اتفاقية تتبع انتشار البناء غير القانوني ودور الصفيح ببعض المدن وضواحيها ، والتي وقعتها وزارة الداخلية مع المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي، تحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل وتحليل، تحتاج إلى غير قليل من التمحيص وقراءة ماوراء بنود الاتفاقية. فهل هي إعلان رسمي لفشل وزارة الداخلية بمقدميها وشيوخها وقيادها في محاربة البناء العشوائي وفشل الوكالات الحضرية وشرطة التعمير بالجماعات المحلية ، أم هو إعلان رسمي عن سلطة رقابية عن طريق الفضاء لكشف المتورطين في ملف ما أكثر ما تغنى المسؤولون بمواجهته؟! لنعد إلى شهر أكتوبر من سنة 2005 ، التاريخ الذي أعلن فيه عن انطلاق استعمال صور الأقمار الاصطناعية في تتبع ومراقبة انتشار السكن الصفيحي لتمكين المسؤولين من تتبع التطور الأفقي لمدن الصفيح داخل التجمعات السكنية المعنية ببرنامج مدن بدون صفيح في أفق 2010، حيث بشرنا وقتها كل من السيد الوزير المنتدب المكلف بالإسكان والتعمير والسيد مدير المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي بتتبع تطور البناء العشوائي سنة بسنة على مدى سبع سنوات وحددا تاريخا يمتد بين 2005 و 2011 ! مرت سنة 2010 ومدن الصفيح مازالت تغزو مجالاتنا وحلت سنة 2011 ولم نرصد تقريرا مفصلا دقيقا بالمناطق التي استشعر فيها البناء العشوائي والذي تنامى وسط مدننا بشكل فظيع ، ولنا أمثلة دقيقة على ذلك.. اللهم ما صرح به وزير الداخلية السنة الماضية من أن لجان التفتيش وقفت اعتمادا على الصور الفضائية، على مجموعة من البنايات غير القانونية شيدت خلال سنتي 2008 و 2009 بكل من مدن الدارالبيضاء، الرباط، الصخيرات تمارة، سلا، مكناس، فاس، مراكش، أكادير وطنجة ، مضيفا أنه تم اتخاذ إجراءات تأديبية في حق بعض رجال وأعوان السلطة ولم يحدد طبيعة باقي الإجراءات مادام البناء العشوائي مازال يتناسل يوما بعد يوم. لنعد إلى الوراء قليلا أيضا ، لكن هذه المرة إلى شهر يونيو من السنة الماضية، عندما كشف الطيب الشرقاوي وزير الداخلية أن المفتشية العامة للإدارة الترابية قامت خلال الستة أشهر الأولى من السنة الماضية ، بإيفاد ما يناهز 40 لجنة تفتيش لمجموعة من الجماعات المحلية وقفت على العديد من الخروقات في ميدان التعمير، ومن بين هذه الخروقات تسليم ترخيص البناء دون احترام المساطر القانونية، وتحويل استعمال مخازن في المناطق الفلاحية والقروية إلى أنشطة صناعية وتجارية غير مرخصة، وتسليم تراخيص الإصلاح التي تستعمل في غالب الأحيان لإنشاء بنايات غير قانونية، وإحداث تجزئات خارج الإطار القانوني، إضافة إلى تقاعس بعض المصالح المكلفة بالمراقبة عن القيام بالدور المنوط بها في مراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء . نتساءل عن دور هذه اللجن وصور الاستشعار الفضائي في تناسل البناء العشوائي بكل من دوار أولاد هرس بمقاطعة الصخور السوداء بالدارالبيضاء وبحي سيدي بابا والزرهونية ووجه عروس بمكناس ودورها في «عدم كشف» بناء عشوائي مغلف بقانون مفترى عليه بالسعيدية، نتساءل عن مآل من يمزج بين الرشوائية والعشوائية على امتداد الوطن! فهل سيحد الاستشعار الفضائي من وتيرة البناء الرشوائي ؟ ذلك ماستبينه لنا الأيام في القريب العاجل...