تحتفل الشغيلة التمريضية عبر العالم غدا الثلاثاء، بفعاليات اليوم العالمي للتمريض، الذي يعد مناسبة يتم خلالها القيام بحملات للتوعية بأهمية المهنة ودورها في مساعدة المرضى، وإبراز المجهودات التي يقوم بها الممرضون والممرضات، وكذا الوقوف عند الصعوبات والتحديات التي تواجه مهنة التمريض على المستوى العالمي. المغرب يخلد بدوره هذا الحدث العالمي لكن في أجواء متوترة يطبعها الاحتقان بين المهنيين والوزارة الوصية، وذلك على أصعدة متعددة، سواء تعلق الأمر بالإشكال القانوني، إذ وبعد مرور أكثر من خمسين سنة من وجود قانون فريد ووحيد ينظم مهنة التمريض بالمغرب، والذي يعود لفترة الاستعمار وبداية الاستقلال، تم مطلع السنة الجارية تقديم مشروع قانون رقم 43.13 يتعلق يمزاولة مهن التمريض، لكنه هو الآخر عرف انتقادات عدة، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وينضاف إلى قائمة الانتقادات عدم الاستجابة للملف المطلبي، مشكل التقاعد، التكوين والتوظيف، وأفواج العاطلين الذين لم يجدوا سبيلا للإدماج ... وغيرها من القضايا التي نقف عند بعض عناوينها في ملف هذا الأسبوع... { كيف هي وضعية مهنة التمريض والممرض في المغرب؟ أولا و قبل البداية ، أود أن أتوجه بالشكر الجزيل باسم الممرضين لجريدة الاتحاد الاشتراكي التي نعتبرها جريدة الشعب ولسان حال المجتمع المغربي، على اهتمامها الدائم النوعي والمتميز بقضايا قطاع الصحة بصفة عامة و قضايا الممرض المغربي الذي يعد الركيزة الأساسية في المنظومة الصحية ويلعب أدوارا محورية في تقديم الخدمات الصحية والعلاجية والحفاظ على الصحة العامة والوقاية الصحية. لكنه للأسف الشديد ظل يعاني التهميش والإقصاء ولم تحدد الأدوار الرسمية المنوطة به إلا في سنة 2015، أي بموجب قانون 13-43 الذي صادق عليه المجلس الحكومي والذي نسخ بالتالي مقتضيات فصول مبهمة تعود إلى 1960. { كم يبلغ عدد الممرضين مقارنة بأعداد المواطنين، وهل يعتبر كافيا؟ حسب آخر الإحصائيات التي نشرتها وزارة الصحة، فعدد الممرضين يبلغ حوالي 32 ألف ممرض موزعين على 21 تخصصا في التمريض، أي بمعدل 0.008 لكل مواطن، أو 8 ممرضين لكل 10000 مواطن، وهو رقم جد ضعيف بالمقارنة أولا مع توصيات وتوجيهات المنظمة العالمية للصحة، وثانيا بالمقارنة مع الدول المجاورة لنا بالمنطقة، فتونس على سبيل المثال يصل فيها المعدل إلى 1 ممرض لكل ألف مواطن. من جهتها وزارة الصحة تعترف في كل خرجاتها بالنقص الحاد والمهول في الموارد البشرية خاصة في فئة الممرضين، إذ تعتبر أن النقص يصل إلى 9000 ممرض وممرضة، بينما تقدر جهات أخرى النقص الحاصل في أكثر من 15 ألف ممرض. هذا النقص الخطير لا يتماشى في وجهة نظرنا مع سياسة التوظيف التي تنهجها الوزارة الوصية حيث مناصب التوظيف تعد بالعدد القليل، إذ لاتتجاوز 1400 منصب لتوظيف الممرضين بأسلاك وزارة الصحة، الشيء الذي لا يمكّن حتى من سد الخصاص من المتقاعدين سنويا، ناهيك عن إيجاد عدد كاف لرفع ضغط العمل ومشاقه الضخمة على الممرضين. { ما هي الأخطار المهنية التي يجد الممرضون أنفسهم عرضة لها أثناء المزاولة؟ الاشتغال والعمل في مجال التمريض يعرض صاحبه للعديد من الأخطار المهنية، أولها المرتبط بتغير الساعة البيولوجية ، حيث ساعات النوم تتغير ومواعيد الأكل تتحول رأسا على عقب، مما قد يؤثر على مردوديته وأدائه، ينضاف إلى ذلك ضغط العمل الذي يعد كذلك من المخاطر سيما ما ينتج عنه من انعكاسات نفسية ،خاصة متلازمة القلق المهني، فالاشتغال في وسط المستشفيات والمراكز الصحية يعرض الممرض إلى مخاطر وتداعيات نفسية مرتبطة ببعض المشاهد والحوادث المؤلمة التي قد تستقبلها المؤسسة الصحية رغم تعاطيه معها بكل موضوعية و حرفية في وقتها الراهن، فالممرض إنسان له عواطف وأحاسيس، بالإضافة إلى أن مهنته جد نبيلة و حساسة. ومن الأخطار أيضا ما هو مرتبط بالأدوار المهنية، خاصة التعرض للأشعة والأخطار المرتبطة بنقل الدم، وتلك المتعلقة باستعمال الأدوات الحادة. { ما هي أبرز العوائق والإكراهات التي تعترض المهنة؟ عوائق وإكراهات ممارسة مهن التمريض كثيرة ومتعددة لا يمكن إجمالها في جواب عن سؤال وإلا فسنكون مجحفين في حق الممرضين الذين نحيي عاليا استبسالهم و نكران ذاتهم والتضحية التي يبذلونها، فهم لايذخرون جهدا في سبيل تقديم خدمات صحية ذات جودة بما توفر لهم من أدوات ومعدات العمل التي تكون في بعض الأحيان قليلة وغير متوفرة. ومن بين هذه الإكراهات أيضا ضغط العمل الناجم عن تنامي الطلب في العرض الصحي العمومي، وذلك في ظل النقص الحاد في الموارد البشرية، إذ يمكن أن تجد ممرضا مزاولا لمهامه لوحده لمدة دوام 12 ساعة ليلية أو نهارية في قسم يبلغ عدد المرضى فيه أزيد من 60 مريضا، وأن تسهر قابلتان فقط على مهام توليد في مستشفى جهوي يقدم خدماته إلى جهة كاملة، مما يؤثر سلبا على الصحة الجسدية، إذ يلاحط تعاظم عدد المهنيين المصابين بأمراض مزمنة من جراء ضغط ومشاق العمل. من جهة أخرى يلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد الاعتداءات في حق الممرضين والممرضات أثناء قيامهم بواجبهم المهني، إذ لا يمر يوم دون أن نسجل حالة اعتداء جسدية وصلت للأسف الشديد أكثر من مرة للموت. ومن المشاكل أيضا غياب التحفيز والاعتراف بالأدوار، فوزارة الصحة أقدمت على غلق جميع منافذ الترقي بالنسبة للممرضين حيث تم وأد إمكانية استكمال الدراسة في السلك الثاني، وإلى يومنا هذا لم تف بالتزاماتها فيما يخص المعادلات العلمية لدبلومات التمريض، كذلك لايزال الممرضون في انتظار الزيادة في أقساط التعويض عن الحراسة بنسبة 50 بالمئة في سنة 2015 كما تم الاتفاق على ذلك، و كذا لم يتم صرف التعويض عن المردودية رغم تحديد قيمتها ورصد غلافها المالي، كما أن الممرضين الرئيسيين بالمصالح الاستشفائية هم أيضا ينتظرون صرف مستحقات تعويضهم عن المسؤولية.. ليبقى المشكل المشترك بين جميع الفئات قائما ، وهو غياب مؤسسة الأعمال الاجتماعية عن أرض الواقع رغم تعيين مديرها وأجهزتها. (*) ممرض، عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية ( ف د ش).