هناك تقاطعات كثيرة بين ما قام به ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا المعروف ب"داعش"، تجاه التراث الثقافي والأثري، وما قامت به قوات الغزو الأمريكي، عندما احتلت العراق. فعندما دخلت هذه القوات الغازية الأمريكية إلى بغداد، فتحت الباب لنهب متحفها، الذي يضم قطعا أثرية تعود لسبعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتقدر قيمتها بملايير الدولارات. وقد وجهت أصابع الاتهام من طرف العالم بأسره، للجيش الأمريكي، الذي لم يكتف بهذا، بل دخلت مدرعاته أيضا إلى المدينة الأثرية "بابل"، في عملية استعراضية. وقد تناقلت القنوات التلفزية العالمية هذه الصور، حيث كان الجنود الأمريكيون يمتطون دباباتهم فوق أرض أقدم وأجمل مدينة في العالم، تحتوي على آثار عظيمة، وكانت عاصمة لإمبراطورية، تحكمت في بلاد ما بين النهرين والشرق الاوسط، خاصة في عهد نبوخذ نصر. ما قامت به القوات الأمريكية، يدخل في إطار الحرب النفسية، لتدمير الذاكرة وإذلال الشعوب، وبتر تاريخها الحضاري، الذي تفتخر به والذي يشكل مرجعا لعظمتها ويدعم شحنة المقاومة والصمود لديها. وهي نفس الجريمة التي قامت بها "داعش"، عندما دمرت، مؤخرا، معبد "بعل شمين" الشهير في مدينة تدمر الأثرية الواقعة في وسط سوريا. كما أقدم التنظيم على قطع رأس خالد الاسعد (82 عاما) الذي شغل منصب مدير آثار تدمر منذ عام 1963 حتى عام 2003، بعد أن خطفه لنحو شهر وعلق جثمانه على عمود كهرباء. ودمر مسلحو التنظيم، أيضا، تمثالا لأسد يعود للقرن الثاني الميلادي، وضريحين إسلاميين بالقرب منه ووصفوهما بأنهما من "مظاهر الشرك". وسبق ل"داعش" أن دمرت عدة آثار في متحف مدينة الموصل بالعراق. من الواضح أن تدمير الآثار لا علاقة له بالدين أو بالقضاء على مظاهر "الشرك"، والدليل على ذلك هو أن المسلمين حافظوا عليها دون أن يروا أي مبرر لتدميرها. غير أن ما يحرك "داعش" هو ما حرك القوات الأمريكية الغازية، وهو قيادة الحرب النفسية على الشعوب، وإشاعة أجواء الهمجية، مثل التمثيل بجثة مدير سابق للآثار بتدمر، وتحويل هذه المدينة الأثرية، إلى معتقل، حيث نفذت فيها عشرات أحكام الإعدام. إنها حرب حضارية ضد شعوب المنطقة، هدفها الإذلال ومحو الذاكرة والعودة بها إلى العصر الحجري، لذلك سيتواصل هذا التدمير الممنهج، برعاية الذين يمولون "داعش"، ويمدونها بالسلاح والمقاتلين.