لولا تأييد الزعيم الايراني الأعلى آية الله علي خامنئي الذي نحى جانبا شكوكه العميقة في الولاياتالمتحدة من أجل إنهاء عزلة ايران المستمرة منذ عشرات السنين، لما توصلت إيران والغرب إلى اتفاقهما النووي أمس الثلاثاء. فقد اتفقت ايران والقوى العالمية أمس الثلاثاء على تخفيف العقوبات المفروضة على طهران، مقابل تقييد برنامجها النووي لتضع نهاية لاثني عشر عاما من سياسة حافة الهاوية والتهديدات والمواجهات في تلك القضية. وأفاد دبلوماسيون، أمس الثلاثاء، أن إيران والقوى العالمية الست الكبرى توصلتا، في ختام مفاوضات فيينا، إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني. وأكد الدبلوماسيون للصحافة أنه تم التوصل إلى الاتفاق في ختام 21 شهرا من المفاوضات وجولة نهائية استمرت أكثر من 17 يوما في فيينا لإغلاق هذا الملف الذي يثير توترا في العلاقات الدبلوماسية منذ 12 عاما. وأضافوا أن إيران قبلت، بموجب هذا الاتفاق، الانصياع لخطة تقضي بعودة سريعة للعقوبات خلال 65 يوما إذا لم تلتزم باتفاقها مع القوى العالمية الست للحد من برنامجها النووي. وذكروا أن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأممالمتحدة على إيران سيستمر بموجب الاتفاق النووي خمس سنوات، بينما سيستمر الحظر على الصواريخ ثماني سنوات. ويقضي هذا الاتفاق برفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة على إيران مقابل موافقتها على فرض قيود طويلة المدى على برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب بأنه يهدف إلى صنع قنبلة ذرية. وقد جاء رد فعل إسرائيل سريعا على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو الذي وصف الاتفاق ب»الخطأ التاريخي»، وقال إنه سيبذل قصارى جهده لعرقلة طموحات إيران النووية. يشار إلى أن القوى الست (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولاياتالمتحدة) كانت ممثلة بوزراء خارجيتها خلال هذه المفاوضات التي احتضنت أشواطها الأخيرة فيينا. وقاد الرئيس حسن روحاني الذي انتخب عام 2013 المساعي الرامية لتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف. لكن خامنئي (75 عاما) له الكلمة الأخيرة في الجمهورية الاسلامية وقد منح روحاني غطاء سياسيا شديد الأهمية لمواصلة مسيرة المحادثات الطويلة الشاقة التي تتعارض مع مصالح خصومه الأقوياء على المسرح السياسي الداخلي. وبدا أنه لم يحتضن عملية التفاوض مع القوى العالمية إلا بحذر وتدخل كثيرا ليرسم خطوطا حمراء في خطبه العامة بدا أنها تلزم المفاوضين بمواقف متشددة في بعض من أكثر القضايا تعقيدا. وفي أواخر الشهر الماضي ومع دخول المحادثات مرحلتها النهائية، قال إن ايران لن تسمح للمفتشين بإجراء مقابلات مع العلماء النوويين، وطالب برفع العقوبات بمجرد التوصل إلى اتفاق وكلها مواقف غير مقبولة للقوى الغربية. غير أنه سمح في النهاية للمفاوضين الايرانيين بإبرام اتفاق يسمح للمفتشين بصلاحيات واسعة للتفتيش على المنشآت النووية الايرانية، ولن ترفع العقوبات بمقتضاه قبل مرور عدة أشهر. وخلال هذه العملية تبنى خامنئي فكرة «اقتصاد المقاومة» فأصر على أن إيران لا تحتاج لاتفاق، ولن تقدم تنازلات مهينة للولايات المتحدة التي كثيرا ما أشار إليها بقوله «الشيطان الأكبر». كما أبدى شكوكه في دوافع واشنطن ولمح إلى أنها لفقت ما تردد عن بعد عسكري للبرنامج النووي الايراني افتراء على طهران. ففي أبريل الماضي قال خامنئي «ابتكروا أسطورة الأسلحة النووية حتى يمكنهم القول إن الجمهورية الاسلامية مصدر تهديد. كلا بل إن مصدر التهديد هو أمريكا ذاتها بتدخلاتها المنفلتة المخلة بالاستقرار». وكانت الرسالة الموجهة للمتشددين جلية مفادها أن إيران تتفاوض وعيونها مفتوحة ولن تقبل إلا صفقة في مصلحتها، وأنها لن تتخلى عن هدفها في مقاومة الهيمنة الأمريكية. وهذا يعكس السنوات التأسيسية لخامنئي قبل ثورة 1979 في ذروة التدخل الغربي في الشؤون الداخلية لإيران واحتياجه لاستيعاب الفصائل المحافظة ذات النفوذ القوي في الحياة السياسية بإيران.