموشي ورجاله، الهدف المأمول والمبتغى المنشود والمتمثل في الحفاظ على أمن المواطنات والمواطنين وسلامة الممتلكات الخاصة والعامة، وهو الرهان الذي كانوا جميعا أهل لتحقيقه، بالنظر إلى الإمكانيات البشرية والمادية، التي تم تسخيرها، والتي كانت كلفتها مرتفعة وليست بالهيّنة بل ذلت ثقل اقتصادي مهم، التي تطلبت توفيرها ليلة استثنائية.