للكاتب الإيفواري احمادو كوروما كتاب جيد العنوان ومثير للغاية« في انتظار تصويت الحيوانات المتوحشة». وهو كتاب بعيد عنا في الجغرافيا، لكنه قريب جدا في البلاغة السياسية. لنتصور أنه كتاب مغربي، ولنضع الحيوانات المتوحشة، هل هي ناخبة أم منتخبة؟ السؤال في بعض الأحيان لا يهم، لاسيما عندما يكون التوحش بمعنى الفساد والاستجابة لغريزة العض والقتل. ولنا في الانتخابات الأخيرة صورة فعلية عن الناخب المتوحش، في كل هؤلاء الذين كانوا يضربون ويجرحون ويعتدون ويتصرفون، كما لو كانوا القمصان السود. وبالمناسبة، لقد وصلت الفاشية والنازية بواسطة تصويت الحيوانات المفترسة في إيطاليا وفي ألمانيا. ولهذا، عندما ينتخب الحيوان المفترس، فهو عادة ما يرجح كفة حيوان مفترس أكثر. في الكتاب الجديد ما يفيد بأن المؤسسة الوحيدة في بلاد الحزب الوحيد، وقانا الله من شره ووقانا من تعدد أوجهه، بالنسبة للحكومة في هذا البلد هي السجن! السجن اليوم قد يكون المؤسسة الوحيدة في السياسة. احمادو كوروما يقول لنا بأن السياسة تكاد تكون حفلة قنص عندما دخلها كما ندخل في جمعية القناصين، والأحراش الكبيرة التي يتم فيها ذلك الفعل السياسي واسعة ، لا إنسانية ولا ترحم... في كل ديموقراطية، تكون الغاية هي محاولة القضاء على الغاضبين، أخلاقيا بالاستجابة لمطالبهم، ولكن أحيانا تعني السياسة القتل .. والقضاء الفعلي على كل من يعبر عن غضبه. هي ديموقراطية تستعير من الغابة كل قوانينها.. عندما قال أرسطو إن الانسان حيوان سياسي، لا أعتقد أنه كان يعرف بعض السياسيين المغاربة. ولكنه يبدو أنه وصف الكثير منهم. وهم عادة يفتخرون بذلك.... وكان عليه فقط أن يضيف: بعض الحيوانات ..تحتاج للسياسة لكي تصبح بشرا.. مكيافيلي رجل نزيه للغاية، فهو يدري بأن القتل في السياسة أسلوب عمل وبرنامج، ويكاد يكون فضيلة، ولكنه يعرف مع ذلك أنه ليس كل شيء سياسة!! بعض السياسيين أول من يحتقر السياسة. هم يعرفون أنها مذكرة عناوين فقط، وأرقام هواتف وحفلة تنكرية ... مونتيسكيو الذي عاش من أجل روح القوانين، كان يردد باستمرار، بدون الحاجة إلى حملة انتخابية، كل العيوب السياسية ليست عيوبا أخلاقية، وليست كل العيوب الأخلاقية عيوبا سياسية، ... اللهم في حالة واحدة. حين تكون السياسة أصلا عيبا! لا يمكن أن نغير نظرة الناس السياسية بواسطة خطاب، ولكن من المؤكد أنه يمكن أن ننتج نقاشا سياسيا. المعنويات في السياسة أساسية، والهمة في السياسة أمر أساسي، وضعف الهمة أيضا ..! الفكاهيون الذين يسخرون من السياسيين يكادون ينعدمون عندنا لأننا جديون للغاية.. حتى عندما تكون جديتنا تبعث على السخرية. فانظروا مثلا إلى الأسئلة الشفوية لبعض النواب... الأعداء أو الخصوم بالتحديد هم ملح السياسة، ولهذا بعضها يصاب بالضغط العالي من كثرة الخصوم والخصومات، وبعضها يغمى عليه بسبب نزول درجة الملح! هناك فكرة بديهية تقول بأن الشعب يهتم بالسياسة عندما تهتم السياسة بالشعب. وفي حالة ما رغب الشعب عن السياسة، فإن البعض من السياسيين المغاربة يعتبرون أن الشعب لا يهتم بها، وهو في الواقع لا يهتم بهم! أليكسيس دو طوكفيل يقول في كتابه ««ذكريات»»»أن مجموع الأحقاد هي التي تكون تقريبا عمق الصداقات». السياسة هنا لعبة تحليل نفسي دو طوكفيل دائما:»العبد لا يقاوم أبدا سيده، ولكنه قد يغتاله»! السياسة عادة تكون نبيلة عندما تكون نصالا ضد الاستبداد، لكنها في لحظة ما من لحظات الهوان تعود فنا لاستخدام البعض ودفعهم إلى الاعتقاد بأنك في خدمتهم. كثيرون يقعون في عبودية مرحة! في الانتخابات التي تجري اليوم في المغرب يبدو أن السياسة هي فن الحصول على الأموال من الاغنياء و... الأصوات من الفقراء!! أحيانا تكون السياسة ديبلوماسية لكنها ديبلوماسية تشبه التحايل ... الأنيق واللبق!