العمل النقابي منتوج فكري تواصلي و تأطيري يهدف بالأساس إلى الرفع من سقف الوعي لدى الشغيلة بصفة عامة ولدى الطبقة العاملة بصفة خاصة، لتأهيلها للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية. والعمل النقابي كما مورس في سنوات العقود الماضية كان يحظى برواج تسويقي أخرجه باستمرار من الركود والرتابة، والملل والإحباط والنفور إلى الحركية والتجدد والنشاط والحماس والإقبال. فإلى تاريخ التحاق جيلنا بالعمل النقابي في أواخر السبعينيات كان النضال النقابي يعرف نوعا من الماركوتينغ الجيد، سواء من خلال إغراق الشوارع الرئيسية والساحات العمومية وواجهات المعامل بملصقات فاتح ماي بحماس منقطع النظير. فترى المناضلات والمناضلين يتسابقون على تسجيل أسمائهم في إحدى اللجان الوظيفية المكلفة بالإعداد الجيد لإنجاح الاحتفال بعيد الشغل. كما ترى الناس ينتظرون المسيرة العمالية ليشاركوها الفرح. تكون الجماهير الغفيرة مصطفة في جوانب الشوارع تنتظر مرور مسيرة فاتح ماي الطويلة والمنظمة والمغطاة باللافتات المتضمنة لتعابير متعددة (وتعددية) ومستنكرة لشتى أشكال الاستغلال والظلم والقهر. تمتزج هتافات المتظاهرين بزغاريد النساء وتعابير الفرح. كما كان العمل النقابي يعرف تسويقا مهما من خلال تغطية السبورات النقابية بالبلاغات والبيانات المركزية والمحلية، بالمؤسسات العمومية ومؤسسات القطاع الخاص رغم الحصار الذي كان مضروبا على السبورة النقابية آنذاك. كما أن تسويق العمل النقابي كان يتم من خلال عقد جموع عامة للمنخرطين تؤطر من طرف مناضلين قياديين يتكلفون بتفسير وتحليل الوضع النقابي المغربي وعلاقته بالاختلالات الاقتصادية والمالية والادارية. وكذا الدور المنوط بالمناضلين والمناضلات من أجل ربح رهان الحرية النقابية كبوابة لإقرار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان العمل النقابي يعرف ديناميكية مهمة جدا من خلال عقد مجالس الفروع بشكل دوري وتنظيمي الهدف منها الحفاظ على البنية التنظيمية المرتكزة أساسا على لجنة المؤسسة، باعتبارها النواة الصلبة الضامنة لدوام البناء النقابي. كان العمل النقابي يسوق أيضا من خلال البرامج التكوينية والإشعاعية التي يتم تسطيرها وتنفيذها من طرف مكاتب الفروع ومكاتب الاتحادات المحلية. كانت النقاشات التي تدور داخل النقابة عميقة والاختلافات قوية تصل حد المشاجرة. لكنها كانت هادفة ومثمرة تصب كلها في تقوية الإيمان بالعمل النقابي كآلية لا غنى عنها في انتزاع الحقوق ورفع المظالم. كانت المقرات النقابية تعج وتكاد تنفجر من كثرة عدد الحاضرين من أوساط الشغيلة من مختلف الأعمار، في اللقاءات التعبوية للإضرابات سواء العامة أو القطاعية. كان مجرد تصريح مسؤول نقابي مثلا يربك المسؤولين القائمين عن الشأن العام، تتناوله الصحف بالجدية اللازمة وتتداوله الأوساط العمالية في ما بينها باهتمام كبير وترقب حذر. كانت النقابة المكافحة وكان الماركوتينغ الجيد، لكن الذي أغفلته النقابة كواحد من مهامها الجوهرية هو الجانب التعاضدي في العمل النقابي. لأن هذا الجانب التعاضدي هو وحده الكفيل بمحاربة الهدر النقابي. فلو قامت النقابة بالأمس بواجبها كاملا في توعية الشغيلة بالدور التعاضدي للعمل النقابي لما تنكر اليوم كل من تحسنت أوضاعهم المادية (بفضل النقابة طبعا) لكل تضحيات الأمس. ولكي تقطع النقابة اليوم مع أساليب افتعال الحجة والسبب للتعامل الانتهازي مع العمل النقابي، الذي ينتهي حتما كما انتهى في السنوات الأخيرة إلى الهدر النقابي، لابد من بذل مجهود كبير في اتجاه تربية جيل جديد (وسط الشغيلة) من النساء والرجال بعقلية جديدة وثقافة جديدة تتماشى مع المطالب الجديدة والانتظارات الجديدة والحاجيات الجديدة. فالمعول عليه اليوم هو الشباب العامل. ومن ثم بات من الضروري إشراكه في صياغة أي دفتر مطلبي مستقبلي واستشارته بطرق تواصلية جديدة ، في رسم أية استراتيجية لأي عمل نقابي جيد، وذلك بهدف استثمار إمكانياته الفكرية وقدراته التواصلية والتعبوية. فلنفكر جميعا في الماركوتينغ النقابي الذي يعيد للعمل النقابي عافيته وللنضال جاذبيته، علما بأن هذا الأمر رهين بتوفير مناخ نقابي نظيف بعيدا تماما عن الارتزاق والتسول النقابيين.