في إسبانيا، اليمين المحافظ استطاع تجميع كل الذين يحنون إلى الفرانكوية، بينما في ايطاليا، تمكن جزء من اليمين المتطرف من فرض الاحترام, بينما الجزء الآخر يدعو إلى الانفصال... رافاييل لوداني ولوران بونيلي كيف يمكن التمييز بين أحزاب اليمين المتطرف وأحزاب اليمين؟ ما هي خصائص كل واحدة منها، برامجها، إيديولوجيتها؟ هذه التساؤلات الحاضرة بقوة في النقاشات الأكاديمية والإعلامية، ربما ليس لها معنى كبير, فتقسيم الحياة السياسية إلى فئات مستقلة يفترض أنها مغلقة، لا يصمد أمام التحليل، ويغفل الرهانات السياسية الحقيقية للتصنيفات التي يبقى ضمنها تصنيف »اليمين المتطرف« دائماً تحقيرياً أكثر من تصنيف »اليمين الوطني«. والتأريخ لهذا التيار ليس فقط البحث عن المميزات الخاصة لحزب معين، ولكن لإيجاد وسائل التفكير في التحالفات المعقولة والاستمراريات الممكنة الملموسة وطنياً أو محلياً، هذه المسألة تطرح بشكل خاص بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا البلدان اللذان مارس فيهما اليمين المتطرف السلطة لفترة طويلة مع دكتاتورية الجنرال فرانسيسكو فرانكو 1975-1939- ودكتاتورية بنيتو موسوليني 1943_1922 في إسبانيا لم يترك الانتقال الديمقراطي مجالا ملموسا للأحزاب التي تتبنى الفرانكوية، صحيح أنها لاتزال تحظى بنوع من النفوذ في قوى الأمن، بل قامت بمحاولة انقلاب عسكري يوم 23 فبراير 1981، لكنها أحزاب لن يكون لها وزن انتخابي، نظراً لامتصاص العديد من مناضليها ومواضيعها من طرف أهم حزب يميني، التحالف الشعبي لرئاسة مانويل فراغا، وزير السياحة والإعلام في حكومة فرانكو، التحالف الشعبي سيصبح أهم حزب معارض للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني الحاكم من 1982 إلى 1996. حزب التحالف الشعبي غير إسمه سنة 1989 ليصبح الحزب الشعبي يقوده خوصي ماريا أثنار، هذا الحزب جمع الأصوات من اليمين المسيحي الديمقراطي حتى القطاعات الأكثر حنينا للفرانكوية وحكومته تتنوع حسب التحالفات التي تعقدها حكومية ليبرالية [الخوصصة وتقليص النفقات الاجتماعية] في التحالف الذي قاده أثنار ما بين 1996 و 2000، تم أخذ الحزب الشعبي منحى محافظاً أكثر بعد أن فاز في انتخابات سنة 2000 وحصد الأغلبية المطلقة. انخرط كلياً في »الحرب الشاملة ضد الإرهاب« في أفغانستان ثم في العراق، صوت على قانون يحد كثيراً من دخول وإقامة الأجانب، ومنع حزب باتاسونا، وهو حزب من اليسار القومي الباسكي، تم فرض إصلاحاً يعيد فرض تدريس التربية الدينية والأخلاق الكاثوليكية في الابتدائي والثانوي. وفتحت عودته الى المعارضة سنة 2004 مرحلة من التوتر الحاد بين من يريدون أن يجعلوا من الحزب الشعبي حزباً ليبرالياً تقليدياً .[مثل عمدة مدريد ألبيرتو روبيز غاياردون] وأنصار خط سياسي أكثر تشدداً. ويبدو أن تعيين ماريانو راخوي في منصب الأمين العام للحزب يترجم البحث عن توازن، ولكن الحزب الشعبي سيبحث عن الدعم والمساندة في أوساط ناخبيه الأكثر تشدداً، ومن هذه الوجهة، يمكن قراءة معارضته القوية للنقاشات حول الحرب الأهلية، أو معارضة سحب المآثر الفاشية مثلما وقع سنة 2005 بخصوص تمثال فرانكو في حي نويفو مينستيريو بمدريد. الحزب الشعبي سيدعم كذلك هجمات الزعامات الكاثوليكية ضد زواج المثليين أو ضد إقرار تربية المدنية في المدارس أو ضد تمديد الأجل القانوني للإجهاض.. الحزب الشعبي سينعش أيضاً الإيديولوجية الفرانكوية حول الوحدة الوطنية, أي الشك والريبة تجاه الحكم الذاتي المحلي، وفي نفس السياق، يساند بعض البلديات التي ترفض استفادة المهاجرين في وضعية غير قانونية من الخدمات الصحية والتعليمية. حزب فاشيستي يتخلى عن أقنعته الإيديولوجية القديمة لكن روما ليست مدريد، فالحزب الشعبي الإسباني همش اليمين المتطرف، بينما في إيطاليا، فإن التيار «»الفاشي الجديد»« الذي يجسده الرئيس الحالي لمجلس النواب جيانغرانكو فيني والتيار »الانفصالي« في رابطة الشمال بزعامة أمبيرتو بوسي، يبقى قوياً. هل هي مصادفة؟ بدون شكل لا. فالحركة الاجتماعية الإيطالية الحزب الذي ظهر من رماد الفاشية بعد الحرب أفلت من الغيتو الذي وضعته فيه الجمهورية الأولى[ 1994-1947]عندما نزل سيلفيو برلسكوني الى المعترك، وبلغ الغزل بين برلسكوني وفيني أوجه بتأسيس »»شعب الحرية»الحزب الوحيد لوسط اليمين .هذا الأخير، ومثل حكاية جميلة نهل من الينابيع الأصلية وحمل سنة 1994، التحالف الوطني الذي غير الحزب الفاشي جلده تحت إسمه، متخلياً عن ثيابه الإيديولوجية القديمة، وخاصة الأحكام المسبقة المعادية لليهود والمساندة للعرب التي ميزت اليمين في شبه الجزيرة. كان ذلك مقدمة غير مسبوقة في تاريخ إيطاليا، لبناء حزب يميني »على الطريقة الأوربية« يمزج بين التقاليد الشعبية الألمانية والتقاليد الديغولية، قادر في بعض الأحيان,وبشكل متناقض، في بعض الأحيان على الدفاع عن مواقف أكثر »تقدمية« من الحزب الديمقراطي، خاصة في مجال الحقوق المدنية ,بدءا من الإنجاب المصطنع إلى الاعتراف بالزواج الفعلي، مروراً بحق التصويت للمهاجرين الشرعيين.... والمرحلة الحاسمة في هذا التحول تجري منذ عدة أشهر من خلال المواجهة المباشرة مع برلسكوني وجيانفرانكوفيني الذي يبدو أنه أصبح خصمه الرئيسي، في الواقع إذا كان فيني قد استغل لفترة طويلة علاقته المتميزة مع برلسكوني, ولو على حساب تبني بعض انزلاقاته الفردية، فإن ظهور حزب وحيد ليمين الوسط الذي وصفه فيما بعد زعيم التحالف الوطني «بالخطأ» نزع عن المتمردين في هذا الحزب أي هامش للتحرك باستقلالية. وهذا ما يفسر لماذا انتهى الأمر بالسيد فيني إلى المواجهة المباشرة مع برلسكوني المزعج والغارق في فضائح جنسية وقضائية دنيئة ومع تمرد اتحاد الوسط, أحد نتاجات اعادة تشكيل» الحوت الابيض» الاسم الذي يطلق على الديمقراطية المسيحية، وأمام عجز حزب شعب الحرية, الذي تحول إلى اختلاق العراقيل و»استهداف» القضاء لشخص رئيس الوزراء, تحول مركز جدب الحكومة تدريجيا نحو رابطة الشمال. هذه الاخيرة وخلافا للتحالف الوطني فضلت التحالف مع برلسكوني دون أن تنصهر في حزب شعب الحرية. وهذا ما يؤكد الطموح الصريح للسيد فيني لأن يصبح خليفة مكان الخليفة والاستغلال المبالغ فيه لتميزه و»اختلافه» ولذلك أحيي ميزتين اساسيتين لليمين القديم، اللتين ضحى بهما من أجل تحالفه مع برلسكوني وهما الشرعية وتقديس الدولة وهما ركيزتا حزب المستقبل والحرية لإيطاليا الذي تأسس في نونبر 2010 ردا على طرد زعيم التحالف الوطني من حزب شعب الحرية, هذا الحزب الذي يقدم نفسه بديلا معتدلا دستوريا واجتماعيا عن البرلسكونية. أما رابطة الشمال وإن كان مسارها يبدو أكثر وضوحا فإنها مع ذلك تبقى رهينة بمغامرات رئيس الوزراء الحالي، فقد تحالفت مع تحالف «فورزا ايطاليا» لتشكيل حكومة برلسكوني الاولى, هذه الحركة المناهضة للنظام التي تدعو إلى الانفصال ثم الفيدرالية تتكلم باسم الهيئات الأكثر شراسة في أوساط رجال الاعمال عرفت بدورها تحولا عميقا. رابطة الشمال تحولت إلى حزب حكومي وعززت مواقعها على المستوى المحلي بمشاركتها في الهيئات الوطنية وفي الانتخابات الجهوية لسنة 2010 حصدت الرابطة في مناطقها الثمانية الأساسية 19,17 في المائة من الأصوات, بل حصدت 35,15في المائة في منطقة فينيسيا مما دفع بعض المعلقين إلى التساؤل هل مازالت الرابطة حركة فيدرالية وما إذا كانت قد خانت أفكارها من أجل البقاء في القيادة. عمليا فالرابطة تقوم بتمييز كبير ين البراغماتية وميتولوجية «بادانيا» وهي هيئة مجهولة المصادر مفروض أنها توحد جميع شعوب ايطاليا الشمالية, وريثة الحضارة السلتية والمؤتمنة على الجدور المسيحية لأوربا أكثر من التنديد ب «روما السارقة» الذي لا يخدم سوى تعبئة القواعد، فمشاركتها في المؤسسات التي تشجع وصاية المصالح الانانية للشمال التي تعتبر الرابطة نفسها الناطقة باسمها. رابطة الشمال تجسد سياسة لااجتماعية ومناهضة للمهاجرين إذا كانت البرلسكونية هي «دعه يشتغل» دون ليبرالية، فإن رابطة الشمال تعبر عن ليبرالية دون «دعه يشتغل» فإنها لاتتبنى سوى الأبعاد اللااجتماعية والعنصرية مثل بدعة «الدوريات المواطنة» ضد «الجريمة الخارجية» لكن الجدول حول الهجرة السرية يستعمل كامتحان من أجل هجوم أوسع ضد قواعد سوق الشغل بهدف تحرير هذا الأخير من الاكراهات الاجتماعية في إطار وصاية زبونية فوق أراضيها, هكذا أصبح حزب بوسي أبرز وريث للمعركة ضد الديمقراطية المسيحية. فالتشكيلتان الرئيسيتان لليمين الايطالي تضخمان خلافاتهما, لكن لاشيء يفرقهما, ألا يوجد اسما زعيميهما جنبا إلى جنب في أسفل أهم إجراء سياسي تم اقراره من طرف وسط اليمين خلال السنوات الاخيرة, قانون بوسي- فيني حول الهجرة[2002] والذي يعتبر أحد أقصى القوانين في القارة الأوربية. بعض المراقبين يركزون على صدقية التحول الديمقراطي للسيد فيني، مشيرين إلى طلاقه المؤلم من زوجته التي أحبها والتي التقاها أيام نضالهما الفاشيتسي, وشخصيته المعتدلة تبدو مع ذلك تحولا تاكتيكيا قبل كل شيء, يلائم نظرة كبار رجال الاعمال الراغبين في الابتعاد عن آخر حلقات البرلسكونية المنتهية. خلال 20 سنة نقلت منظمة رجال الاعمال دعمها نحو «المعتدل» رومانو برودي [الذي تفضله] ونحو المتطرف برلسكوني [الذي تتحمله] وبانتزاعه ثقة البرلمان يوم 14 دجنبر الماضي، اظهر برلسكوني مع ذلك أنه مازال لاعبا أساسيا، رغم أنه فاز بهذه الثقة بشراء أصوات بعض نواب حزب فيني، وبالتالي أصبح مصيره مرهونا برابطة الشمال. ومع ذلك وبفعل هذا الانتصار الصعب، يمكن لبرلسكوني أن يعد لانتخابات سابقة لأوانها من موقع قوة. فإمكانية حدوث انتقال بدونه تبدو مستحيلة ويمكنه كرئيس للحكومة أن يختار قانونا انتخابيا يكون في صالحه. أما بالنسبة للسيد فيني، فإنه خرج ضعيفا من هذا التصويت رغم أنه هو من دعا له. ليس فقط تمرد بعض برلمانييه عليه هو الذي سمح بفوز برلسكوني، ولكن المساحة التي كان يريد احتلالها في اليمين أغلقت. وعمليا فإن حزب اتحاد الديمقراطية المسيحي وقوى صغيرة أخرى أعلنت عن ميلاد قطب جديد للوسط.