في ربيعها السابع ، سألت يسرى والدها، وهما معا يشاهدان حلقة الظهيرة من سلسلة رسوم متحركة مستوردة أنتجت في اليابان ، إلا أن عملية الدبلجة إلى اللغة العربية تمت في أحد استوديوهات الخليج العربي. " أبي أبي ، إنهما يتحدثان مثلنا ، أدارت عينيها البريئتين في محجريهما باتزان ، وأضافت والبسمة تعلو محياها اللطيف ، واو .. يوكي يتكلم عربي.." حين اقترحت الزميلة عائشة قحام فتح باب الجدل حول بروز الفصحى في مواجهة " العاميات" العربية على القنوات الفضائية، وفيما إذا كان ذلك يعتبر شرخا زائفا بين الاثنتين أي العربية الفصحى واللهجات العامية كموضة هذه الأيام ، وهل ثمة اعتقاد برفض العربية الفصحى واعتبارها شكلا منقرضا من أشكال اللغة ، وتوجيه الاهتمام إلى الدارجة أي لغة الشارع العام.. استحضرت وقائع هذه القصة الحقيقية وأتجرأ وأسرد أسباب نزولها . تخبرنا المصادر المتنوعة أن مصطلح دبلجة من الفرنسية " doublage" مصطلح تلفزيوني له علاقة بالسمعي البصري يستخدم عند قيام طاقم تقني بتركيب أداء صوتي بديل للنص الأصلي بلغة أخرى لإنتاجات تلفزيونية مستورة في الغالب أو يراد تصديرها كالمسلسلات والأفلام ، والأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة . وبالعودة إلى مطلع الحكاية ، نجد أن بطل السلسلة المدبلجة إلى العربية كان رجلا آليا يدعى " يوكي " لكنه مع الدبلجة ، تحول الى " ماهر" يطارد يوكي بطل السلسلة ، ماردا آليا كان يقود سيارة من جيل خارق، وسلاحه الرشاش لا يكف عن إطلاق زخات نارية ، كثيفة في كل الاتجاهات ، مصحوبة بأصوات إلكترونية مبعثرة بنظام لكنها تحدث الرعب وتحفز على الهلع الدائم . النسخة اليابانية حسب المتخصصين ، مكونة من 29 حلقة، لكن هناك رواية تقول أن ما دبلج إلى العربية منها هو 24 حلقة فقط ، ويقال 16 حلقة. فكيف تم اختزال الباقي ، وهل للمسالة خلفيات ثقافية وحضارية أم مبررات تجارية واقتصادية بالأساس ؟ المحطات الفضائية التي تنزرع في سماوات الله المفتوحة بالمآت تبث المسلسلات الأجنبية للصغار أو الكبار بعد أن تقوم بدبلجتها ( doublage) ودور الدبلجة هنا في غاية الأهمية، إذ أن على المترجم اختيار عبارات تناسب طول الجمل التي ينطق بها الممثل الأجنبي مع انتقاء كلمات تتلاءم و حركات الشفاه ، حتى يكون الأداء متطابقا ومنسجما ويعطي انطباع بأن العمل الفني أصلي . ما يعني إنتاج شريط صوتي ثان مصاحب للشريط الأول، لكنه بلغة أهل البلد ، والعملية في جوهرها تقنية مطلوبة ليست بالبسيطة ولا غير المكلفة . والسؤال إلى أي حد تسهم الترجمة أو التعريب أو الدبلجة حتى في تحقيق المتعة والفائدة مع اقل الأضرار والخسائر اللغوية الممكنة ؟ وسواء في المغرب أو المشرق ، ومنذ بداية الثمانيات ، انطلقت مشاريع الدبلجة ، وشرعت عدد من المحطات التلفزية خاصة الفضائية بدبلجة الأفلام ومسلسلات الأطفال من لغتها الأصلية إلى لغات ولهجات محلية مختلفة ، مما كان له الأثر الإيجابي على تحسين مستوى الاستيعاب وتحسين الأداء اللغوي والرفع من مستوى التلقي والأداء خاصة اللغة العربية الفصحى وثقافة الطفل على العموم ولعل من إيجابيات الدبلجة اختراق حاجز اللغة الأصل لفهم أقصى لمشاعر العمل المراد مشاهدته الفيلم، ما يحقق متعة التواصل مع ثقافة مجتمع غريب . لأن الجيد من الدبلجة يخترق الشكل ويقتحم الوجدان ما يمنح المتفرج الفرصة للتفاعل الوجداني مع الأحداث والوقائع الدرامية أو غيرها الغريبة عن بيئة المشاهد الأصلية.