وضعت المعارضة المؤسساتية في البلاد، المعادلة الصحيحة التي سيقيم عليها الرأي العام الوطني، والشركاء السياسيون والاجتماعيون والمهتمون الدوليون، قاعدة التقدير والحكم والتمييز بين سلوكها، كمعارضة، وبين سلوك الحكومة المغربية. ومن مقومات هذه المعادلة، داخل المؤسسات وخارجها، احترام اختصاصات كل فاعل سياسي ، ومؤسساتي، والدفاع عنها ، والسعي الحثيث نحو تكريسها وتقويتها، بالاضافة الى الرفع من مستوى النقاش المؤسساتي، ومن المبادرات السياسية والخطابية، بما يخدم الأفق الجديد للسياسة في المغرب ما بعد دستور 2011. ولعل من المميزات الكبرى، في سياق هذا المسعى: 1- حرص المعارضة على تقديم مبادراتها في المواعيد المتفق عليها، وبناء على الأجندة التي يحددها الزمن السياسي والدستوري( لجن برلمانية، جلسات عامة، جلسات شهرية، قانون الميزانية ..الخ) 2- مخاطبة ومناقشة الأغلبية الحكومية أو الشريكة في القرار السياسي، كلما استدعت ذلك القضايا التي تهم البلاد، وتهم الشأن السياسي في بلادنا ( لجن وزارية، لجن برلمانية، حكومة.. )، ووضع كل القضايا الشائكة بمسؤولية وباستقلالية تامة عن الحسابات الضيقة أو الانتخابوية. 3- اللجوء الى الممكنات الدستورية، من مرافعات برلمانية وإعلامية مسؤولة ومحكومة بإطارها القانوني( الاعلام العمومي كمثال) ، بهدف بناء القرار الوطني على تأويل دينامي للسياسة، يستغل كل الامكانيات التي يتيحها الدستور الجديد، على أساس الارتقاء بالمستوى السياسي والأداء السياسي والخطاب السياسي.. 4- التوجه نحو التحكيم الملكي، بهذا المعني، ليس عملية التفاف على الروح الدستورية المشتركة لكل الفاعلين السياسيين، كما أنه، لا يندرج في أساليب خصوصية ما قبل دستورية، إنه على عكس ذلك، من أرقى درجات السلوك السياسي الذي يحتكم الى روح ومنطوق الدستور.. ويدفع نحو توازن دستوري للسلط ، كما أرادته فلسفة خطاب 9 مارس واستفتاء فاتح يوليوز.. 5- سعي المعارضة الى تحكيم مؤسساتي نابع من الدستور، من أجل أولا الدفاع عن حقوقها المنصوص عليها في أسمى نص في البلاد، وثانيا، من أجل أن يحصل توازن السلط الذي تقوم عليه الحياة السياسية كما تريدها الديموقراطية.، وكما هو في جوهر الملكية البرلمانية، باعتبار المعارضة كيانا قائما في البرلمان وله وضعه الاعتباري داخل المنظومة البرلمانية..، وكل ذلك على قاعدة احترام القانون الأسمى في البلاد. 6 -سعي المعارضة نحو تكريس التحكيم الملكي، بما هو سلطة تملك القدرة السيادية على الفصل في خلاف سياسي، في مرحلة انتخابية.. في المقابل من ذلك، تسعى الحكومة الى جر النقاش الى ما هو تحت السياسة ،حينا، وما فوق المؤسسات حينا آخر. ويمكن أن نذكر في هذا الباب: 1- الاستقواء بالشارع وشبح الربيع العربي، والذي عاشت الحكومة على رصيده قرابة السنة، في ابتزاز واضح للدولة والمجتمع، إلى أن اتضح أن التحولات في البلاد لا تساير رغبات التأسلم الحزبي 2- تحويل المنصب الرئاسي في الحكومة، إلى منصب رئاسي في البرلمان، وجر النقاش العمومي الى «حلقات» الشارع العام، بدون احترام التبادل الفكري والسياسي والمنافسة الشريفة.. 3- الاستقواء بالأغلبية العددية لتعليق الفصل التشاركي في تفعيل الدستور، وتغييب المعارضة، في سعي واضح نحو إلغائها من الخارطة التشريعية (القوانين والمقترحات ولجن تقصي الحقائق).. 4- الاجتهاد في حرمان المغاربة من خطاب سياسي معقلن ورزين يسمي الأشياء بمسمياتها، والجنوح نحو الضبابية والاستعارات اللامؤسسية( الأشباح والعفاريت )، والتجريب المستمر لربط الفضاء الوطني بمناخات الدول التي سادت فيها مقولات الجهادية والنزعات المغرقة في الأنانية.. 5- الخلط الواضح بين الانتماء الحزبي والدعوي، والرئاسة الدستورية للجهاز التنفيذي، والانتقال بين هذه الانتماءات بشكل لا يجعل رئيس الحكومة في موقع التمييز بينها. 6- الإصرار على توظيف الموقع الدستوري السامي لملك البلاد في موقع «وظيفي» لخدمة الأهداف الحكومية، عبر الإصرار على أن الملك، هو «رئيس رئيس الحكومة» وكأنه ليست في الهرمية السياسية الدستورية للمغرب تعريفات واضحة باختصاصات واضحة يعرفها الفاعلون السياسيون وصوت عليها المغاربة. وفي ذلك نزوع نحو تسخير ملتبس، لكنه متجن للملكية في حسابات الانتخابات والربح السياسي المباشر. وتسويق صورة كاريكاتورية عن صناعة القرار في المغرب لدى الرأي العام الدولي، الذي يفهم منها أن المغرب لايسير نحو ما أعلنه، رسميا ودستوريا، نحو بناء المؤسسات الحقيقية للانتقال الديموقراطي. لقد أبان رئيس الحكومة أنه بعيد عن مواصفات رئيس الدولة، لأنه بكل بساطة، لم يسع لأن يجعل من نفسه «حكما» بين رغباته الانتخابية، وسعيه الهيمني على الحياة الوطنية والفضاء العمومي، وبين الصالح العام. ولهذا يتضح أن تفعيل الدستور مسألة من الجدية بمكان ، تستوجب أولا ألا نتركها في يد من يستفيد من تعطيله، وتقتضي ثانيا، العمل، بالمراقبة الشعبية والحرص الدائم للمؤسسات المؤهلة دستوريا، على تكريس مدونة سلوك دستوري ، يتوج خمسة عقود من النضال السياسي، ويكرس روح ومعنى الدستور الذي اختار المغاربة الاحتكام إليه.