لم تكن ليلة الخميس عادية بالنسبة للملاكمة المغربية، وستظل تنير سجلات هذه الرياضة إلى محطة تتويج أخرى من نفس الحجم، كانت الليلة مناسبة أعادت زمن التتويجات التي غادرتنا منذ زمن طويل، وجعلت الناس يحسون أن هذا الوطن ليس بالعقيم الذي قد يتصوره البعض، ليلة تجمهر فيها سكان البرنوصي أمام منزل البطل العالمي محمد ربيعي لتقديم التهاني لأسرته ولتكسير الروتين الذي خيّم على الرياضة الوطنية. لم تكن الميدالية الذهبية الوحيدة التي فاز بها ربيعي تلك الليلة، فقد حصل أيضا على لقب ملاكم سلسلة WSB لهذا العام بعد تقديمه لموسم ناجحٍ، بجانب الملاكم الكوبي خوليو لا كروز، الذي حصل على لقب ملاكم السنة. فوصول ربيعي إلى هذا التتويج لم يأت صدفة، بل جاء بعد موسم متميز دشنه بإحرازه لقب بطل افريقيا في وزن ( 69 كلغ) خلال البطولة الافريقية التي احتضنتها مدينة الدارالبيضاء، وبعد تداريب شاقة استعدادا للعرس العالمي، وهو المعروف عنه تفانيه في الإعداد لكل المنافسات، حيث قال عنه منير البربوشي، المدير التقني الوطني " الربيعي من طينة الملاكمين الكبار الذين عرفتهم الساحة الوطنية والعربية والإفريقية والعالمية من أمثال الأخوين عشيق ، ومحمد فضلي و محمد المصباحي و حميد برحيلي والطاهر التمسماني وغيرهم ، حيث يتميز برباطة جأش قوية، وقدرة على التحمل والتركيز الدقيق أثناء خوضه النزالات وعدم استصغار الخصوم ، وكلها مؤهلات من ضمن أخرى تجعل البطل الربيعي مؤهلا لتحقيق حلم التتويج العالمي". وهو ما يراه المتخصصون في الملاكمة، حيث أكدوا أن ميزاته ومؤهلاته ولياقته البدنية العالية تساعده على خوض نزالاته بكل أريحية، و انضباطه التكتيكي عند خوض النزلات و قراءته الجيدة لنقط ضعف و قوة خصومه، وأسلوبه المتميز في الحركة فوق الحلبة وفي توجيه اللكمات والمراوغة الدفاع، علاوة على طموحه الكبير ، عوامل تجعل منه بطلا حقيقيا. دخل ربيعي عالم الملاكمة في سن مبكرة رفقة أخيه حمزة بعد أن انخرط في نادي البرنوصي، لم يكن لوحده في هذه السن، فقد حرص الوالد على مرافقته في التداريب وفي كل النزالات التي انخرط فيها، لم يكلّ الأب ولو يتعب، ومع تألق ربيعي كان عليه أن يتحمل مصاريف إضافية بعد أن أصبح ابنه مجبرا على التنقل عبر مدن المغرب للمشاركة في التظاهرات بعد أثبت أنه بطل قادم. حين تستمع إلى ربيعي في كل حواراته، تحس أنه يحمل هموما أكبر من سنه، يحلم بالألقاب وصعود منصات التتويج ويعمل بجد من أجل ذلك، دون أن ينسى باقي زملائه حيث يعتبر أنهم أبطال حقيقيون في حاجة إلى مساعدة، هو يفكر في الآخرين بهذه الطريقة لأنه تربّى في حي شعبي حيث الأولوية للآخر . يقول الربيعي " النجاح الحقيقي هو ما لا يراه الناس. فالانتصار هو آخر مرحلة في مسلسل كفاح طويل وشاق. الناس لا ترى العرق المسال والدموع التي تذرف، تلك الأشياء التي تسبق لحظة النجاح . الملاكمة تحتاج إلى الدعم، خاصة الملاكمين الذي تخلوا عن دراستهم. هي رياضة الفقراء. " ولوفائه، لم ينس مدربه السابق الملاكم هشام نفيل حيث قال عنه " نفيل هو قدوتي في الملاكمة، التي أعطاها الكثير وشرفها في العديد من المحافل الدولية، أشرف على تدريبي في 2012 وساعدني على تطوير مستواي وقدم لي الشيء الكثير." ليس للتألق أسرار خفية، ليس في الملاكمة فقط، بل في كل الرياضات، يقول الربيعي " سر تألقي هو الاستعداد الجيد والمثابرة في التداريب التي أقوم بها رفقة المدربين وزملائي في الفريق الوطني، بالإضافة إلى الجدية والإخلاص، لأنه بدون استعداد جيد لا يمكن لأي ملاكم إحراز ألقاب". هي الوصفة الصحيحة التي لا تحتاج إلى نقاش من بطل كبير جرّب الحلبات واختبر خصوما من العيار الثقيل، وحقق للمغرب لقبا كنا نظن أنه بعيد المنال، بعد أن بدأ ترديد نفس الأسطوانة، أن المهم وصوله إلى النهاية وهذا شرف له وللملاكمة المغربية، إلى أن الربيعي كان له رأي آخر، واختار أن يكسر هذه الأسطوانة المشروخة ويقول للجميع، بإمكاننا أن نكون من الأوائل، نحن نقوم بعملنا وما على الآخرين إلا توفير ما يساهم في تطوير هذا العمل.