عجيب أمر هذا السوق النموذجي الذي احتل موقعا استراتيجيا وسط مدينة عين تاوجدات إقليمالحاجب ، فالمشروع بدأ غريبا واستمر غريبا وأنتج الكثير من الخصوصيات الغريبة ، بل أسقط الكثير من الضحايا الذين يزداد عددهم يوما عن يوم ، فلم يكن من دافع نحو توطين هذا المشروع الذي تحول إلى «حوت»كبير يبتلع أبناءه الواحد تلو الآخر ، غير جني الأموال الطائلة دون حسيب أو رقيب ، فعلى واجهة المشروع امتدت مقاه فخمة قد تصل أصولها التجارية في حال عرضها بالمزاد لمئات الملايين ، وبداخله دكاكين هجرها أصحابها بعدما ضاقوا ذرعا من المضايقات والاستفزازات ، فحولتها الزيارات المباغتة للزائرين إلى مراحيض مفتوحة بالمجان ، كل من يقضي حاجته ببعضها يتحسر على هذه «الفوضى» التي أصبحت عليها مدينة عين تاوجدات ، والكثيرون من المارة الذين يترجلون يوميا قرب جدرانه المنبعثة من داخلها روائح نتنة ،لا يعلمون خبايا «الفرن» الذي ظلت تنصهر بداخله مواد هذا المشروع ، فلا رواج تجاري ، و لا حركة بيع أو شراء ، ولا حماية لحقوق المستفيدين ، ولا شيئ يوحي كون حياة ما تدب داخل هذا الجسم الإسمنتي سوى نباح كلاب ضالة وقطط تصول وتجول في مأمن بدروبه الضيقة بحثا عما تقتات عليه ، فحتى أولئك الذين عبروا سابقا عن الوقوف إلى جانب المتضررين سرعان ما غيروا لهجتهم بسرعة تغيير القميص ، ليجد التجار المغلوبون على أمرهم ،أنفسهم أمام ملف ثقيل و موشوم بالكثير من الخروقات القانونية ، و أساليب الشطط والتعسف التي ظلت مرافقة لهذا المشروع بعيدا عن الحل أو الإنصاف ، مما جعل البعض ممن استمعت الجريدة لهم ،يحسمون بكون الحديث عن السوق النموذجي في عين تاوجدات أصبح واحدا من الطابوهات الكبرى ، وجعل جرح فئات شريحة تجاوزت 400 أسرة (300 مواطن) مفتوحا على العديد من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها دون امتلاك مفاتيح المرحلة وخاصة ما أقره الدستور المغربي فيما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة : فلماذا تم الاحتفاظ بفضائح هذا السوق لكل هذه المدة حتى أصبح «عالة «على المسؤولين وعلى المدينة ؟ لماذا لم يفتح لحدود الساعة تحقيق عميق في هذا المشروع وتقويم اختلالاته وجبر ضرر الباعة المهددين في استقرارهم ، وفضح من يتستر على ملف هذا السوق النموذجي ؟ . البداية المعلولة للمشروع عندما فكرت بلدية عين تاوجدات في ولوج تجربة الأسواق النموذجية سنة 2006 عبر التعاقد مع شركة صوصيدما لإنشاء سوق يأوي الباعة المتجولين بالمدينة ، لم يكن هناك من هدف يحكمها في العلن غير تنظيم القطاع والتخفيف من الضغط على احتلال الملك العمومي ، وحماية الباعة من الاستفزازات اليومية ، وهي الفلسفة ذاتها التي احتكمت إليها أسواق مماثلة آلت نهايتها للفشل سواء في الحاجبالمدينة (السوق النموذجي في حي بام ، والسوق النموذجي بكهف حسناوة الذي تحول لشبه أطلال )، أو السوق النموذجي الموجود في أكوراي ، والملاحظة المثيرة للانتباه كونها كلها من إبداع صانع واحد ، ونصت الاتفاقية الثنائية الذي بدأ الاشتغال بها منذ 13 فبراير 2006 على إعطاء الأولوية في هذا المشروع للعاطلين والمعاقين والأرامل من ساكنة عين تاوجدات في محاولة لإسداء النفحة الاجتماعية على المشروع ، ووضعت البلدية بقعتين أرضيتين مساحتهما تفوق 7500 متر مربع من الملك الجماعي الخاص ذي الرسم العقاري 16661 رهن إشارة الشركة لوضع المشروع ، مع وضع تصميم نموذجي ودفتر للشروط الخاصة المتفق عليه بين الطرفين ، و نص بند من الاتفاقية على ضرورة تأدية الشركة لما قدره 30 درهما عن كل محل مستغل و15 درهما عن كل محل غير مستغل خلال كل شهر ، في حين يؤدي كل مستفيد للشركة مبلغا جزافيا حدد في 2500 درهم وكذا مبلغ 200 درهم عن كل شهر ، وتتحمل الشركة جميع المصاريف المتعلقة باستهلاك الماء والكهرباء والضرائب وغيرها ، و لا يتم انطلاق العمل بهذا السوق إلا بعد الانتهاء التام من تجهيزه ، وأكد الفصل الثالث عشر من الاتفاقية نفسها على ضرورة احترام الشركة لبنود كناش التحملات الخاص بالسوق ، غير أن ما سيحمله معترك الواقع كان مخالفا للغاية ، بل جاء صادما للواقع وخارقا لكل ما اتفق عليه في الأوراق ، وجاء على لسان العديد من التجار والباعة الذين استمعت الجريدة لتصريحاتهم كون الشركة لم تلتزم بأي بند من بنود الاتفاق ، وخير شاهد الوثائق الكثيرة التي غدت لا تفارق حركتهم ، فعدد الدكاكين التي شيدت فوق هذه المساحة تجاوزت الرقم المتفق عليه بكثير وأصبحت تقارب 500 دكان في وقت كانت الطلبات لا تتجاوز 160 مما أضفى بشاعة كبيرة على المشروع ، بل حوله إلى مزبلة إسمنتية بلا منازع ، وحتى بقعة المسجد تم الإجهاز عليها ، شأنها شأن الفضاء الأخضر ، ولم يتوقف المقص عند هذا الحد، بل حول المرآب المخصص للسيارات إلى دكاكين معروضة في المزاد ، و تم تسليم الدكاكين للمستفيدين وهي غير جاهزة ، و مفتقرة للمرافق الضرورية من كهرباء ومرافق صحية عكس ما نصت عليه الاتفاقية ، كل هذا تم أمام أعين المسؤولين وحراستهم ، وكأن الوضع ينم عن كارثة ستقع في المستقبل ، بل فرضوا على التجار الأمر الواقع خاصة أمام الضغط الذي مورس عليهم للالتحاق بمحلاتهم ، ولم تؤخذ ملاحظاتهم وشكاياتهم محط جد ومسؤولية ، لتدفع اليوم المدينة والجماعة الثمن باهظا ، فالمشروع غدا محط غموض كبير وارتباك والتباس ونفور ، بل تحول إلى عجوز جرباء لا من يقبلها أو يأويها ، فلا الجماعة تستخلص مستحقاتها ، و لا المواطنون في راحة واستقرار ، وعادت الجماعة لفوضى غير مسبوقة ، كيف قفزت المحلات التجارية من 2500 درهم إلى 10000 درهم؟ ونحن نتفحص الوثائق التي أمدنا بها عدد من الباعة الذين وجهوا نداء استغاثة لما آلت إليه أوضاعهم المزرية ، اقتنعنا بما لا يدع مجالا للشك بكوننا أمام ملف غير عاد بكل المقاييس ، ملف امتدت له الكثير من الأيادي في محاولة لتصحيحه لكنها أعادت إنتاج مظاهر التأزم ، وجاءت النتائج لتؤكد بكون كل الأيدي هي مكبلة تكبيلا كاملا أمام ملفات بعينها ودون غيرها ، فهل يعقل ألا يفعل القانون في هذا المشروع ويتدخل المسؤولون لحماية كل من له حق من هذا الطرف أو ذاك خاصة وان معالم الشطط بادية في الكثير من الوثائق ؟ فالاتفاقية الأولى الموقعة سنة 2006 تؤكد أن المبلغ الجزافي المرخص به كثمن للمحل لا يتجاوز 2500 رهم ، فكيف انتقل بين عشية وضحاها ل 10000 درهم كما يوضح مثلا عقد الاستفادة الخاص بالمحل رقم 42 لصاحبه (ب ل) والذي نص بالحرف على ما يلي : يلتزم الطرف الثاني (أي المستفيد من المحل) بدفع مبلغ 10000 درهم للاستفادة من اجل استغلال المحل . ونفس الشيء يتكرر مع باقي المستفيدين ، مما يطرح أكثر من سؤال بخصوص الجهة التي رخصت لصاحب المشروع بمضاعفة مبلغ الدفع ؟ ومن كان بإمكانه أن يتدخل لحماية حقوق باعة أنهكهم الزمان وصاروا مضغة سهلة بين أضراس المتضاربين ، وماذا استفادت خزينة بلدية عين تاوجدات من هذا المشروع الذي يبدو من خلال عملية حسابية بسيطة أن مداخيله تجاوزت النصف مليار أو أكثر ؟ وكم كانت حصة البلدية من هذه الكعكة ؟ العقار ما بين ملكية الدولة والجماعة : إشكالية تحتاج لتحقيق عميق هل سجلت بلدية عين تاوجدات العقار موضع المشروع في سجل ممتلكاتها الجماعية الخاصة ، أم أن هذا الملف سيسيل الكثير من المداد انطلاقا مما تضمنته التناقضات البادية ما بين عقود الاستفادة الموقعة ما بعد دورة فبراير 2010 للمجلس الجماعي والسابقة خلال 2006 ،فالعقد يقر صراحة بكون القطعة الأرضية المشكلة ل 80 ℅(7530 مترا مربعا) من الوعاء هي مازالت محط طلب تحفيظ و الثانية بمساحة 740 مترا مربعا مازالتا تابعتين للملك الخاص للدولة ، بينما تشير الاتفاقية الأولى والموقعة ب 13 فبراير 2006 فقط ل 6000 متر مربع وبكونها عبارة عن ملك جماعي خاص أي أنه في ملكية الجماعة ، فأي وثيقة نصدق الأولى أم الثانية ، في وقت اهتدى الباعة المتجولون عبر شهادة رسمية إلى كون جزء من هذا العقار هو في إسم خواص ،فما سر هذه «الخلبطة» التي سرعان ما تصيب الرأس بالدوران ، و تزيد الملف تعقيدا في تعقيد ، هل الجماعة رخصت بإقامة مشروع خاص على عقار في ملكية الدولة دون موافقة من هذه الأخيرة ؟ هل أقامته على ملكية للخواص ؟ كل هذه الأسئلة ستبقى معلقة ، بل ستفتح الباب على مصراعيه لاكتشاف المزيد من الخروقات مع مرور الوقت أمام سرعة الأحداث التي تصنع داخل هذا السوق ، فالأحكام القضائية تنزل على رؤوس الباعة ،وسخط الساكنة يزداد مع الوقت ، و لا يمكن بالطبع إبقاء الأمر على ما هو عليه حتى لا نرد عجلة الوطن إلى الوراء ، وكشف الحقيقة لا يحتاج لمزيد من الرسائل والشكايات ،فواقع السوق وأحوال الأسواق النموذجية بعين تاوجدات تنم عن مأساة حقيقية ، وقد يكون من غير المقبول ولا المعقول الالتزام بمزيد من الصمت، فالموقف يحتاج لجرأة ومعالجة موضوعية ، فهل ستتحرك إذن آليات العمل ؟