ها هي سفيتلانا أليكيفيتش تعتلي أرفع المرتبات الأدبية لتصير أول سيدة ناطقة بالروسية تقنص هذا الامتياز الرفيع بعدما تماهت مع مجاوريها وراحت تستعير حكايات المقموعين والمنفيين والمتعرضين للذلّ بغية ترفيع مشروعهم الإنساني إزاء آلة قامعة سحلت أحلامهم وكوت أيامهم المقبلة. لم تخب توقّعات «نوبل للآداب» هذه المرّة؛ إذ لم يخرج الاسم الذي أعلنته رئيسة «الأكاديمية السويدية»، سارا دانيوس، عن قائمة المراهنات التي شغلت الأوساط الأدبية مؤخّراً، معلنةً تتويج كاتبة ظلّ اسمها يُطرح للفوز بالجائزة منذ سنوات. الروائية والصحافية البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش (1948) هي الفائزة بجائزة نوبل للآداب لعام 2015، بعد أن عادت العام الماضي إلى الروائي الفرنسي باتريك موديانو (1945). وقالت دانيوس إن اختيار أليكسيفيتش جاء بالنظر إلى "كتاباتها متعدّدة الأصوات، والتي تُعتبر معْلماً للمعاناة والشجاعة في عصرنا". المثير أن الكاتبة البيلاروسية أعلنت خبر فوزها عبر صفحتها الشخصية على «تويتر»، قبل ساعتين من إعلانه رسمياً من قبل «الأكاديمية السويدية» في تمام الحادية عشر صباحاً بالتوقيت العالمي. وُلدت أليكسيفيتش في أوكرانيا لأبوين يعملان في التعليم، عاشت في بيلاروسيا لفترة، حيث درست وأنجزت أبحاثاً عن الصحافة، ثم استقّرت في برلين لسنواتٍ عدّة، قبل أن تعود إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا، وتبدأ في إصدار كتبها. منذ صدور روايتها الأولى «الحرب ليس لها وجه امرأة» (1985)، التي تناولت موضوع الحرب العالمية الثانية ودور الاتحاد السوفيتي سابقاً فيها، أصبح كلّ كتاب تصدره بمثابة حدث مهم. تضم الرواية مونولوغات لسيّدات شاركن في القتال ضدّ ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية؛ إذ تحدّثن عن أحداثها التي لم يتطرّق إليها أحد من قبل. أثار العمل ضجّة كبيرة وبيعت منه مليونا نسخة محتلاًّ قائمة الكتب الأكثر انتشاراً. وبسببه، طاولت الكاتبة اتّهامات كثيرة من دوائر السلطة، منها "معاداة الروح الوطنية". غير أنها لقيت دعماً من غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك. تناولت كتاباتها الحرب العالمية الثانية والحرب السوفييتية في أفغانستان وكارثة تشرنوبل النووية وحالات الانتحار التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفييتي. وظلّت ثيمة الحرب ملازمة لكتاباتها. في روايتها التالية "آخر الشهود"، وصفت ذكريات خاصة بالأطفال الذين عاشوا الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1993، نشرت كتاباً بعنوان "مأخوذ بالموت"، تناول قصصاً حقيقية حول محاولات انتحار بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي. أمّا "نهاية الإنسان الأحمر" فكان بمثابة خاتمة لسلسلتها التي أسمتها "موسوعة الحقبة السوفييتية"، واشتغلت فيها على تثبيت آثار سبعة عقود من تاريخ الإمبراطورية الروسية (1917 - 1991). حاز العمل جائزة "ميديسيز للدراسات" في فرنسا عام 2013، واختارته مجلة "لير" كأفضل كتاب في تلك السنة. إلى جانب الرواية، كتبت أليكسيفيتش ثلاث مسرحيات، إضافةً إلى سيناريوهات لواحد وعشرين فيلماً وثائقياً. كما تمّ توزيع ونشر رواياتها في 19 بلداً. تصدّر اسم أليكسيفيتش قائمة التوقّعات بنيل الجائزة هذا العام، إلى جانب الروائي الياباني هاروكي موراكامي. ضمّت القائمة أيضاً النرويجي نجوجي واثيونغ والأميركيين جويس كارول وفيليب روث والشاعر الكوري الجنوبي كو أون والنمساوي بيتر هانديك والأيرلندي جون بانفيل. وظهرت أفريقيا في واجهة الترشيحات بكل من الكيني نغوغي ثيونغ والصومالي نور الدين فرح والنيجيري بن أوكري. - بورتريه متخصص في الانوثة تتجول الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكيفيتش بين الأرواح الميتة مخترقة أنقاض الإتحاد السوفياتي وتروح تصغي. لا يسعها سوى أن تصيخ السمع لشهادات الناس ومعظمهم من النساء، وتستعير بعدذاك المادة الخام لتضعها في سياق متخيّل. حين تمرّ هذه الشذرات من الإعترافات في مصفاة أسلوبها، لا تلبث أن تتحرر من عباءة التحقيق الصحافي، فتغدو نسقا روائيا في جميع أبعاده. تقول عناوين سفيتلانا أليكيفيتش التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة والظافرة للتو ب "نوبل" الآداب 2015 ان الريح السياسية بدّلت وجهتها في ذاك الجزء من العالم الذي كان يسمّى الإتحاد السوفياتي، وأنّ ما حصل في الماضي ليس صنو ما سيحصل، وأن الأوان حان لإطلاق العنان للإقرار. تفصح أيضا عن ماهية الحرب أيا تكن هويتها، ذلك انها دوما "مهمة غير إنسانية ومن صنيعة الإنسان". أليكيفيتش قاصة مأساة الحقبة السوفياتية المولودة في 1938 في أوكرانيا والمقيمة في العاصمة الألمانية برلين بغية الفرار من نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، هي عينها الشابة الريفية الباحثة في نطاقها القريب عن المسكوت عنه وهي كذلك الصحافية الكتومة على ما توصف، التي تحمل اليوم آلام مجايليها وأولئك الذين سبقوها، إلى مقدمة المشهد الكتابي العالمي. تقرّ الكاتبة في إحدى المقابلات بأنها عرفت دوما أنها راغبة في الكتابة والسفر، بيد أنها تأخرت لتجد مسارها ونوعها التأليفي الذي يصحّ إختزاله بالكلام الروائي المتعدد الوجهة والواقف على شفا الوثائقي. ها هنا نصوص تريد أولا وأخيرا إذابة الشمع الأحمر عن الأصوات المخنوقة. ها هي سفيتلانا أليكيفيتش تعتلي أرفع المرتبات الأدبية لتصير أول سيدة ناطقة بالروسية تقنص هذا الامتياز الرفيع بعدما تماهت مع مجاوريها وراحت تستعير حكايات المقموعين والمنفيين والمتعرضين للذلّ بغية ترفيع مشروعهم الإنساني إزاء آلة قامعة سحلت أحلامهم وكوت أيامهم المقبلة. منذ النص الأول "ليست الحرب وجها نسائيا" الصادر في منتصف الثمانينات من القرن العشرين قوبلت الكاتبة بتهم "معاداة القومية" ونعتت باكورتها ب"المخزية" لأنها وثقت لذكريات المقاتلات خلال الحرب العالمية الثانية، ولأنها نأت بنفسها عن التبجيل الممنهج. حقق الكتاب فضيحة مجلجلة وإن حظي بدعم آخر رؤساء الإتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، ولم يلبث أن يدفع بجميع كتب أليكيفيتش اللاحقة لكي تصير الحدث بعدما خرجت من السياقات الإمتثالية. يصلح شغف الحقيقة عنوانا لمسار كتابي حيث كان هناك "الإستجداء" حكاية العالم بعد كارثة تشيرنوبيل و"توابيت من خارصين" المتمحور على الجنود السوفيات العائدين من حرب افغانستان ساردين ومن الباطن هذا المستنقع الدموي وسواها. في هذا الكتاب نقابل أمهات مصابات بالإنهيار قبالة توابيت أبنائهن، وفي كنفه يجري فلش حقيقة ظرفيّة منوطة بالصراعات الحربية تنوب عن جميع حقائق الحروب الماضية والراهنة والمقبلة. تكرّم الأكاديمية السويدية في 2015 عملا متعدد الصوت أتت به الكاتبة على مرّ منجزها، والحال ان الإتحاد السوفياتي شكل بالنسبة لسفيتلانا أليكيفيتش منبعا لتراجيديا خالصة كمشروع عزَمَ على ما تقول في "نهاية الإنسان الأحمر" على تحويل الإنسان "القديم" أو آدم العتيق. في عرفها وفّق النظام الإستبداي في تحقيق ذلك على مرّ سبعة عقود ونتف من الأعوام، تكتب انه جرى في مختبر الماركسية اللينينيّة (نسبة إلى لينين) ابتكار ما تعدّه إنسانا خاصا وتسميه "أومو سوفيتيكوس". هذا النسق من التهكم المؤلم هو بلا ريب ما أوصل الكاتبة والصحافية إلى تاج الإمتيازات الأدبية، بعدما تبدّت مثالاً لقول لا يختار الصراحة المبسّطة فحسب وإنما يُدعّم بصراحة أخرى لولبية طمعا بالفوز بأصدق تعبير. في نواة نصوص سفيتلانا أليكيفيتش نجد الإنسان الأحمر، أحمر بلون الشيوعية وأحمر بلون الدم أيضا، نهيم كذلك في وسط حيوات صغيرة تخصّ التقنيين والجنود والمهندسين والسكارى وعاملات التنظيف، يجتمعون حول فكرة التقهقهر عينها، فكرة الخوف الكبير والآمال القزمة. هذا العام أيضا خرج من جعبة الأكاديمية السويدية إسم جرى تداوله في الأيام القليلة المنصرمة. هذا العام أيضا لم يكن الإعلان مباغتا تماما. في 2015 يجري تكريم أليكيفيتش واضعةَ المحفوظات التي مسحت الواقع الدفين في منطق موجع. في 2015 يمنح الإمتياز إلى سيدة تحدّثت في تكَسّر اليوتوبيات، سيدة نظرت في مرآة حقبتها ولم تختَر وضع مساحيق التجميل لكي تحسن البشاعة التي رأتها. مؤطر لتلخيص امرأة-عالم 28 معلومة عن الفائزة بجائزة نوبل للآداب 1. هي صحفية تحقيقات بلاروسية، من مواليد 31 مايو عام 1948. 2. ولدت في أوكرانيا، لأب بيلاروسي وأم أوكرانية، يعملان في التدريس. 3. كان والدها يعمل في العسكرية في أوكرانيا، ثم عادت معه إلى بلدها بعد انتهاء الخدمة العسكرية له. 4. بعد الانتهاء من الدراسة عملت كمعلمة وصحفية، ودرست الصحافة في جامعة «مينسك»، بين عامي 1967 و 1972. 5. عقب تخرجها عملت في جريدة محلية في «بريست» بالقرب من الحدود البولندية، بسبب آرائها المعارضة. 6. عادت فيما بعد إلى «مينسك» وبدأت العمل في صحيفة Sel'skaja. 7. لعدة سنوات جمعت «سفيتلانا» مواد كتابها الأول U vojny ne ženskoe lico، عام 1985، أو War's Unwomanly Face، والذي تضمن مقابلات مع مئات السيدات اللائي شاركن في الحرب العالمية الثانية. 8. كان ذلك الكتاب «وجه غير أنثوي للحرب» هو الأول لها ضمن سلسلة إصدارات كبرى باسم «أصوات من يوتوبيا»، حيث صورت الحياة في الاتحاد السوفيتي من وجهة نظر الفرد. 9. من خلال طريقتها غير العادية استطاعت إعطاء صورة كاملة عن عصر ما، وعمقته وجعلت البعض يشعر كأنه بداخله. 10. اعتمدت في كتابها عن الحرب العالمية الثانية على الكثير من المصادر منها شهادات الممرضات أثناء الحرب، والملاحظات التي كتبها معظمهن، وتم تدوينها، كما اعتمدت على مؤلفات الكاتب البيلاروسي، اليس أداموفيتش، عن الحرب. 11. بعد إصدار الكتاب اتهمها البعض وخاصة المقربين من السلطة الروسية بأنها «تعادي الروح الوطنية»، لكن الرئيس الروسي في ذلك الوقت، «جورباتشوف» دعم كتابها. 12. حقق الكتاب انتشارًا واسعًا بعد إصداره، وصاحبه جدل كبير تسبب في نجاح العمل. 13. أشهر كتبها هو Voices from Chernobyl: The Oral History of a Nuclear Disaster) (1997)، أو « أصوات من تشرنوبل: التاريخ المحكي لكارثة نووية». 14. وضعت في الكتاب شهادات عديدة وصلت إلى أكثر من 100 ممن عاصروا حادثه انفجار المفاعل، شمال كييف، عام 1986. 15. أصدرت أكثر من كتاب حول الاتحاد السوفيتي، ومنها عن الحرب في أفغانستان، وغيرها من الموضوعات. 16. لم يترجم أي كتاب لها إلى العربية. 17. تتميز أعمالها الأدبية بإبراز التقارير الصحفية فيها، وهو ما فعلته في كتبها حول كارثة تشرنوبل، وشهادات النساء في الحرب العالمية الثانية. 18. تشتهر أعمالها بإثارة الجدل دائمًا، وهو ما حدث مع كتابها الذي صدر قبل سنتين بعنوان «نهاية الإنسان الأحمر». 19. نالت عن كتاب «نهاية الإنسان الأحمر» جائزة «ميديسيز للدراسات» في فرنسا، كما وضعته مجلة «لير» المتخصصة بالكتب، كأفضل كتاب لعام 2013. 20. قالت عن كتابها: «أريد أن أُبرز ما يغلي في القدر الروسية، إنني أفعل ما يجب علي فعله». 21. تقول عن نفسها: «كنت أبحث عن جنس أدبي يسمح لي مقاربة رؤيتي للحياة بأفضل ما يمكن، ثم اخترت أن أكتب أصوات الناس واعترافاتهم». 22. تهتم دائمًا بالكتابة عن تصورات الأشخاص ومعايشاتهم حول حدث ما، ولا تنظر إلى الأحداث على علتها، ولا تهتم بشرح تاريخ مما حدث لكن بشرح تصورات الناس حوله. 23. تقول إنها عملت بالصحافة الاستقصائية لأنه تحب سماع ورؤية العالم من أقرب نقطة ممكنة. 24. لها آراء معارضة، وبسبب انتقادها للنظام، اضطرت إلى العيش في أماكن مختلفة منها إيطالياوفرنساوألمانيا والسويد، وأماكن أخرى. 25. لها 7 مؤلفات بالروسية، و5 مؤلفات بالإنجليزية، و7 بالفرنسية، و7 بالسويدية، و2 بالإسبانية، و15 بالألمانية. 26. تم ترشيح اسمها لأعوام من أجل الفوز بجائزة «نوبل» للآداب، وذكرت صحيفة «وول ستريت» أنها الأوفر حظًا للفوز بالجائزة لعام 2015، بسبب طرح اسمها منذ أعوام، وتكرار اسمها من قبل مكاتب المراهنات والأوساط الأدبية. 27. قالت الصحيفة إنها تمثل بالنسبة للبعض خيار مثالي للفوز بالجائزة هذا العام خاصة أنها امرأة. 28. فازت بجائزة نوبل للآداب لعام 2015، وقالت الأكاديمية السويدية أنه تم منح «سفيتلانا» الجائزة لعملها المتعدد الذي يمثل نصبًا تذكاريًا للمعاناة والشجاعة في عصرنا، وفقًا لما أوردته الوكالة الألمانية.