أمام رئاسة الحكومة فرصة من ذهب للعودة إلى منطق الممارسة السياسية والتواصلية السليمة، وذلك بتغليب المنطق المؤسساتي على التقدير الشخصي، الانفعالي والحزبي الضيق. وهذه الفرصة، في تقديرنا قد منحتها المعارضة، بمسؤولية وحس رفيع للسيد رئيس الحكومة من خلال البيان الذي عممته على الرأي العام، وتعبر فيه عن تشبثها بالفصل الثاني من المساءلة الشهرية، والمتعلق بالجواب عن أسئلتها، كما تنص على ذلك النصوص والأعراف التي أسسها الدستور الجديد. وقد أعربت المعارضة البرلمانية في بلاغ مشترك وقعه رؤساء فرق الاحزاب الاربعة بمجلس النواب ، صادر عن لقاء تشاوري عقد بالبرلمان، أن أحزاب الاستقلال ، والاتحاد والاصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري تتشبث « باستكمال الجزء الثاني من جلسة المساءلة الشهرية، وهو الجزء الذي يهم أسئلة المعارضة بخصوص الحوار الإجتماعي، وذلك بعد تقديم اعتذار علني ورسمي من طرف رئيس الحكومة». وشددت المعارضة على قرارها ب»مواصلة العمل داخل اللجان وبجميع الوسائل الدستورية لفضح أعطاب التدبير الحكومي الذي ينعكس سلبيا على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لبلادنا» لقد ذكرت محتويات البلاغ الصادر عن رؤساء فرقها، إثر النقاش الجدي والمعقول، بحضور أمناء الاحزاب الأربعة المعنية بأبجديات التواصل البرلماني، وأوليات النقاش المؤسساتي العمومي، عندما دعت رئيس الحكومة الى أن يترك وراءه النزعة الاستفرادية والتحكمية، وتغليب الحس المسؤول في الاعتذار عن سلوك استهجنه الرأي العام وكان، ولا شك، مؤشرا على منزع غير مضبوط نحو تأزيم فضاءات النقاش العمومي المسؤولة والمكرسة دستوريا.، وعلى رأسها البرلمان. هي فرصة من ذهب كذلك، لتجاوز المنطق الاحترابي الذي يسلكه الرئيس، كلما تعلق الأمر بالرأي الآخر، ولتجاوز النزوع التبخيسي، كلما وضعه منطق المساءلة أمام مسؤولياته وكشف نتائج قراراته، في السياسة العمومية التي تهم ملايين المغاربة وترهن البلاد لسنوات قادمة. وعندما اختارت المعارضة أن تنبه الى الثوابت التي تحكم التبادل تحت قبة البرلمان، وحرصها على حقها المشروع في ممارسة المعارضة، فهي تربطه في الوقت نفسه بضرورة تراجع رئيس الحكومة عن مسلكيات هي من صميم التدمير المنهجي للتقاليد البرلمانية المنتجة التي نحتتها خمسون سنة من تجربة مغربية، دفعت النخب والجماهير ثمنا غاليا من أجل إثباتها وترسيخها وتصليب وجودها في النسق السياسي المغربي. ولا يحق لأي كان أن يشكك في صدقيتها أو يلغيها لفائدة القرار الحكومي الفوقي، الذي ينزع، باللغة أو بالقرار، ما هو حق مشروع للمعارضة. سيتابع الرأي العام الوطني والدولي، ونحن معه، الموقف الذي سيعبر عنه رئيس الحكومة، وسيحكم المغاربة، من كل المشارب والقناعات، على درجة الوعي الذي يتحكم في السلوك السياسي عندما تكون صورة البلاد تحت المجهر، وعلى ضوء ما تقدمت به المعارضة، من رأي متزن للخروج من منطق الصراع الذي فرضه رئيس الحكومة، وما سيقدم عليه هذا الأخير في التعامل مع نضج المعارضة وسلوكها المؤسساتي المسؤول.