من اريك كيرشباوم هيمنت حوادث الحرق العمد والاحتجاجات ضد اللاجئين الذين وصل عددهم في ألمانيا هذا العام إلى 450 ألفا على عناوين الصحف بينما تواجه البلاد صعوبة لمواجهة تدفق أعداد قياسية من طالبي اللجوء الذين يفرون من الحرب والعنف والجوع. لكن هناك موضوعا صحفيا آخر في ألمانيا لا يحظى بنفس القدر من الاهتمام. إنهم ملايين الألمان الذين يفتحون قلوبهم ومنازلهم لمساعدة جموع الفقراء المرهقين الوافدين من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا من أجل العثور على ملاذ وربما حياة جديدة في بلد لن يتوقف عن محاولة التكفير عن ماضيه النازي. ويمثل التوتر بين رافضي ومساعدي اللاجئين في ألمانيا التي تستقبل منهم أعدادا أكبر من أي دولة أخرى بالاتحاد الأوروبي نموذجا مصغرا للصراعات بشأن هذه القضية التي تثير انقسامات في أوروبا خاصة في كاليه التي تتكرر فيها أعمال العنف. وأصبحت بلدة كيربن مانهايم الألمانية مدينة أشباح إذ هجرهاالسكان بعد أن اشترتها شركة (آر.دابليو.إي) لهدمها من أجل مشروع مستقبلي لحفر منجم مفتوح عمقه 400 متر. لقد تحولت إلى مقر إقامة مؤقت لثمانين لاجىء من الصومال وكوسوفو والبانيا والبوسنة. واستأجرت السلطات المحلية بعضا من المباني المقرر هدمها من شركة (آر.دابليو.إي) لحين الانتهاء من دراسة حالاتهم وهي عملية يمكن أن تستغرق شهورا وربما سنوات. هذا واحد من مجموعة من الحلول المبتكرة التي توصل إليها الألمان لمعالجة أزمة اللاجئين الذين وصل عددهم إلى مثلي ما كانوا عليه العام الماضي وبلغ 200 الف. المهاجمون مقابل المساعدين قال فولفجانج ايسر وهو من الشخصيات العامة في المجتمع الألماني لرويترز في كيربن مانهايم حيث غادر معظم سكان البلدة التي يرجع تاريخها إلى ألف عام ويبلغ عدددهم 1600 نسمة منازلهم بالفعل "دائما ما تحصل الأعداد الصغيرة من المتطرفين الذين يشعلون الحرائق على الاهتمام." وأضاف "لكن الحقيقة أن هناك عددا أكبر كثيرا من الناس في ألمانيا يعملون مقابل مشعلي الحرائق والمحتجين المناهضين للمهاجرين. هناك عدد أكبر كثيرا من الناس في ألمانيا الحريصين على مساعدة اللاجئين." إن ايسر واحد من عدد لا يحصى من المتطوعين الذين لا يحظون باهتمام إعلامي في ألمانيا وهو يجمع قطع الأثاث والملابس والسلع المنزلية التي يتبرع بها مواطنون ألمان لتوزيعها على اللاجئين. كما ينظم ممارسة كرة القدم والرياضات المختلفة للشبان والأطفال من الوافدين الجدد. ويقول "الرياضة هي أفضل وسيلة للاندماج" مشيرا إلى أن بعض المتطوعين يعلمون اللاجئين اللغة الألمانية بينما يساعدهم آخرون في التعامل مع الإجراءات الحكومية الألمانية المعقدة. وتتناقض مشاهد طالبي اللجوء الذين يركبون الدراجات او ينتظرون مرور حافلة في شوارع كيربن مانهايم الخالية مع مشاهد مراكز اللاجئين المحترقة في بلدات مثل تروجليتز ورمشيجن. وهوجم نحو 150 مركز إيواء أنشئت حديثا ولحقت بها تلفيات أو دمرت هذا العام. وعادة ما يقوم المهاجمون الذين عقدوا العزم على الا يحصل اللاجئون على مأوى في أحياء جديدة من بلداتهم بإحراق هذه المراكز. ورسمت شارة النازية على أحد مراكز الإيواء التي أحرقت في فورا. وقال هانز جورج ماسن رئيس جهاز الأمن الداخلي الألماني (بي.إف.في) لرويترز "شهدنا تزايد عدد الهجمات على مساكن اللاجئين بدرجة ملحوظة خلال العام المنصرم ويساورنا قلق من أن يستمر هذا العدد في التزايد." وأضاف "شهدنا أيضا صعودا في الميل للعنف." وقال ماسن إن اليمين المتطرف يحاول تأجيج المخاوف من أن يجتاح الأجانب ألمانيا في محاولة لتحسين فرصه السياسية المتضائلة. وأضاف "شهدنا تراجع متطرفي تيار أقصى اليمين على مدى سنوات" مشيرا إلى أنهم يحاولون استغلال وضع اللاجئين حتى يستعيدوا مكانتهم السياسية مجددا. ألمانيا ملاذ للاجئين اعتادت ألمانيا منذ زمن بعيد الترحيب باللاجئين في إطار تعاملها مع ماضي الرايخ الثالث حين فر نصف مليون من اليهود وغيرهم الذين اضطهدهم النازيون ووجدوا الملاذ في أكثر من 80 دولة. وبعد الحرب العالمية الثانية استقبلت ألمانيا 13 مليون نازح ولاجىء تقريبا فروا من شرق أوروبا إلى الغرب. كما انتقل نحو 1.8 مليون روسي وقازاخستاني من أصول ألمانية إلى ألمانيا منذ التسعينات. وقال رفائيل ماسيمو (18 عاما) وهو واحد من مئات السكان الذين تبقوا في كيربن مانهايم إلى الغرب من كولونيا "قدوم اللاجئين ليس مشكلة. مرحبا بهم جميعا." وأضاف "هناك ما يكفي من المنازل الخالية ويستطيع من يحتاج إلى مكان إقامة أن يأتي الى هنا." وفي الوقت الذي قد يتخذ فيه العداء للاجئين أشكالا كثيرة من إطلاق السباب في وجوههم إلى شكوى ابناء الطبقة المتوسطة من تأثير وجودهم على أسعار المنازل فإن الدعم لهم أيضا يأتي في أشكال عديدة. وقالت هانلوره كرافت رئيسة وزراء ولاية نورد راين فستفاليا إن 150 موظفا حكوميا عادوا من التقاعد للمساعدة في استقرار اللاجئين وحمايتهم. في هانوفر فتح قس شقة صغيرة قرب مكتبه يستخدمها الآن لاجئان من أفغانستان. في برلين استقبل زوجان مسنان رجلا في السابعة والثلاثين من عمره من غانا. أما في ميونيخ أصبح شاب في العشرين من عمره فر من أفغانستان عقب أن قطعت طالبان رأس اخيه حارس شاطىء بعد أن تغلب على خوفه من المياه. مقدمة برامج تلفزيونية تثير جدلا أثارت مقدمة برامج تلفزيونية تحظى بشعبية جدلا عاما ساخنا حول التدفق الكبير للاجئين الى البلاد من خلال دعوتها في وقت ذروة مشاهدة الالمان الى الوقوف في وجه العنصريين الذين يحرضون على العنف ضد القادمين الجدد. ويتوقع أن يصل عدد قياسي يبلغ 450 الفا من اللاجئين الفارين من الصراعات والفقر في الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا الى المانيا هذا العام بارتفاع عن 200 الفا في عام 2014 بما يجبر السلطات والمنظمات الطوعية على تدشين جهد انساني واسع النطاق لاطعامهم وايوائهم. فقد اصطدمت كلمات انجا راسشكه بقناة ايه آر دي التلفزيونية والتي تحث فيها الالمان على تحدي منتقدي الموقف الرسمي الالماني المرحب، بوتر حساس في بلد مازال مطارد بذكريات الاضطهاد النازي وقتل يهود واقليات اخرى. وقالت في تعليقها ليل الاربعاء في برنامج على قناة "إيه آر دي" "هؤلاء الذين يتلفظون بالكراهية يتعين عليهم ان يدركوا ان هذا المجتمع لن يتسامح معها بعد ذلك" في اشارة الى الهجمات عبر الانترنت الى السياسة الالمانية المتعلقة باللاجئين. وكانت المانيا قد شهدت موجة من الهجمات بالحرق على عدد من نزل اللاجئين. وكان هناك اكثر من 20 الف تعليق على مواقع الاعلام الاجتماعي وبينما ايدها الكثير فقد انتقدها البعض. وتتسم ألمانيا بتقليد طويل من الترحيب باللاجئين في جانب منه ردا على ماضيها المتعلق بالرايخ الثالث عندما فر 500 الف من اليهود وغيرهم بسبب اضطهاد النازيين. ووجدوا ملجأ في أكثر من 80 بلدا. وبعد الحرب العالمية الثانية أخذت ألمانيا نحو 13 مليون شخص من المشردين واللاجئين الذين فروا غربا من أوروبا الشرقية. وانتقل 1.8 مليونا ينحدرون من اصول ألمانية كذلك من روسيا وكازاخستان إلى ألمانيا منذ عام 1990. من ميشيل كامباس لاجئون يهللون ويسجدون ويعانقون الغرباء بعد وصولهم اليونان خاض الرجل الذي ارتدى قميصا أحمر اللون مرقطا بالأبيض في المياه بحذر حاملا طفله الرضيع.. بعد ثوان من خلعه سترة النجاة التي يرتديها عانق اللاجيء السوري مصطفى محمد أول شخص التقاه في اليونان. يقع هذا الشاطىء في جزيرة ليسبوس بشمال اليونان على مسافة ساعتين بالبحر من السواحل الغربية لتركيا وقد أصبح البوابة الرئيسية لدخول الاتحاد الأوروبي التي يقصدها اللاجئون الذين يفرون من الصراع في سوريا ومن الشرق الأوسط بوجه عام. صاح آخرون في القارب المطاطي الأبيض وهللوا حين وصلوا الى الشاطىء. سجد رجلان على صخور الشاطىء شكرا. التقطت امرأة محجبة حصاة وقذفتها في البحر. يقول مصورو رويترز الذين كانوا في الجزيرة إنهم في غضون ساعة اليوم الخميس شاهدوا وصول قاربين يحملان لاجئين الى الأراضي اليونانية وكان أحدهما يحمل قرابة 40 سوريا بينما حمل الآخر عددا مماثلا من الأفغان. إنهم ضمن عشرات الآلاف الذين دخلوا اليونان بطرق غير مشروعة منذ بداية العام فيما وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الانسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وقال شاب عمره 26 عاما سافر بصحبة اخته الصغيرة «لا يهمني الى أين أذهب. أنا سعيد لخروجي من سوريا وحسب. نستحق جميعا الحياة.» وأضاف الشاب الذي اكتفى بذكر المقطع الأول من اسمه وهو عيسى ويعمل حلاقا«مازال والداي في حمص» وهي المدينة التي دمرتها الحرب وشهدت بعضا من أشرس المعارك خلال الصراع السوري. وطبقا لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين استقبلت اليونان اكثر من 107 آلاف لاجىء ومهاجر هذا العام اي اكثر من مثلي من استقبلتهم عام 2014 وبلغ عددهم 43500. ووفقا لما جاء في روايات عدة أشخاص بمراكز الاستقبال في الجزيرة ينتظرون الأوراق اللازمة للانتقال الى دول أوروبية أخرى فإن القوارب هي وسيلة النقل الرئيسية عبر مضيق بحري طوله 20 كيلومترا بين تركيا وليسبوس. ويشهد على ذلك طريق ترابي بين منطقتي ميثيمنا وسكالا سيكامينياس في شمال ليسبوس. تتناثر فيه بقايا القوارب المطاطية وسترات النجاة التي ألقيت على الشاطىء. وتتمزق القوارب لدى وصول اللاجئين الى اليابسة. بالنسبة للقاربين اللذين وصلا اليوم وفي غضون دقائق وصل رجال في شاحنات صغيرة الى المنطقة ليحملوا ما يمكن أن يستفيدوا منه مثل المحركات والقواعد المصنوعة من الخشب والفايبرجلاس التي توضع في قاع القارب. ويقول مراقبون إن تدفق اللاجئين يصل الى 250 يوميا في المتوسط. وينجح البعض في الوصول الى المتطوعين الذين يعدون الترتيبات لإطعامهم ونقلهم بحافلات الى ميتيليني المدينة الرئيسية بالجزيرة حيث يتم اصطحابهم الى مراكز الاستقبال لتحديد هوياتهم. ويهيم آخرون على وجوههم فيسلكون الطريق الترابي ليصلوا الى أقرب منطقة مأهولة على بعد نحو عشرة كيلومترات. مع أن مصطفى محمد مازال مبتهجا لكنه يبدو حائرا ويتساءل قبل أن يتبع بقية اللاجئين الذين اتجهوا لصعود جبل «الى أين أذهب الآن؟».