« نسبة النمو المستهدفة في القانون المالي تسائل في العمق الاختيارات الاقتصادية المنتهجة طوال الأربع سنوات الماضية ومدى قدرتها على التأثير بشكل إيجابي في النموذج الاقتصادي الوطني وحجم مفعولها في تقليص الهشاشة البنيوية للاقتصاد الوطني» ..جاء هذا التعليق في سياق مذكرة الوسيط من أجل الديمقراطية و حقوق الإنسان بشأن القانون المالي 2016 .. وأضافت المذكرة أن نسبة النمو المستهدفة ستظل أقل من النسبة المسطرة في البرنامج الحكومي ، والذي سبق وأن حدد تحقيق نسبة 5.5 % في أفق 2016 ، مع العلم أن مظاهر العجز الاقتصادية والاجتماعية المسجلة في مجالات متعددة تحتاج إلى تسريع وتيرة النمو الاقتصادي المنتج لفرص الشغل ... واعتبر الوسيط هذه السنة بأنها سنة انتخابية حاسمة خلال هذه الولاية الحكومية مما يستلزم مجهودا مضاعفا وإراديا من طرف فريق بنكيران من أجل الوفاء أولا بالالتزامات التي تعهدت بشأنها منذ سنة 2012 ، وثانيا من أجل التحكم في حجم التردد و غياب الأفق المتصل على الخصوص بالسنوات الانتخابية التي تحتاج استثمارا في الثقة حتى لا يتوقف إيقاع النمو الاقتصادي بسبب التحضير للانتخابات ... توقعات الوسيط فيما يتعلق بالشق الاقتصادي تشابهها في تقدير قراءته للسياسات الاجتماعية .. وفي هذا الصدد، يسجل الوسيط ضعف المناصب المالية المخصصة للقطاعات الاجتماعية خلال السنة المالية 2016 والتي لا تمثل أكثر من 40 % من مجموع المناصب المحدثة، وهو الأمر الذي يطرح إشكالات حقيقية ترتبط بتغطية العجز المسجل على مستوى الموارد البشرية بالقطاعات الاجتماعية ذات الارتباط المباشر بالمواطن ومعيشه اليومي ...ورصد الوسيط في هذا الإطار عدم إدراج الحكومة لمسألة التشغيل كأولوية محورية و مهيكلة للقانون المالي سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو تحفيز الإدماج المهني للشباب في القطاع الخاص رغم المؤشرات المقلقة لنسبة البطالة التي بلغت 9.9 % عوض 8.9 %سنة 2011، مما يتطلب من الحكومة مجهودا مضاعفا من أجل استيعاب الوافدين الجدد على سوق الشغل وتقليص الهشاشة وإعمال مفهوم العمل اللائق .. وسجل الوسيط – ضمن مذكرته – غياب المقاربة الشاملة في تنزيل الإصلاحات الهيكلية والتي من أهم مؤشراتها ما يحمله النظام الضريبي الذي لم تتغير توازناته الرئيسية رغم ما حملته المناظرة الوطنية حول الجبايات من إصلاحات منذ ثلاث سنوات لم تعرف طريقها إلى التفعيل.. إذ ظل تمويل السياسات العامة حكرا على بعض الفئات والقطاعات دون أخرى ليستمر مع هذا النهج غياب العدالة الضريبية بين الفاعلين الاجتماعيين و الاقتصاديين ..نفس الإسقاط سجله الوسيط على إصلاح صندوق المقاصة الذي لم يحقق العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات وخاصة في الشق المتعلق بتحمل تكلفة الإصلاح والذي لم يدرج – حسب تقدير الوسيط – ضمن إصلاح شامل للسياسات العمومية الاجتماعية ... الوسيط سجل في ختام مذكرته التأخر الملموس على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد مما يرفع من المخاطر المحدقة بالمالية العمومية ويهدد في العمق استدامة المالية العمومية وضمان الحقوق الأساسية للموظفين والأجراء... وتبعا لما رصده الوسيط كإطار حقوقي مختص في تتبع وتقييم السياسات العمومية، فإن القانون المالي لسنة 2016 لم ينح في اتجاه إقرار إجراءات عملية تساعد على توسيع قاعدة المساهمين في أنظمة التقاعد بما يحقق حدا أدنى من الحماية الاجتماعية ويحصن القدرة الشرائية لعموم الأجراء ... الوسيط وفي تقييمه للرقابة البرلمانية على عمل الحكومة، وبالرغم من المقتضيات الدستورية ذات الصلة أو تلك المتعلقة بالقانون التنظيمي للقانون المالي في صيغته الجديدة، فإن دور البرلمان لايزال يعرف قصورا على عدة مستويات أهمها مواصلة إشهار الحكومة للفصل 77 من الدستور المتعلق بالحفاظ على التوازن المالي مما يقلص إمكانيات تعديل مواد مشروع قانون المالية، وهو ما تبين من خلال حصيلة التصويت على مشروع القانون المالي في مجلس النواب حيث رفضت الحكومة أكثر من 100 تعديل من بين 240 تعديل. واكتفت في الأخير بقبول 51 تعديلا مقابل سحب باقي التعديلات، وهو ما يكشف انفراد السلطة التنفيذية بمهمة حفظ التوازن المالي بشكل أحادي...