أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حالة الطوارئ في البلاد وفرض حظرا للتجول في العاصمة تونس، وذلك في أعقاب الضربة الإرهابية الجديدة التي خلفت عشرات بين قتلى وجرحى في تفجير استهدف حافلة تابعة للأمن الرئاسي في قلب العاصمة التونسية، ليضاف إلى سلسلة التفجيرات التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة وزادت من إرباك السلطات خاصة في ظل الائتلاف الحكومي الهش. ... أعلن معز السيناوي الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية أن التفجير خلف 12 قتيلا من عناصر الأمن الرئاسي وعلى الأقل 20 جريحا في اعتداء استهدف حافلة كانت تقلهم وسط العاصمة تونس. وقال شهود إن التفجير استهدف مقدمة الحافلة. ومازالت الأنباء متضاربة عن كيفية التفجير ما إذا كان ذلك بواسطة قنبلة تم وضعها في الحافلة، أو بإلقاء القنبلة على الحافلة من سيارة مرت بجانبها كما أفاد شهود عيان. لكن السلطات الأمنية لم تعط أي تفاصيل حول الهجوم وكيفية تنفيذه. وحدث الانفجار بالقرب من المقر السابق للتجمع الدستوري الديمقراطي (حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي)، وغير بعيد عن المقر الرئيسي لوزارة الداخلية التونسية. واللافت أن التفجير يأتي فيما كانت وزارة الداخلية قد رفعت من مستوى التأهب إلى درجة حزم2، وهي درجة متقدمة، كما يأتي في وقت أعلنت فيه الوزارة عن البحث عن شخص يعتقد أن بحوزته حزاما ناسفا. وقال محللون إن الهجوم يحمل رسالة مزدوجة واحدة للرئاسة التونسية التي سبق أن تعهدت بالقضاء على الإرهاب، والثانية إلى وزارة الداخلية التي تقود حملات أمنية واسعة لتعقب المجموعات المتشددة. واعتبر المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي أن هذه الجريمة التي وصفها بالنكراء، تُعد نقلة نوعية في نشاط المجموعات الإرهابية التي كثفت من أعمالها الإرهابية خلال الأسابيع الماضية. ووصف هذا التفجير بأنه رسالة سياسية موجهة أساسا إلى مؤسسة الرئاسة باعتبار أن المستهدف هو الأمن الرئاسي، ودعا في المقابل كافة الأطراف السياسية إلى إيلاء موضوع المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب الأولوية التي يستحقها بعيدا عن المزايدات السياسية لأنه أصبح مسألة وطنية بامتياز. وتعتزم تونس عقد مؤتمر وطني حول الإرهاب لوضع استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذه الظاهرة، لكن خلافات بين الأحزاب أجلت عقد هذا المؤتمر مرارا. وكانت تونس أحبطت منذ أيام هجوما بعد إلقائها القبض على أحد المنتمين إلى داعش كان يعتزم تنفيذ هجوم في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة الذي يضم مبنى السفارة الفرنسية ومقر وزارة الداخلية ومحلات تجارية كبرى. وقبل ذلك قالت السلطات التونسية إنها نجحت في إحباط هجمات كانت ستستهدف مدينة سوسة الساحلية التي شهدت قبل أشهر عملية إرهابية ذهب ضحيتها العشرات من السياح غالبيتهم من الأجانب. وتقول تونس إنها تكافح ظاهرة جهادية معقدة تتداخل فيها مخططات الجهاديين ومصالح شبكات متخصصة في تهريب السلاح والأشخاص خاصة في ظل الفوضى الأمنية التي تعيشها جارتها الجنوبية ليبيا. وغالبية المسلحين الذين يقفون وراء العمليات الإرهابية التي جرت في تونس تدربوا في ليبيا، وبينهم خاصة منفذ الهجوم على أحد الفنادق في سوسة سيف الدين الرزقي، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل 38 شخصا وإصابة 39 آخرين. كما أن المسلحين اللذين نفذا الهجوم على متحف باردو في مارس الماضي، والذي خلف 21 قتيلا بينهم 17 سائحا، عبرا سرا إلى ليبيا أيضا لتلقي تدريب خلال العام الماضي. وهذا هو ثالث هجوم كبير في تونس هذا العام. ففي يونيو قتل مسلح 38 أجنبيا على شاطئ أحد الفنادق في سوسة وفي مارس قتل مسلحون 21 سائحا في هجوم على متحف باردو في مدينة تونس. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجومين السابقين هذا العام. وفي العاصمة التونسية انتشرت قوات الأمن بشكل كثيف وأقيمت عديد من نقاط التفتيش للعربات والمترجلين في شوارع العاصمة. وشهد مطار تونس قرطاح تعزيزات أمنية كبيرة وسمح فقط للمسافرين بالدخول للمطار بينما يمنع دخول أي شخص أخر. وأول أمس كشف مصدر من رئاسة الجمهوربة لرويترز أن التفجير ناتج عن هجوم نفذه انتحاري يحمل متفجرات. وأمس الأربعاء أكد هشام الغربي المسؤول بنقابة الأمن الرئاسي لراديو "شمس إف إم" المحلي ان الهجوم نفذه انتحاري كان يحمل متفجرات. وقال "حسب المعطيات الأولية رجل يلبس معطفا ويضع سماعات في أذنيه ويحمل حقيبة على ظهره صعد للحافلة وفجر نفسه بسرعة من باب الحافلة." وأضاف "التفجير هو تحول نوعي في العمليات الإرهابية يستهدف ضرب هيبة الدولة عبر هجوم على رمز مثل الحرس الرئاسي" مضيفا أن الدولة تواجه تحديا حقيقيا مع هجوم في قلب العاصمة. وقالت مصادر أمنية إن الحراس كانوا يصعدون إلى الحافلة لتنقلهم إلى قصر الرئاسة في ضواحي المدينة حينما وقع الانفجار. وفي كلمة مقتضبة موجهة للأمة قال رئيس الوزراء الحبيب الصيد إن تطبيق حالة الطوارىء وفرض حظر تجول سيطبق بكل صرامة داعيا التونسيين إلى تقديم التضحيات من أجل المحافظة على نمط حياة اختاروه. وأشار إلى أن الهجوم تحول نوعي ضرب رمزا للدولة في قلب العاصمة مما يستدعي الوحدة بين الجميع. وكشفت وزارة الداخلية أن تم تحديد هوية 12 جثة للقتلى بينما لم تحدد بعد هوية الجثة الثالثة عشرة. وألغى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي رحلة مزمعة إلى أوروبا وأعلن حظرا للتجول في العاصمة التونسية ليلا. وأعاد حالة الطوارئ التي كانت فرضت لمدة شهر وتمنح الحكومة بصفة مؤقتة مزيدا من المرونة التنفيذية وقوات الأمن مزيدا من الصلاحيات وتقيد بعض الحقوق المدنية. وقال السبسي في كلمة وجهها عبر التلفزيون "هؤلاء الإرهابيون يريدون إدخال الرعب في قلوب أبناء الشعب ولكن هذا الرعب سينتقل من قلوبنا إلى قلوبهم." وشارع محمد الخامس يكتظ في العادة بحركة المركبات والمارة ويوجد به عدد من الفنادق والبنوك. وقد أصبحت مكافحة المتشددين الإسلاميين تحديا جسيما تواجهه تونس التي أشيد بها بأنها نموذج للتحول الديمقراطي في المنطقة بعد انتفاضة في عام 2011 أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي. وأجرت تونس انتخابات حرة وأقرت دستورا جديدا وتشهد توافقا سياسيا واسعا استطاعت الأحزاب العلمانية والإسلامية من خلاله التغلب على الخلافات العميقة. غير أن بضعة آلاف من التونسيين غادروا البلاد أيضا للقتال في سوريا والعراق وليبيا مع تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات متشددة أخرى وهدد البعض بتنفيذ هجمات في الداخل. وفي شتنبر تلقت الحكومة تقارير مخابرات تفيد باحتمال تفجير سيارات مفخخة في العاصمة وحظرت المرور في بعض أجزاء المدينة. واعتقلت السلطات هذا الشهر 17 متشددا إسلاميا وقالت إنها أحبطت هجوما كبيرا آخر كان مخططا تنفيذه في نوفمبر تشرين الثاني على فنادق وقوات الأمن في سوسة. في ردّه عن سؤال بشأن السبب وراء استهداف تونس بهذا "التفجير الإرهابي"، أوضح المختص في الشأن التونسي أيضا أن تونس تعتبر البلد الوحيد في بلدان الثورات العربية الذي اتبع طريق الديمقراطية، وهذا الأمر يمثل بالنسبة للجهاديين نموذجا غربيا يتحدى طابعهم الإسلامي المتشدد، حسب تعبيره. وبيّن نبيل أن الموقع الجيوستراتيجي لتونس يجعلها في "ضعف أيضا"، حيث إن "المليشيات الجهادية" فيليبيا يمكنها عبور الحدود بسهولة لتنفيذ ضربات، فضلا عن وجود المقاتلين "السلفيين الجهاديين" في جبل الشعانبي على الحدود التونسية الجزائرية التابعين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذين ينفذون هجمات بشكل دوري، بينما فشلت قوات الجيش التونسي في طردهم. وعن رمزية استهداف قوات الأمن الرئاسي، قال الخبير إن هذه الخطوة تمثّل تحديا للدولة ورسالة لها بأنه يمكن "ضربها في قلبها"، وذلك مع رغبة في مضاعفة حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. كما تحدث نبيل عما أسماه "الفشل الاستخباري" عقب هجوم سوسة الدامي، مشيرا إلى أنه وعلى الرغم من تعزيز أجهزة المخابرات، ووعي سياسي بوجود تهديدات إرهابية، فإن تونس التي كانت "ناجعة" في القضاء على "الإرهاب" زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أصبحت اليوم تواجه صعوبة في مواجهة هذا التهديد اليوم. ولم يستبعد المختص في الشأن التونسي أن تكون لهذا التفجير تداعيات وانعكاسات، ففضلا عما يعانيه قطاع السياحة من تراجع وتفاقم أزمة البطالة، فإن من المحتمل أن يتأثر قطاع الاستثمار الأجنبي، بالإضافة إلى إضعاف المشهد السياسي والحكومة، كما أن التونسيين سيعانون ويفهمون أن "المسلسل الإرهابي الذي بُدئ بهجوم باردو سيكون طويلا". من جهتها نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تفاصيل عن الهجوم، مشيرة إلى أن طبيعته لم تحدد بعد، فبينما تحدث مصدر من الرئاسة عن "هجوم إرهابي بجسم متفجر"، تحدثت مصادر أخرى لوكالة رويترز عن كون الهجوم نفّذه "انتحاري". وتطرقت الصحيفة إلى تفاصيل هجمات سابقة هزت البلاد، مشيرة إلى أن تونس واجهت منذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 عددا من الهجمات التي أدت إلى مقتل العشرات من الجنود ورجال الشرطة. ولم تغفل الصحيفة عن التذكير بأن تونس التي تمثل نموذجا ناجحا للانتقال الديمقراطي مقارنة ببلدان "الربيع العربي" مثل ليبيا المجاورة، قد انضم الآلاف من شبابها إلى جماعات مسلحة متطرفة في كل منالعراق وسوريا وليبيا، مما يجعلها واحدة من أكثر البلدان "تصديرا للمجاهدين". الأمر ذاته تحدثت عنه مجلة لوبان الفرنسية، كما قدّمت تسلسلا زمينا للأحداث التي جدت في تونس، واعتبرت أن الدولة "في مرمى الإرهابيين"، مشيرة إلى أن تونس عاشت بعد هذا الانفجار "السيناريو الجزائري"، فبعد محافظات القصرين وسيدي بوزيد (وسط) وسوسة والمنستير (الساحل)، تستهدفالعاصمة تونس. وبيّنت أن هذا التفجير كانت له ثلاثة أهداف هي ضرب "الجهاز الأمني، وتحطيم ثقته في قدرته على حماية البلاد، وضرب الأمن الرئاسي". وعادت المجلة لربط الأحداث الحالية بما حدث قبل عشرة أيام في القرى الواقعة بين ولايات القصرين وسيدي بوزيد، حيث فرّ السكان للجوء في مدينة جلمة خوفا من "الإرهابيين" ونظرا لغياب الأمن، خاصة مع تعاظم قلقهم من ظهور جماعات مسلحة تهاجم المنازل المتاخمة للجبال للحصول على مؤونة، وهو دليل على تعاظم تهديدات المسلحين. من جهة أخرى، أكد مصدر من وزارة الشؤون الدينية التونسية أن عدد الأئمة الخطباء المتشددين الذين تمت إقالتهم بلغ 49 إماما مند شهر فيفري الماضي استغلوا منابر المساجد لنشر خطاب متشدد يحرض على العنف والكراهية ويحرض الشباب على تبني الفكر الجهادي. وتبذل تونس منذ شهر فيفري الماضي جهودا لتجفيف منابع الظاهرة الجهادية التي انتشرت في صفوف الشباب نتيجة ترويج العشرات من الأئمة الخطباء لخطاب ديني متشدد يحرض الشباب على الالتحاق ببؤر التوتر. ويمنح الدستور الجديد الصادر في يناير 2014 الدولة صلاحيات إدارة الشأن الديني دون سواها بما في ذلك تعيين الأئمة وإقالتهم. وينص الدستور على أن ?الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشّعائر الدّينيّة، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التّوظيف الحزبي?. كما ينص الدستور على أن الدولة تلتزم ب?نشر قيم الاعتدال والتّسامح وبحماية المقدّسات ومنع النّيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التّكفير والتّحريض على الكراهية والعنف وبالتّصدّي لها?. وبقدر ما أثارت إقالة الأئمة الخطباء المتشددين ?ارتياحا? في أوساط الأئمة الزيتونيين وفي الأوساط السياسية وجزء من الرأي العام أثارت حفيظة عدد من الأطراف وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية التي كانت وصفت الإقالة ب?سياسة الانتقام والطرد العشوائي?. وأكد عثمان بطيخ وزير الشؤون الدينية أن ?بعض الأئمة المتشددين يرفضون التحاور مع الوزارة ولا يمتثلون للقانون، لذلك فإن الوزارة لم يبق لها من خيار سوى إقرار إعفائهم من مهامهم?. ومن أهم الأئمة الذين تمت إقالتهم وأثاروا جدلا في الأوساط الدينية رضا الجوادي إمام جامع اللخمي بمدينة صفاقس. وقال بطيخ خلال جلسة استماع له أمس الأول، في لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان إن إقالة الجوادي تندرج في إطار مكافحة الخطاب الجهادي، لافتا إلى أن الخطاب الذي كان يروجه الجوادي هو خطاب ?تحريضي?. وشدد عثمان بطيخ على أن الوزارة ?لا تسعى إلى فرض خطبة جمعة موحدة على المساجد? وإنما تسعى إلى تشجيع الأئمة الخطباء على نشر خطاب ديني معتدل والتطرق إلى ?مواضيع تشغل الرأي العام على غرار ظاهرة الإرهاب?. وأجرى عثمان بطيخ خلال الأشهر الثمانية الماضية تعيينات جديدة للأئمة الخطباء وأئمة الصلوات الخمس بلغت 1379 إماما معتدلا. وشملت جهود وزارة الشؤون الدينية لمقاومة الخطاب الجهادي غلق 56 مسجدا يقع تحت سيطرة المتشددين من جملة 80 مسجدا تقرر إغلاقها في أعقاب هجوم سوسة الذي نفذه جهادي تابع لتنظيم الدولة واستهدف فندقا بمدينة سوسة وخلف 38 قتيلا و39 جريحا من السياح الأجانب. وقاد انتشار الفكر الجهادي إلى تزايد مخاطر هجمات الجهاديين حتى أن مؤشر الإرهاب ارتفع بشكل لافت حيث باتت تونس تحتل المرتبة 47 دوليا في مؤشر الإرهاب وفق تقرير أصدره مؤخرا معهد الاقتصاد والسلام الدولي الذي يتخذ من جينيف مركزا له.