الحقيقة أن مشروع القانون الجنائي يعد، في جزء كبير منه، رائدا في تبني سياسة جنائية حديثة زاوجت بين الخصوصية المغربية والانفتاح على التجارب المقارنة، لكن أي عمل إنساني شابه قصور من عدة أوجه، غلب عليها الطابع المحافظ، رغم الطابع الوضعي للقانون الجنائي منذ 1962، تحت ستار «الدين» أو «التقاليد والأخلاق»، وشبه غياب للمقاربة الحقوقية الدولية ومرتكزات الدستور المغربي وطابعه المدني المحض على مستوى ضمان الحرية الشخصية وحرية العقيدة والحق في الحياة وغيرهما، فضلا عن سيطرة هاجس وكابوس الغرامات المالية التي أصبحت ظاهرة مفتشية في المسودة والتي ستترتب عنها إعادة إدخال أغلب المحكوم عليهم للسجن تحت مبرر الإكراه البدني، مما سيجعل من آثار الجريمة موردا مهما من موارد الدولة المالية. أولا: ملاحظات على بعض المواد 1 - الإبقاء على عقوبة الإعدام من وجهة نظري، يعتبر الإبقاء على عقوبة الإعدام، في مشروع القانون الجنائي، مسألة مخالفة للدستور الناص على الحق في الحياة في الفصل 20 منه الذي يعتبر الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق. فعقوبة الإعدام عقوبة همجية، وقاسية وغير إنسانية وتمس بالضمير الجمعي العالمي، لأن الدولة لا يمكن أن تقبل بقتل مواطنيها، فضلا عن أنها لا تحقق لا الردع العام ولا الردع الخاص، ولا يمكنها إصلاح وتأهيل المعني بها، وخطورتها أن تنفيذها يمس حتما بالحق في الحياة بالنسبة للأبرياء إذا ثبتت براءتهم بعد تنفيذ حكم الإعدام عليهم.. فمن يعيد لهم الروح والحياة؟ وما ذنبهم؟ وكيف سيتم تعويضهم عن هذه الأخطاء القضائية وقد انصبت على أعز ما يملكه الإنسان حقه في الحياة؟.. إنها جريمة بحق المجتمع وليس فقط الجاني المفترض، لأن الله وحده من يملك نزع الروح عن الإنسان. رغم أهمية إنقاص مسودة مشروع القانون الجنائي من عقوبة الإعدام وتخفيض عدد حالاتها إلى نطاق ضيق، فذلك لا يلبي الحاجات المجتمعية والدولية لإلغاء العقوبة، لاسيما وأن هذا التشبث بالإعدام يعكس نوعا من النفاق التشريعي، لأن العقوبة أصلا لا يتم تنفيذها. فما جدوى الحفاظ عليها والتهديد بها؟ مما يسبب أزمات نفسية للمحكوم عليهم بها ويقضي على آمالهم في الحياة والإصلاح والتوبة، فيتسبب ذلك في الانتحار، وكأننا ننتقم منهم بتشريعها والتهديد بها والحكم بها وانتظار تنفيذ معلق ومقلق، فيموت الإنسان كل يوم وليلة، مفضلا الموت على شبهة الحياة. لقد اختار المغرب التفكير جديا في التعامل مع هذه العقوبة. وقد وعد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، بمعالجة الظاهرة وفتح نقاش عمومي حولها، وهو ما نحتاجه وندعمه فعلا، ألم يقل الله عز وجل في كتابه العزيز «أ فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة» والقصاص فقها مستحب، فإن عفا بعض المستحقين، سقط القصاص وإن كره الباقون،عن أبي هريرة مرفوعا: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى وإما أن يقاد» متفق عليه (وإن عفا مجانا فهو أفضل) لقوله تعالى «فمن تصدق به فهو كفارة له» وقوله تعالى «فمن عفا وأصلح فأجره على الله». 2 -تجريم التحرش الجنسي إن التحرش الجنسي يعد فعلا ظاهرة مقلقة اجتماعيا، وهو شكل من أشكال الإساءة المعنوية للكرامة واعتداء على الأخلاق العامة، ومسا بحق الآخرين وحرياتهم، ويجب ضمان الموازنة بين حماية الأخلاق وحماية الحرية الشخصية. وقد أحسنت مسودة مشروع القانون الجنائي صنعا المادة 503-1 في تدقيق تعريف التحرش وأشكاله وربطته بالإمعان في المضايقة أو المعاكسة بما يدل على كون الفعل لا يعد مسألة عابرة أو مجرد هزل محدود في زمنه، بل هو فعل قصدي بإرادة عمدية وبأقوال أو أفعال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية. وهكذا إذا كانت الفقرة الأولى لا إشكال حولها، لأنها مرتكبة ضد الغير، فإن الفقرة الثانية ستثير من الناحية العملية عدة إشكالات في التأويل والتفسير وستفتح بابا يصعب سده، فكيف يمكن اعتبار مجرد توجيه رسالة تحرشا إذا كانت بين أطراف بينهم محبة أو صداقة ولا يعتبرون من الأغيار، ولا يعد الفعل مضايقة أو معاكسة أو إزعاج بالنسبة لهم، بل ضرورة اجتماعية وحاجة للآخر؟ فهذا سيعد انتهاكا لحرمة العلاقات الاجتماعية بين الجنسين التي لا يحظرها القانون، واعتداء على الحرية الشخصية، لاسيما وأن التحرش يعاقب عليه سواء ارتكب من طرف الذكر أو الأنثى، مما وجب معه إعادة صياغة الفقرة الثالثة عن طريق إضافة لفظ زميل أو زميلة طبقا لمبدأ المساواة في التجريم وعدم التمييز، مع إضافة عبارة «من وجه رسائل للغير عمدا...» حتى لا نصل إلى تجريم علاقات الحب والصداقة بين الجنسين، ولا أن نمس بمبدأ التربية الجنسية، لأن التشريع الجنائي لا يجب أن يحجب الحقائق الاجتماعية، ولا أن يغطيها بغربال الخوف والتزمت والانغلاق، كما لا يجب أن يسترسل في تطوير فكرة الانتقام من الآخر عند أول صدام. 3 -تجريم الإفطار العلني في رمضان إن الحفاظ على تجريم الإفطار العلني في رمضان في مسودة التشريع الجنائي يحيلنا على مسألة حرية العقيدة المكرسة دستوريا، فقد نص الفصل الثالث على أن الدولة تضمن لكل شخص حرية ممارسة شؤونه الدينية، كما نص الفصل (25) أيضا على «حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها...»، مما يشكل تناغما مع المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين»، كما وافق المغرب، مؤخرا، دون أي تحفظ على مشروع قرار أممي تقدمت به أزيد من ستين دولة في مجلس حقوق الإنسان حول حرية الدين أو المعتقد؛ وذلك ضمن التوصيات الختامية للدورة الخامسة والعشرون التي احتضنتها مدينة جنيف السويسرية. ويشدد القرار، الذي تم تمريره بالتوافق دون اللجوء للتصويت، على «حق كل فرد في حرية الفكر والوجدان والدين أو المعتقد، بما يشمل حريته في أن يكون أو لا يكون له دين أو معتقد، أو في أن يعتنق ديناً أو معتقداً يختاره بنفسه، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعليم والممارسة والتعبد وإقامة الشعائر، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، بما في ذلك حقه في تغيير دينه أو معتقده». وهذا ما كرسه الدين الحنيف مصداقا لقول الله عز وجل: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف 29). وقال: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» (الإنسان 3). وقال: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» (البقرة 256). وواضح أن هذه الآيات تقرر حرية الإنسان في الاعتقاد، فهو حُر في أن يعتنق الإسلام من عدمه. وقد سبق للقضاء المغربي أن أقر بحرية المعتقد، حرية الإنسان في دينه وحقه في إقامة شعائره مبدأ إسلامي راسخ ومضمون أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسائر المواثيق الدولية. إن المغرب، الذي تتوفر تشريعاته على ضمانات في هذا الباب، يلتزم في دستوره باحترام حقوق الإنسان - قرار محكمة الاستئناف بالبيضاء الغرفة الجنحية عدد 12136/15100/93 صادر بتاريخ 14/12/1993 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 98 ص 186. وتأسيسا على ذلك يكون تجريم الإفطار العلني في رمضان مخالف للدستور والاتفاقيات الدولية لتعلق ذلك بحرية الاعتقاد، وبعلاقة الإنسان بربه، فلماذا، إذن، لا نعاقب تارك الصلاة والممتنع عن دفع الزكاة؟ 4 -تجريم زعزعة عقيدة مسلم إن الحفاظ على تجريم زعزعة عقيدة مسلم يطرح مسألة حرية الاعتقاد بالشكل المتعرض له آنفا، لأن الدعوة لدين بعينه للناس وشرحهم له لا يشكل جريمة، كما أن استبدال شخص معين لدينه لا يعتبر جريمة، لأن التجريم يجب أن يقتصر على الوسائل الاحتيالية والغش واستغلال الدين لأهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. كما أن ذلك يثير إشكالية تحويل المسيحي أو اليهودي للديانة الإسلامية والذي لا يعد فعلا مجرما، مما يقتضي إعمال المساواة في التجريم أو الإباحة إعمالا لمبدأ عدم التمييز. وتأسيسا على ذلك يكون تجريم زعزعة عقيدة مسلم مخالفا للدستور والاتفاقيات الدولية لتعلق ذلك بحرية الاعتقاد، وبعلاقة الإنسان بربه، فلماذا، إذن، لا نعاقب من يزعزع عقيدة المسيحي واليهودي؟ فهل نحمي الديانات السماوية جميعها أم دينا بعينه، ومغاربة بعينهم؟ وفي الأخير، نشير إلى أنه لا يمكن اعتبار أن رفع التجريم يمس بمبدأ أن دين الدولة الإسلام، لأن القانون الجنائي، أولا، يعاقب على علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وبالدولة، ولا يتولى تنظيم علاقة الإنسان بربه وبالمعتقدات، فضلا عن أن القانون الجنائي قانون وضعي وليس قانونا إسلاميا وهكذا كان منذ 1962، ناهيك أن الإسلام يكرس حرية الاعتقاد، فحماية الأمن الروحي للمغاربة وشعورهم يتم من خلال نشر ثقافة التسامح وقيم الاعتدال وليس بالعقاب، لأنه الدين لا يفرض بالإجبار»لا إكراه في الدين».. فالإشكالية، اليوم، ليست بين مناصري الدين وخصومه كما يتم تأويله سياسيا، بل بين مبدأ الحرية وفكر الإيمان والاعتقاد الصميمي، وبين فكر الجبر والنفاق التشريعي، فالدين مسألة اعتقاد وأمن روحي للفرد لا مكان فيه للسلطة والجبر، لأنه عنوان الرحمة والإنسانية، فالشعور القومي يهتز بجرائم الأشخاص والأموال، وليس بجرائم العقيدة، لأن العقاب الرباني والمجتمعي قادر على صيانة هذا الشعور وتقويته دينيا وأخلاقيا ومجتمعيا، لأننا نسعى جميعا لمجتمع يؤمن تلقائيا بأهمية الدين وبقواعده وبسماحته وعدله وبأن نراه حيا في سلوكنا وحياتنا لا في مظاهرنا فقط. والأكثر من هذا نريد أن نراه حيا في تنظيم الدولة للمجتمع في سياساتها العمومية في مجال التشغيل والصحة والعدل، وفي مراعاة مبدأ المساواة أمام القانون، فالمواطن يقتات من العمل وليس من الدين، فهل، إذن، المواطن قاصر حتى يزعزع دينه؟ من يزعزع دينه لا يليق به أي دين، لأن من يزعزعنا جميعا هو ثقافة التطرف ولو باسم القانون أو الدين، لأن هناك تطرفا آخر لم نلتفت إليه، إنه تطرف عدم احترام القانون من طرف المسؤولين الإداريين، وخرق مبدأ المساواة أمامه وانتهاك شرعية وسيادة القانون.. فالاسلام لم يفرض على المغاربة بقوة القانون الجنائي حتى نحتاج لهذا الأخير لتقوية الدين في النفوس، وإنما بالفطرة والاعتقاد التي هي تربية وإيمان عميق بسماحة هذا الدين وبرحمته وإنسانيته. 5 - مقترحات إصلاح بعض النصوص 1 -على مستوى العقوبات البديلة: 1 -إلغاء حضور المحكوم عليه في الجلسة أو موافقته للحكم بها، لأن هذين الشرطين سيعصفان بأهمية هذه العقوبة كمتنفس طبيعي عن الاعتقال الاحتياطي ومخاطره، فضلا عن أنه لا يتصور، عمليا، كيفية تنفيذ عرض المحكمة، لأنها تتداول على حكم وليس مشروع حكم، لأن طبيعة الأحكام أنها ناجزة لا معلقة ولا شرطية ولا مقترنة، كما أنها يمكن تقبل إجراءات تفاوضية جنائية عكس العقوبات الجنائية التفاوضية. 2 - على مستوى التجنيح التشريعي نقترح تجنيح جريمة إضرام النار حينما تنصب على منقول أو عقار ولا يترتب عنها سوى أضرار بسيطة، لأن تاريخ هذه الجريمة يرتبط بسعي المستعمر الفرنسي إلى تشديد العقوبة على المقاومين.، وبحصول المغرب على استقلاله، لم يعد هناك داع للإبقاء على هذا التشدد لزوال مبرراته وخلفياته، لأنه لا يعقل أن يترتب عن إضرام نار بسيط عقوبات جنائية قاسية تصل للإعدام. 3-اقتراح تجريم عدم استعمال مسؤولي الإدارات والمؤسسات العمومية للغة العربية والأمازيغية في الوثائق والمراسلات الصادرة عنهم لحماية اللغة الرسمية. 4 -ربط التحرش المرتكب من خلال توجيه رسالة بالإمعان وأن يكون الفعل صادرا عن الغير، لأن الأطراف الذين تجمع بينهم محبة أو صداقة لا يعتبرون من الأغيار، ولا يعد الفعل مضايقة أو معاكسة أو إزعاجا بالنسبة لهم، بل ضرورة اجتماعية وحاجة للآخر، فهذا سيعد انتهاكا لحرمة العلاقات الاجتماعية بين الجنسين التي لا يحظرها القانون، واعتداء على الحرية الشخصية، لاسيما وأن التحرش يعاقب عليه سواء ارتكب من طرف الذكر أو الأنثى، مما وجبت معه إعادة صياغة الفقرة الثالثة عن طريق إضافة لفظ زميل أو زميلة طبقا لمبدأ المساواة في التجريم وعدم التمييز، مع إضافة عبارة «من وجه رسائل للغير عمدا...» مع اقتراح ربط هذه الجريمة بالشكوى واعتبار التنازل عنها يضع حدا لكل متابعة. 5-رفع التجريم عن الإضراب في المادة 288 بالنظر لطابعه الدستوري والدولي، لأن رفع الأجور أو خفضها يبقى مسألة مشروعة بخلاف الإضرار بحرية الصناعة أو العمل. 6 -إلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها مسألة مخالفة للدستور الناص على الحق في الحياة في الفصل 20 منه الذي يعتبر الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق. فعقوبة الإعدام عقوبة همجية، وقاسية، وغير إنسانية، وتمس بالضمير الجمعي العالمي، فضلا عن أن الأخطاء القضائية يمكن أن تترسب إليها وتمس بحق الأبرياء في الحياة. 7 -رفع التجريم عن الإفطار العلني في رمضان وزعزعة عقيدة مسلم، لأنها تخالف الحق في حؤية الاعتقاد كحق دستوري وطني ودولي، ولكونها تتضمن تمييزا نحو دين معين بذاته دون باقي الأديان.. فالقانون الجنائي يجب أن يعاقب على علاقة الإنسان بأخيه الإنسان أو بالدولة وليس علاقة الإنسان بربه التي تخضع لسريرته التي لا يحق لأحد إجراء بفحص مجهري عليها. 8 -إعادة النظر في سلطة القاضي بشأن ظروف التخفيف وعدم تقييده بحدين للعقوبة، والاقتصار فقط على أنه يمكن للمحكمة أن تقرر عقوبات جنحية في القضايا الجنائية كمبدأ عام، لأن هناك بعض الجرائم تكون عقوبتها قاسية جدا لشخصية الفاعل أو لظروف الجريمة ويكون حتى استعمال ظروف التخفيف لا يسعف في عدالة العقوبة، مما كان يترتب عنه نقض مجموعة من القرارات لعدم احترام الحد الأدنى لها. نفس الأمر ينطبق على إيقاف العقوبة الجنائية في حدود النصف. 9 -إعادة النظر في مسألة الأعذار المخففة، لأنها تشجع على ارتكاب الجريمة لاسيما وأن العديد منها لم يربط» المشرع» بالفجائية، لأن المعني بها لن يرتدع ولن يتراجع عن مخططه الإجرامي مادام أن القانون والقضاء سيكون رحيمين به. 11 -إعادة النظر في المنع النهائي من مزاولة الوظيفة والمهن وعقوبات الإغلاق لأنها عقوبات إضافية أو تدابير وقائية بحسب الحالة تقضي على حياة المعنيين بها وتعدم آمالهم في الكرامة والعيش ويقترح تحديد أمدها دوما، لأن القانون يجب أن يحافظ على طابعه الإنساني وطابع الرحمة والاعتدال ويسمح بالعودة لحضن المجتمع بالتوبة والعفو. 10 -إلغاء تدبير حجب المواقع الإلكترونية وتعويضه بحجب المقال المعني فقط أو في الأقصى إيقاف الموقع لأيام أو أسابيع محدودة على أن تقرر عقوبة الحجب فقط في الجرائم الإرهابية وجرائم المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي بغاية حماية الحق في التعبير وضمان تداول المعلومة وحق الإعلام في الرقابة على سير المؤسسات. 11-فرض عقوبات جنحية حبسية على عرقلة حرية المزاد بالنظر لخطورتها على نظام شفافية وحرية المنافسة ومساسها بالاقتصاد الوطني وعدم الاكتفاء بالغرامة فقط، وكأنيبالمشرع يشجع هذه الفئة من الاقتصاديين والماليين على الجريمة. 12-يتعين التنصيص كإضافة للمادة 34 من المسودة على أنه «إذا صدر حكم بالبراءة وكان المحكوم عليه قد قضى مدة ما رهن الاعتقال الاحتياطي أو الاعتقال المؤقت، فإنه يحق للمحكمة أو لقاضي تنفيذ العقوبة أن يقرر احتساب هذه المدة ضمن تنفيذ عقوبات أخرى صدرت بحقه بشأن جرائم أخرى»، لأنه لا يعقل أن يبدأ بتنفيذ عقوبات أخرى صادرة بحقه في الوقت الذي قد يكون سبق له تنفيذ عقوبة برأت المحكمة ساحته نهائيا منها، لأن مبدأ استقلال الجرائم والعقوبات كان يمنع من تحويلها، وهذا الاقتراح نابع من حالة عملية عرضت أمام محكمة الاستئناف بالقنيطرة رفضت غرفة المشورة إجراء عملية التحويل في التنفيذ قياسا على تحويل الحبس إلى غرامة المنصوص عليها في الفصل 34 من القانون الجنائي الحالي، وهذا الاقتراح يتضمن حماية فعالة للحق في الحرية وتفادي الاعتقال التحكمي، وقطعا لدابر لكل مسؤولية لمرفق القضاء قد تثار بهذه المناسبة. 13-يتعين إلغاء جريمة زعزعة ولاء المواطنين بالدولة أو بمؤسسات الشعب المغربي المنصوص عليها في المادة 206، لأنها جريمة عامة وفضفاضة لا حدود لوقائعها ولا لمضمونها، وقد تقيد الحق في حرية التعبير والحق في نقد المؤسسات لضمان حكامة جيدة لها تضمن شفافيتها وجودة أدائها وانسجام عملها مع قواعد القانون والمساواة والاستحقاق. 14-إلغاء بعض الجرائم الخيالية أو غير الواقعية لعدم مسايرتها لمستجدات الواقع كجريمة عدم إخطار السلطات عن العثور على كنز ولو في ملكه. وفي الأخير، بالنسبة لنا قضاة، نشيد بتجريم مسودة مشروع القانون الجنائي لمسألة الامتناع غير المشروع عن تنفيذ الأحكام كمستجد أساسي ومهم بغرض المساهمة في تسريع وثيرة التنفيذ وإضفاء المصداقية والفعالية على تنفيذ الأحكام لزجر كل الممارسات التي تحقر الأحكام القضائية سواء أكانت صادرة عن الأشخاص أو الإدارات العمومية، كما لا يفوتنا أيضا الإشادة بإقرار تجنيح تشريعي للعديد من الجرائم، وتبني العقوبات البديلة عن العقوبات الحبسية كالشغل لفائدة المنفعة العامة والغرامة اليومية وتقييد بعض الحقوق؛ وذلك لتفادي بعض الإشكاليات الناجمة عن تهديد الحرية بالاعتقال الاحتياطي. وهكذا تضمنت مسودة مشروع القانون الجنائي مستجدات إيجابية جد هامة لاسيما على مستوى تنزيل النص الدستوري الفصل 23 منه بتجريم الاختفاء القسري م 231-9 والإبادة الجماعية م 448-5 والجرائم ضد الإنسانية م 448-7 وجرائم الحرب م 448-10، كما تم تجريم الاتجار في البشر وتهريب المهاجرين، وتجريم التمييز والحث على الكراهية، وازدراء الأديان. لكن ذلك لا يمنع من القول إنها محاولة تشريعية أولية تحتاج لنضج كبير وهوية حقوقية واضحة تتسق مع التفسير المتنور للدين وأحكام الاتفاقيات الدولية حتى لا يتم إيقاف حملها أو إجهاضها. * عضو جمعية عدالة ونادي قضاة المغرب