تم مساء الجمعة الماضية بفاس تقديم العرض ما قبل الأول للفيلم المغربي الوثائقي الطويل " ورثة لوميير " الذي أخرجه بوشتى المشروح الذي اقتفى فيه آثار البدايات الأولى للسينما بالمغرب سواء من خلال التصوير أو العرض . ويكشف هذا الفيلم الوثائقي الطويل ( 100 دقيقة ) الذي تم عرضه بسينما بوجلود التاريخية بقلب المدينة العتيقة بفاس بحضور العديد من الفنانين والنقاد والمشتغلين بالمجال الفني وبالسينما على وجه الخصوص عن مجموعة من المعطيات التي تتحدث عن البدايات الأولى لظهور السينما بالمغرب والتي أرجعتها العديد من الأسماء التي حاورها مخرج هذا الفيلم إلى سنة 1901 كأول ظهور لمؤثرات سينمائية من طرف بعض الأجانب الذين قاموا بإدخال بعض معدات العرض السينمائي كما صوروا بعض اللقطات بعدة مدن خصوصا بالرباط وفاس . وإلى جانب توثيقه للبدايات الأولى للسينما يسلط هذا العمل الوثائقي الذي استغرق إنجازه ثلاث سنوات الضوء على فئة من التقنيين والمستخدمين الذين اشتغلوا ببعض القاعات السينمائية بفاس والذين تعرضوا للضياع والتشرد بعد الإغلاق المتواتر لمجموعة من القاعات السينمائية التي كانت معروفة بفاس كالعشابين وبوجلود وأبولو والريكس وبيجو ولاسطور وغيرها . وخصص مخرج الفيلم الوثائقي بوشتى المشروح الجزء الأكبر من عمله الإبداعي للحديث عن القاعات السينمائية التي كانت موجودة بفاس وتتبع مسارات مستخدميها (ورثة لوميير) وما آل إليه وضعهم في العقدين الأخيرين بعد أن اندثرت هذه القاعات أو تحولت إلى فضاءات لأنشطة أخرى خصوصا منها التجارة ( بيع الملابس والأدوات المنزلية وأدوات التجميل ) . كما يقدم الفيلم شهادات لبعض هؤلاء المستخدمين ومنهم تقنيون وأشخاص ارتبطت حياتهم بهذه الفضاءات كبائعي المرطبات والمشروبات والمكلفين بالشبابيك أو بالحراسة وغيرهم والذين استعرضوا بلغة صادمة واقعهم المزري بعد أن تعرضوا للتشرد إثر بيع أو إغلاق أو انهيار القاعات السينمائية التي كانت تشكل مصدر دخلهم الوحيد . وتحدثوا بنوستالجيا رهيبة عما سموه ب ( أيام العز ) حين كان هواة ومحبو الفن السابع يتقاطرون على قاعات العرض بأعداد كبيرة غالبا ما كانت مقاعد هذه الفضاءات لا تسعها مستحضرين ( الزحام ) الذي كان يميز أبواب الدخول والنزاعات والصراعات والملاسنات التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى . كما أفردوا حيزا هاما في حديثهم للبدايات الأولى لنهاية حلم الازدهار والتي كانت ملامحها الأولى غزو التقنيات الجديدة من حواسيب وفيديوهات وأقراص مدمجة والتي ساهمت إلى جانب عوامل أخرى في أفول نجم القاعات السينمائية ومعها تشرد وضياع فئة كبيرة من المستخدمين الذين لا يزالون يعيشون على أمل عودة التوهج للقاعات السينمائية ولمهنهم التي خبروها لعقود طويلة . وكانت أقوى لحظات هذا الحفل هي الشهادة التي قدمها قبل عرض الفيلم الوثائقي السيد أحمد الوزاني الذي ازداد سنة 1916 ويعد أحد الذين اشتغلوا في القاعات السينمائية منذ طفولته . وقدم هذا الشيخ شهادة مؤثرة تضمنت معلومات وطرائف عن اشتغاله بمجموعة من القاعات السينمائية بفاس كالعشابين وبوجلود والريكس ولاسطور وغيرها مستعرضا أسماء وعناوين مجموعة من الأفلام التي كانت تقدمها بعض القاعات السينمائية بفاس خاصة من السينما المصرية قبل أن تغزو السينما الهندية والأوربية والأمريكية قاعات العرض . وسبق للمخرج بوشتى المشروح ( 39 سنة ) الباحث في التاريخ أن قام بإخراج مجموعة من الأفلام القصيرة كما استفاد من عدة دورات تكوينية وتدريبية في كتابة السيناريو والإخراج وتقنيات سينمائية أخرى . واحتك بوشتى المشروح بمخرجين متمكنين ( أحمد المعنوني وجمال بلمجدوب ...) كما اشتغل كمتدرب ومساعد مخرج في معظم الأفلام السينمائية والتلفزيونية الروائية والوثائقية التي أبدعها المخرج عز العرب العلوي . وساهم في تأطير مجموعة من الورشات التكوينية في العديد من المهرجانات والتظاهرات السينمائية المغربية إلى جانب ترؤسه للجنتي تحكيم الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للشريط الوثائقي التربوي بخريبكة والدورة الثالثة لتظاهرة الشريط القصير والصورة الفتوغرافية بالرشيدية سنة 2014.