o وهي أيضا جزء أساسي من الحاضر. n هذا يثبت وجهة نظري أكثر. هذه حجة إضافية على أنّ هذا الماضي لا يزال حاضرا. الأصول o لماذا تهيمن الدعوة الدينية ولا تهيمن الدعوة الليبرالية أو الدعوة الاشتراكيّة مثلاً؟ n أزعم أننا لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال إلا إذا فهمنا الأصول: كيف تطوّرت وكيف لا تزال تحيا حتى اليوم. في الشارع نحن نعيش أصول عمر وأبي بكر وعثمان، وأتباعهم هم الذين يطلقون النار ويستولون على السلطة... لماذا غابت القوى الأخرى المناوئة للقوى الدينية. هذا سؤال استطرادي. o تمّ إقصاؤها وإلغاؤها. n لا أحد يستطيع أن يقصي إنساناً فاعلاً مستعداً للموت. لا أحد. o ألا يوجد أثر ما للعولمة التي تجاوز عمرها اليوم الأربعين سنة؟ بمعنى أننا شهدنا في سياق هذه العولمة الجديدة انهيارا للدول، وانهيارا للأفكار، وتهميشاً لفئات كبيرة جدا من المهاجرين إلى أوروبا، ومنهم المسلمون بالتحديد. ما الذي يدفع شبانا مسلمين من أوروبا وإنكلترا وألمانيا والشيشان... إلى أن يأتوا ويقاتلوا في سورياوالعراق؟. هل تجد أن هناك رابطاً بين هذه العوامل وإطلاق هذه «القومة» الإسلاميّة؟ } جوابي هو سؤال آخر: لماذا انفجرت في العولمة هذه القوى الدينية ولم تنفجر القوى الأخرى المناوئة؟ لماذا احتضنت العولمة هذه القوى الدينية ولم تحتضن القوى الأخرى الحية في المجتمع والتي تمتلك مشروعا للمستقبل؟ ما يعني أنّ ثمة شيئاً آخر وهو أن الشعوب، مع الأسف، ليست هي التي انطلقت بنفسها وثارت، بل ثارت قوى أخرى. o تقصد هنا انطلاقة الثورات لا مصيرها؟ } المهم النتائج وليس البدايات. طبعا هناك استثناءات. ولكن في سوريا مثلا، فإن ثلث الشعب هاجر. لا يوجد شعب في العالم يهاجر ونستمر في تسميته بأنه شعب ثوري. o الجماهير المدنية التي شاركت في الثورة أصبحت خارج الفعل. اليوم من يقاتل في سوريا؟ معظم المقاتلين جاء من الخارج. مَن يقاتل في الأرياف ليس الشعب. فقد حصل تحوّل هائل حتى ما عاد بإمكاننا تسميتها لا ثورة ولا انتفاضة. هناك حرب حقيقية الآن تجري في سوريا ذات طابع أهلي وطائفي. n ليس الشعب الذي نتحدث عنه ونتمنى أن يثور هو الذي ثار. والدليل سوريا. ونحن جميعنا، وأنا أوّلهم أقف إلى جانب تغيير الأنظمة. لكن نحن بحاجة إلى أن إلى نفهم ما يجري. باختصار، أستطيع أن أقول إنّ الأنظمة لم تكن هي الهدف على الإطلاق. كانت الأنظمة مجرّد أداة، لأنّ الهدف الأساسي هو تدمير البلاد. o من الذي يريد أن يدمّر هذه البلاد؟ n القوى الأجنبيّة. كما حصل مع تدمير النظام العراقي، أو النظام الليبي، وكما يحصل في سوريا الآن. كيف تقود القوى الرجعية والقوى الأجنبية الثورة؟ في العالم كله وفي جميع مراحل التاريخ، هل من ثورة قادها رجعيون ومرتهنون للخارج؟ o في تاريخنا الحديث، الإخوان المسلمون الذين ظهروا في مصر سنة 1928 كانوا رداً على الدولة الديموقراطية الحديثة، أو الصعود الديموقراطي الليبرالي الحديث. برأيك هذه الموجة الهائلة التي نشهدها الآن هي رد على ماذا؟ خاصّة أنه لم يكن لدينا أي مشروع للديموقراطيّة، ولم تسمح القوى الأجنبية بتأسيس دول علمانيّة في المنطقة قائمة على الديموقراطية. n صحيح، لنتخذ أميركا مثلا. أعطني مثلا واحدا على أنّ السياسة الأميركية وقفت إلى جانب الشعوب المستضعفة أو المرتهنة وحرّرتها أو ساعدتها في التحرر. أميركا هي أول دولة استخدمت القنبلة الذريّة ضد البشر. والنظام الأميركي نفسه قام على إبادة شعب بكامله أي الهنود الحمر. ومع ذلك ف «الثوار» العرب مغرمون بأميركا. ما يحدث في العالم العربي غير معقول. في ليبيا مثلاً، ونحن جميعا كنا ضد القذافي، هل يعقَل أن تدمّر البلاد بهذه الطريقة؟ والأمر نفسه في سوريا ينطبق على العراق. أي ثورة عدوّها تمثال أو متحف أو جماعة مثل الايزيديين حتى تتم إبادتهم؟ o إذاً ما هي الرؤية التي يمكن أن نرتبط بها كمجتمع عربي؟ n المشاريع والأفكار والمستقبل تولد على نار التحليل. لا توجد رؤية جاهزة سلفاً. إذا لم نفهم حالنا فلا يمكن أن نخرج إلى أيّ أفق، بل سنبقى غارقين في مشكلاتنا. الآن في معمعان الثورة، التي هي ميدان الحرية والتحرّر، نجد أنّ المفكّر بات معرضاً للخطر أكثر مما كان في أيام الطغيان. هل هذا معقول؟ إذا كان الإنسان المفكر غير حرّ في جسده، وغير حرّ في رأيه أو تفكيره، وغير حرّ في تنقلّه في زمن الثورة، فكيف نفكّر؟ أين الثورة؟ هناك خلل، ونحن نعمل على حجبه مع الأسف لسبب أو لآخر. لذلك أقول إن في ضوء فهم الاصول والجذور نستطيع أن نفهم ما يحدث الآن في شكل أدقّ. فلا يمكن النظر إلى ما يحدث في الدول العربية الآن، كأنه شيء منفصل عن التاريخ، أو كأنه مفاجئ، بل كجزء متأصل. طوال أربعة عشر قرناً لم يستطع العرب تحقيق المواطنة. بينما حقق الرومان ذلك في جميع أنحاء الامبراطورية، ومنحوا الجنسيّة الرومانيّة لجميع الرعايا. العرب لم يستطيعوا أن يفكّكوا بنية القبيلة ولا بنية العشيرة، ولا البنية المذهبية. لم نقم بأي شيء جذري. o إذاً لا تزال المفاهيم ثابتة، ولم تتحوّل بالمعنى الجوهري للرؤية. n طبعاً، من دون شك. المشكلة في تطبيق النظرية والرؤية. وإلا فكيف نشأ المأمون إذاً؟ كيف أنّ خليفة كالمأمون قرّر أن يترجم الآخر المرفوض كليا؟ كيف نشأ شاعر مثل أبو العلاء المعري أو الراوندي؟ لماذا لم يكن الخلفاء الأمويون مثل عبد الملك بن مروان الذي كان يستقبل شاعرا مسيحيا اسمه الأخطل وهو سكران ويقول له: إذا ما نديمي علّني ثمّ علّني ثلاث زجاجات لهنّ هديرُ خرجتُ أجرّ الذيل مني كأنني عليك أميرَ المؤمنين أميرُ وفي الوقت نفسه قتلوا عمر بن عبد العزيز لأنه كان منفتحاً! ومقابل ذلك كيف لا نجد شاعرا عربيا واحدا كان مؤمناً؟ أي لم يكن هناك سياق تاريخي لمشروع حقيقي تغييري. كان هناك مشروع سلطة وخلافة، كما يقول التراث الإسلامي: المُلك لمَن تغلّب. الخلافة لمن غَلَب. ليست هناك رؤية ثقافية على الإطلاق، بل تناقضات غريبة.