ترسيخ "مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص" و"الجودة للجميع" و"الارتقاء الفردي المجتمعي",أهم الرهانات الكبرى للرِِؤية الاستراتيجية للإصلاح التي قدمها عمر عزيمان في تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أمام الملك ,يوم الاربعاء 20ماي 2015 بالقصر الملكي بالبيضاْء,أوضح فيه الخطوط العريضة لرؤية المجلس لإصلاح المدرسة المغربية,التي أضحت إشكالية مجتمعية وطنية تعيق التنمية ببلادنا وتحدث اختلالات اجتماعية بنيوية في النسيج المغربي. لتحقيق هذه الرهانات, رسم مجلس عزيمان سبلا لتطبيق هذه الرؤية ترتكز بالنسبة لمدرسة "الإنصاف وتكافؤ الفرص" على تحقيق مجموعة من القطائع والتغييرات الهادفة الى تعميم أولي الزامي ,إعمال تمييز ايجابي لفائدة المدرسة القروية ومحاربة الانقطاع الدراسي والتكرار وضمان ولوج الاطفال في وضعية إعاقة للتربية وارجاع الثقة والرفع من قدرة المدرسة على التفاعل مع محيطها . وتتحقق الركيزة الثانية التي يستهدفها المجلس وهي "مدرسة الجودة للجميع" بمجموعة من السياسات المجددة، تروم إعادة التفكير في تأهيل مهن التعليم، وإعادة النظر في التنظيم, وبوجه خاص في الطرائق البيداغوجية، وفي البرامج، وتوضيح الخيارات اللغوية، وإرساء حكامة جديدة، والارتقاء بالبحث العلمي والابتكار. أما "الاندماج الفردي والارتقاء المجتمعي"،فقال رئيس المجلس إن تحقيقه يظل رهينا باعتماد سياسات مركبة، تصب جميعها في اتجاه تفتح تلاميذ وطلبة المنظومة التربوية، واندماجهم الفعال في مجتمع المواطنة والديمقراطية والسلوك المدني، وفي الاقتصاد وسوق الشغل، وإسهامهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، وفي ترسيخ مجتمع المعرفة. عزيمان أشار إلى أن التوفر على رؤية فقط لا يمكن ان يرفع التحديات؛ وقال إن من الضروري أن تتضمن الرؤية مستلزمات التفعيل الأمثل الذي يتعلق بشروط إنجاح الإصلاح وقيادة التغيير، وذلك عبر تعبئة شاملة تضع الإصلاح في قلب انشغال الأمة، وإرساء آليات وموارد وتدابير مبتكرة كفيلة بالمزاوجة بين ضمان اضطلاع المدرسة بمسؤوليتها ووظائفها على النحو الأمثل، وبتتبع وتقييم أي اختلالات قد تعتري تطبيق رافعات التغيير. و لربح هذه الرهانات، يقول عمر عزيمان، يتعين إعادة التفكير في التكوين و التأهيل في مهن التدريس" و "إعادة النظر في المناهج البيداغوجية ومراجعة البرامج و توضيح الاختيارات اللغوية" و "إقامة حكامة جيدة والنهوض بالبحث العلمي و الابتكار".و هو رهين أيضا بتعبئة مجتمعية شاملة وإرساء آليات مجددة من شأنها تمكين المدرسة من أداء مهامها في أحسن الظروف، وضمان تتبع وتقييم مختلف اختلالات دعامات الإصلاح والقيام بالتصحيح والتقويم اللازمين في الوقت المناسب. وأشار إلى أن إشكالية التعليم الإلزامي، والنسبة المرتفعة للهدر المدرسي، وضعف مكتسبات التلاميذ، والنقص في تكوين المدرسين، والولوج المحدود للتعلم بواسطة التكنولوجيا الجديدة، وتعثر الحكامة، وضعف مردودية البحث، تشكل جميعها أساس قصور نظام التربية والتكوين. وكانت رحمة بورقية، عضو المجلس الأعلى للتعليم، قد أشارت في ندوة سابقة إلى أن الانقطاع الدراسي قبل إنهاء التعليم الابتدائي سجل أزيد من 3 ملايين منقطع، ومليون و300 ألف منقطع قبل استكمال التعليم التأهيلي، أي بما مجموعه 5 ملايين منقطع. وأكدت بورقية أن هناك تفاوتا في التعليم بين جهات المملكة، إضافة إلى اللاتكافؤ واللامساواة. و أن المدرسة لم تصب في قلب الاهتمامات الوطنية والمحلية، علاوة على وجود عدة اختلالات شابت منظومة التعليم. وأشارت إلى أن من بين ما سجلته نتائج الدراسات الوطنية والدولية ضعف التحصيل الدراسي في المواد العلمية واللغات. جدل اللغات والاختصاصات لم يكن تقديم التقرير الاستراتيجي حول وضعية التعليم بالمغرب من طرف المجلس الأعلى للتعليم أمام الملك في وقته المحدد بالأمر الهين على مجلس عزيمان ,الذي كان يشهد احتداما في النقاش واحتجاجات واسعة حول اللغات و التوصيات و اختصاصات الحكومة والمجلس. حيث انبرى طرف يدعو إلى إقرار اللغة العربية في الجامعات المغربية "وعدم الاقتصار عليها فقط في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ". و طرف آخر يدافع بقوة على الاحتفاظ باللغة الفرنسية كلغة للتدريس داخل الجامعات الخاصة، وهناك أصوات كثيرة طالبت بإقرار اللغة الانجليزية بدل الفرنسية، في حين أطراف أخرى اقترحت أن لا يكون تعليم اللغة الأمازيغية إلزاميا بل "يجب أن يكون اختياريا." كما احتدم الجدال حول اختصاصات الحكومة واختصاصات المجلس، ففي الوقت الذي يدافع فيه بعض الأعضاء على أن يتولى المجلس القضايا الديداكتيكية المرتبطة مباشرة بالتعليم, رفض تيار آخر هذا التوجه، على اعتبار أن المجلس عليه أن ينظر في قضايا استراتيجية. هذا النقاش فجره عزيمان خلال الندوة التي عقدها لتقديم التقرير التقييمي لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛ حيث أكد أن المجلس دائما يراعي اتخاذ قرارته بالأغلبية الساحقة للأعضاء؛ إلا أنه سيلجأ إلى التصويت عند الحاجة إلى ذلك بخصوص الحسم في المسألة اللغوية او في غيرها من القضايا؛ حسب ما يقتضي القانون الذي ينص على أن الجمع العام يتخذ قرارته بالتصويت. رأي عزيمان اثارنقاشا حول آلية التصويت وجدواها في قرارات كبرى واستراتيجية. حيث هناك من اعتبر أن اللجوء إلى التصويت لحَسم المسائل الخِلافية، مسألة لا اعتراضَ عليها من حيث المبدأ، لأنه الحلُّ المعمول به ديموقراطياً، لكن تطبيق هذا المبدأ يقتضي أن تكون قواعد اللعبة الانتخابية صحيحة وسليمة من البداية إلى النهاية وفي كل مراحلها، وليس في جزءٍ منها فقط. وتوضيح المعايير التي يتم بها اختيارُ الكُتلة المُنتَخِبة، أي مجموع الأشخاص الذين يشاركون في التصويت على قرار مصيري من حجم البتِّ في لغة التدريس بالبلاد وغيره من القرارات المصيرية الأخرى، على أساس ديموقراطي صحيح وشَفّافٍ؟ وهل الأغلبية المُهيمِنة على المجلس تُمثِّل الشعب المغربي حقَّ تمثيل وتُعبِّر عن رأيه خيرَ تعبير ؟ رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي انتقد هذا الاختيار؛ ذاهبا إلى أن التصويت على قضايا تهم مضمون التقرير الاستراتيجي سيكون منطقا كارثيا لأنه يحمل فهما ضيقا للديمقراطية وللمهمة الاستراتيجية للمجلس. واستحضر بوعلي ما سبق التأكيد عليه من قبل الائتلاف بخصوص غياب تمثيلية الهيئات الاجتماعية والعلمية الوازنة في المجلس، وحضور بعض الأشخاص الذين اعترض عليهم منذ البداية لعدم أهليتهم للحديث في موضوع التعليم, فبالأحرى تحديد مصير الوطن الفكري والتربوي, وحسبه, فإنه بالنظر إلى كون المجلس ليس مؤسسة منتخبة؛ فإن اللجوء إلى التصويت معناه فشل المجلس وعدم قدرته على تمثيل المجتمع المغربي والخروج بتوافقات استراتيجية تنزل مقتضيات النص الدستوري والتراكمات المجتمعية. عبد الحميد عقار، الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب، قدم عرضا حول أهم التعديلات التي سيتم إدخالها على التقرير، وفقا لما تم الاتفاق عليه ، لكن الإسلاميين احتجوا على عدم تضمين ملاحظاتهم ضمن التعديلات، فرد عزيمان طالبا من أعضاء المجلس "المصادقة مبدئيا على التقرير"، مؤكدا أنه سيحرص "شخصيا على متابعة إدخال التعديلات." عزيمان رفض أي تأخير يحرجه مع الملك، وقال: "لا تحرجوني، لقد التزمت بأجندة وعلي أن أفي بها، ولا يجب أن يظهر المجلس كأنه غير جدي"، وقال: "ألتزم بكلمة شرف بأن أعمل على إدخال التعديلات فيما بعد إذا صادقتم على الخطة مبدئيا"، لكنه أوضح أنه لن يقبل التعديلات التي تمس التوجهات الكبرى التي وافق عليها المجلس. التقرير الذي قدمه عزيمان, شرح وضعية المدرسة المغربية ووقف على مكامن الضعف والتردي فيها , ورسم الخطوط العريضة لإصلاح تعليمي يصبو الجودة وتكافؤ الفرص والارتقاء المجتمعي, قد يرى النور أو قد يصيبه ما أصاب الخطة الوطنية للتقويم ,مما يدفعنا لطرح السؤال الذي سئمنا تكراره,هل ستتوفر الإرادة السياسية الصادقة لتحقيق الاستراتيجية وتنفيذ عمل المجلس, أم سيتم التكالب عليها وإفشالها كسالفاتها . من جانبه, جدد رشيد بلمختار, التزام وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من أجل التفعيل الأمثل لتوصيات تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي, مؤكدا استعداد وزارته للعمل من أجل تقويم الاختلالات وبناء مدرسة مغربية في مستوى انتظارات وتطلعات المغرب، في انسجام تام مع التوجيهات الملكية المتضمنة في الخطاب التاريخي ل20 غشت 2013.