الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025        أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبرياء أصابهم سيف عدالة عمياء .. قضية المرحوم عبد الواحد المولي وامحمد النوري.. الخطأ الأشهر لقضاء الجنايات بالجديدة * بعد طول انتظار.. محكمة النقض تنصف الضحيتين

بعد أزيد من 8 سنوات على قرار الفقيد محمد بوزوبع وزير العدل الأسبق بالإفراج عن كل من النوري والمولي أحد أشهر ضحايا الخطأ القضائي في المغرب..
وبعد أزيد من 12 سنة من التقاضي في مواجهة الدولة المغربية في شخص وزارة العدل، بصفتها الجهة الساهرة على حماية القانون، وفي نفس الآن الجهة التي كان المأمول فيها الإعلان عن حل وسط يحفظ لها ماء وجهها، كما يعلن عن أن الدولة المغربية بدستورها الجديد وحكوماتها المتعاقبة تستطيع أن ترفع الحكرة عن مواطنيها..
مباشرة بعد نشرنا لملف ملحق عدالة وحقوق حول الخطأ القضائي، أصدرت محكمة النقض أخيرا قرارا أنصف النوري الذي مازال على قيد الحياة فيما المولي غادر إلى دار البقاء لتنفيذ أحكام التعويض الصادرة لفائدتهما..
فم الذي حدث؟
الاتحاد الاشتراكي اتصلت بالأستاذ علي العلوي الحسني المحامي بهيئة الدار البيضاء وكانت التوضيحات التالية..
الأستاذ علي العلوي الحسني*
قضية المرحوم عبد الواحد المولي وامحمد النوري مرت بالعديد من المحطات كانت على الشكل التالي:
قضية أولا: محطات في تاريخ هذه القضية أو كرونولوجيا 22 سنة من المعاناة:
1 - بتاريخ 22/06/1993 ألقي القبض على المتهمين عبد الواحد المولي وامحمد النوري من طرف الضابطة القضائية بالجديدة بعد اكتشاف جثة السيدة(...) وشهادة امرأة بأنهما كانا من المترددين على منزلها.
بعد شهرين وتسعة وعشرين يوما، أي في 21/09/1993 صدر في حقهما قرار غرفة الجنايات النهائي بالإدانة ومعاقبتهما بالسجن المؤبد قرار رقم 195/93 بتاريخ 31/09/1993 في الملف الجنائي عدد 157/93.
لم يرتكز القرار على أية حالة من حالات التلبس ولا على أية شهادة بإحدى الحالات ولم يرتكز على أي اعتراف سواء لدى الضابطة القضائية أو قاضي التحقيق أو خلال المحاكمة أمام الغرفة.
علة واحدة ارتكز عليها وهي أن شاهدة شهدت برؤيتها للمحكوم عليهما يدخلان إلى منزل الضحية قبل وفاتها في غياب أية حجة وأي دليل على عدم تردد غيرهما على منزلها.
2 - بتاريخ 20/07/2000، وبعد رفض الطعن بالنقض تم رفع طلب عفو إلى السيد وزير العدل من طرفي نيابة عن المرحوم عبد الواحد المولي اعتمادا على عدم كفاية الأدلة باعتبار أنه أنكر في سائر المراحل وشهادة الشاهدة غير منتجة وأنه لا يستحق قضاء ساعة واحدة بالسجن.
وقد ورد في طلب العفو الفقرة التالية المنقولة حرفيا:
«والله نسأل أن تتولى مديرية الشؤون الجنائية، وكل من أوكل إليه القانون اختصاص تطبيق العدل بين الناس، إجراء البحث في هذا الملف الذي يعذب كل من حضر المحاكمة».
3 - بتاريخ 5 من شهر يونيو 2001، جاء الجواب من جهة أخرى هي عدالة السماء.. إذ أن الجاني الحقيقي ألقي عليه القبض متلبسا بجناية قتل آخر ضحية من ضحاياه، فأقر سواء أمام الضابطة ااقضائية أو فيما بعد بأنه هو قاتل المرأة التي أدين وعوقب من أجلها المحكوم عليهما خطأ.
4 - بتاريخ 23/11/2001، صدر قرار وزير العدل بالإفراج عنهما بناء على طلب تقدمت به إلى السيد وزير العدل فوريا بعد اكتشاف الجاني الحقيقي.
لم يصدر قرار الإفراج إلا بعد الحكم بالإعدام على هذا الأخير بتاريخ 16/10/2001.
5 - بتاريخ 6 يوليوز 2005، صدر قرار المجلس الأعلى عدد 935/1 في الملف الجنائي عدد 5962/2005 بقبول طلب مراجعة القرار الخاطئ وإبطاله دون إحالة بناء على الطلب الذي تقدمت به نيابة عن المحكوم عليهما إلى السيد وزير العدل وبناء على طلب السيد الوكيل العام للملك.
6 - بتاريخ 02/08/2006، انتقل السيد عبد الواحد المولي أحد المحكوم عليهما إلى عفو الله متأثرا بالأمراض التي أصابته في السجن.
7 - بتاريخ 05/06/2006، أصدرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكميها لفائدة السيد عبد الواحد المولي في الملف 76/2006 ت والسيد امحمد النوري في الملف عدد 144/2006 بتاريخ 15/11/2006 بأداء الدولة المغربية لكل واحد منهما مبلغ مليون وخمسمائة ألف درهم عن ضرر الخطأ القضائي.
8 - بتاريخ 27/06/2007، أصدرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قرارها بناء على استئناف الوكيل القضائي للمحكمة تحت عدد 558 في الملف عدد 80/4/4/2007 بإلغاء الحكم الصادر لفائدة السيد امحمد النوري وبعدم اختصاص القضاء الإداري نوعيا وإحالة القضية على الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى على أساس أنها هي المختصة عملا بالفصول 571 و573 من المسطرة الجنائية.
9 - بتاريخ 28/11/2007، أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قرارها عدد 906 في الملف عدد 41/06/6 وعدد 128/7/6 بتأييد الحكم الابتدائي الصادر لفائدة ورثة المرحوم عبد الواحد المولي على أساس أن الاختصاص يعود إلى القضاء الإداري وأن اختصاص الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى حسب الفصول 571-573 من المسطرة الجنائية ليس اختصاصا حصريا (Exclusif).
10- بتاريخ 09/07/2008، أصدرت نفس المحكمة قرارها عدد 941 في الملفين المضمومين عدد 73/07/6 و125/07/6 باعتبار استئناف السيد امحمد النوري واستئناف الوكيل القضائي للمحكمة غير ذي موضوع بناء على القرار الصادر عن المجلس الأعلى القاضي بعدم اختصاص القضاء الإداري وإحالة الملف على الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى.
11- بتاريخ 22/04/2009، أصدرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قرارها عدد 433 في الملف عدد 189/4/1/2008 بعدم قبول تعرض السيد امحمد النوري على القرار الصادر عنها غيابيا بعدم الاختصاص باعتبارها مرجعا استئنافيا.
12 - بتاريخ 28/10/2009، أصدرت الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى قرارها عدد 1010 في الملف الجنائي عدد 13896/2007 بعدم قبول الإحالة التي قضى بها المجلس الأعلى في قراره الآنف الذكر الجنائي القاضي بعدم اختصاص القضاء الإداري للبث في التعويض عن ضرر الخطأ القضائي.
13 - بتاريخ 30/03/2011، صدر قرار المجلس الأعلى عدد 250/1 في الملف عدد 15735/2010 بعدم قبول إعادة النظر في قرار الغرفة الجنائية الذي أغلق الباب.
14 - بتاريخ 12/05/2008، تلقيت كتابا من السيد وزير العدل يخبرني فيه بعدم قبول الطلب الموجه إليه الرامي إلى استعماله الطعن بالشطط في استعمال السلطة ملف رقم 55/08 م ق أ.
15 - بتاريخ 10/11/2009، أصدرت الغرفة الإدارية قرارها عدد 3967/200/55 في الملف الإداري بعدم قبول الطلب بالشطط في استعمال السلطة المتمثل في تجاوز اختصاص البث في الطعن بالاستئناف في غياب إصدار حكم مستقل عن المحكمة الإدارية الابتدائية في المنازعة حول الاختصاص النوعي كما يشترط القانون.
16 - بتاريخ 02/02/2012، وبعد أن أصبحت القضية معلقة بخصوص الاختصاص بما أن قرار الغرفة الإدارية أغلق باب القضاء الإداري، وقرار الغرفة الجنائية أغلق باب القضاء الجنائي، رفعت طعنا بإعادة النظر في القرار الأول.
وبموازاة ذلك، كان الوكيل القضائي للمملكة قد طعن بالنقض في قرار محكمة الاستئناف الإدارية القاضي بالتعويض لفائدة ورثة المرحوم عبد الواحد المولي بناء على قرار المجلس الأعلى الآنف الذكر قضى بعدم اختصاص القضاء الإداري.
كانت هذه القضية محسومة المآل لو بقي قرار المجلس الأعلى الذي أغلق باب القضاء الإداري يسري على المولي لو بقي حيا يرزق إذ أن ما جرى على قضية النوري في هذا الشأن يجرى على قضية ورثة المولي.
17 - بتاريخ 19/03/2014، تعرض الدفاع لابتزاز خطير من طرف شخص يفترض فيه أن يكون على خلق عظيم وأن لا يضيق بإصرار الدفاع على ممارسة واجبه النبيل.
وقد حقق هذا الحدث عكس ما يقصده صاحبه ولم تسجل القضية بعده إلا الفوز المبين، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه.
18 - فعلا، فإنه بتاريخ 16/10/2014، جاء الفرج حين صدر قرار محكمة النقض عدد 986/2 في الملف عدد 222/4/1/2012 بالرجوع عن القرار الصادر عن الغرفة الإدارية والقاضي بعدم اختصاص القضاء الإداري وإرجاع الوديعة إلى الطاعن وتأييد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالتعويض على أساس أن القضاء الإداري هو المختص في التعويض عن الخطأ القضائي.
وبنفس التاريخ، صدر قرار محكمة النقض عدد 987/2 في الملف عدد 630/4/1/2010 قاضيا برفض طعن الوكيل القضائي للمحكمة بالنقض وتأييد القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالتعويض.
ثانيا: أفكار وعبر
1 - من المعلوم أن الخطأ القضائي ليس هو الخطأ الذي يصدر به حكم قضائي قابل للطعن، بل هو الخطيئة التي تجعل من حكم نهائي مبرم لا يقبل أيا من الطعون العادية أو الإنسانية. وهي قدر مسلط على الإنسانية يبدو من المستحيل أو شبه المستحيل أن تتخلص منه بصفة نهائية، لأن القضاء ليس علما رياضيا ينتج فيه عن ضرب اثنين في اثنين أربعة بصفة حتمية.
يبدو من المفيد التذكير بأن فرنسا -وهي ما هي في المجال الحقوقي والقضائي- عرفت منذ القرن الرابع عشر خطايا كبيرة وقع فيها القضاء أولها قضية جون رايان في النصف الثاني من القرن الرابع عشر 1364 التي أعدم فيها شنقا، مرورا بقضية جون كالا في القرن السابع عشر التي أعدم فيها بعد أن تعرض لتعذيب فظيع، وقضية جوزيف لوسورك في القرن الثامن عشر والذي قطع رأسه بالمقصلة، وقضية لارونسر في القرن التاسع عشر الضابط الذي أدين بعشر سنوات سجنا، ثم قضية درايفوس في نهاية القرن المذكور وبداية القرن العشرين.
في هذا القرن الأخير وما بعده، ظهرت قضايا كريستيان رانوكشي في سنة 1974 الذي حكم عليه بالإعدام وباتريك ديلس في سنة 1989 ورضا دعلوش في سنة 1991 وقضية دوترو في سنة 2004.
وهناك قضايا أخرى تتعلق بأخطاء قضائية لا تدع مجالا للشك في أن هذه الأخطاء حتمية لا يسلم منها العمل القضائي في أرقى الدول.
لا يمكن بأية حال أن ننسى قضية كوامي أجامو الذي غادر أسوار السجن بأمريكا في 9 دجنبر 2014 بعد أن قضى به أربعين سنة، إثر الحكم عليه بالإعدام الذي نجا منه نتيجة خطأ تقني، ليظهر بعد عمر من السجن الوجه البشع للخطأ القضائي.
حين سأله القاضي الأمريكي بعد إعلان براءته أن يطلب أي تعويض يريده ويليق بعمره (دخل إلى السجن و هو في 17 ربيعا وخرج منه وعمره 57 سنة)، أجاب هذا الرجل الذي يستحق تمثالا لتضحيته وكلمته الرائعة وما نتج عنها:
«إنني أطلب إعادة النظر في القوانين التي تسببت في اعتقالي وتسليط هذا الظلم علي».
حينها قامت القاضية باميلا باركر من منصة القضاء وعانقته بحرارة.
إثر ذلك صدرت أوامر من البيت الأبيض بتشكيل لجنة من مستشارين وقضاة لإعادة النظر في القوانين.
وبعد أسبوع واحد، قام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بزيارة ضحية الخطأ القضائي في بيته وتناول معه وجبة عشاء من إعداد السيدة الأمريكية الأولى.
إذا كان هذا واقع الدول المتقدمة كفرنسا وأمريكا زعيمة العالم الحر، فإن الأخطاء القضائية بالدول المتخلفة سوف تكون -حسب طبيعة الأمور- أكثر وأنكى.. يضاف إليها أن إشراق شمس الحقيقة وظهور الخطأ لا يكون له نفس ردة الفعل التي تقع في الدول المتقدمة لا فيما يتعلق بجبر الضرر ولا فيما يتعلق بالاعتذار والعناية اللاحقة من أعلى سلطة في تلك الدول.
في بلدنا الممغرب الغريب تفرض الحقيقة على المرء أن يقول إن أخطاء القضاء في أحكام نهائية غير قابلة للطعن، كثيرة ولا تظهر منها إلا قمة جبل الجليد في مياه البحر.
إنني ألاحظ، في مرات متعددة وإلى غاية 2014، ولا أظن الوضع تغير كثيرا، أن هيئة الجنايات الاستئنافية يعرض عليها في الجلسة الواحدة أكثر من 170 ملفا في قضايا يصل الحد الأقصى للعقوبة فيها إلى الإعدام.
لذلك ومهما كان المجهود الذي يبذله السادة القضاة عظيما واستثنائيا، فإن أربعة آلاف قاضي، لأكثر من أربعة وثلاثين مليون من السكان، وضع غير مقبول، ولا يمكن أن ينتج سوى الوقوع في عدد كبير من الأخطاء القضائية، الخفي منها أعظم من الظاهر.
في العدد المذكور يجب اعتبار عدد القضاة العاملين في قاعات المحاكم أقل.. إذ أن منهم من يعمل في الوزارة ومنهم من يعمل خارج المغرب في إطار مهام محددة، ومنهم عدد كبير من المسؤولين الرؤساء أو الوكلاء الذين لا يشاركون في الحكم.
كم يبقى، إذن، من العدد الهزيل قياسا مع عدد القضايا؟
في ظل هذه الوضعية، لا يمكن لأية جهة رقابة أو تفتيش أن تدعي أنها تتوفر على الحد الكافي من الشفافية ومعرفة ما يجري حقيقة المهم هو الحفظ (le maintien)، أي تصريف اليومي وضمان الاستمرار عموما في إطار الممكن وفي ظل الإكراهات المعروفة والتي لا تسمح سوى بالإعلان عن النوايا الحسنة وتبادل الأفكار مع التغطية الإعلامية وكلام كثير وخطوات محدودة.. في شأن عظيم وخطير هو العدالة التي تعتبر مسؤولية الجميع.
يبقى أن فرنسا التي تحدثنا عن نماذج من أخطائها القضائية اقتنعت، رغم تقدم قضائها وإمكانياتها التي لا تقارن بالمغرب، أن عليها أن تطور مسطرة المراجعة موسعة أبوابها ومانحة فرصا أكثر للمتضرر من الخطأ القضائي من أجل افتكاك نفسه موازاة مع وجود المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان التي تقوم بمراجعة الأحكام القضائية باستقلال عن القضاء المحلي كلما كان هناك مس بمعايير المحاكمة العادلة في إطار عهود ومواثيق حقوق الإنسان.
لم يعد وزير العدل وحده يحتكر تحريك مسطرة المراجعة عملا بالفقرة الرابعة من الفصل 567 من المسطرة الجنائية بخصوص ظهور أدلة أو مستندات لم تعرض على المحكمة مصدرة الحكم، بل أصبح ذلك، منذ عقود، من حق المحكوم عليه أيضا.
كما لم يعد وزير العدل، منذ عقود، هو من يتلقى ويتفحص أوليا المطالب المتعلقة بالمراجعة ويعطي الضوء الأخضر لعرضها على الغرفة الجنائية بل تم إسناد الأمر إلى القضاء مباشرة.
وأصبحت مسطرة المراجعة مفتوحة في وجه أي متضرر من حكم قضائي يقدم، لتبرير طلب المراجعة، دليلا يخلق أدنى شك وليس فقط حين يقدم دليلا من شأنه إثبات البراءة.
وتمت المصادقة، مؤخرا في سنة 2014، من طرف الجمعية الوطنية الفرنسية على تأسيس محكمة للمراجعة تتكون من ثمانية عشر مستشارا من قضاة محكمة النقض.
يضاف إلى ذلك أن اختصاص النظر والبت في التعويض عن الضرر المستحق لضحايا الخطأ القضائي تم إسناده إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التي وقع في دائرتها الخطأ القضائي.
وفي هذا التعديل اختصار للمعاناة وإسعاف مستعجل لضحايا فقدوا حريتهم، بل وفقدوا كل شيء وخرجوا شيوخا من السجن بعد أن ولجوه بالخطأ شبابا إلى سجن آخر قضبانه من فقر ومرض وإقصاء.
فما أسرع ما نقوم به من تقليد لفرنسا في الحديث بلغتها حتى مع الأطفال في دور الحضانة والمدارس الابتدائية.. وما أبطأ ما نقوم به حين يتعلق الأمر بالمجال الحقوقي حتى لو كانت القضية جوهرية خالية من تسلل السياسة والأغراض الخاصة.
أخيرا في التعليق على القرارين اللذين جاء فيهما الفرج والإنصاف من محكمة النقض:
من جهة أولى، فإن القرار الصادر في إعادة النظر، التي تقدم بها السيد امحمد النوري ضد قرار الغرفة الإدارية القاضي بعدم اختصاص القضاء الإداري، أقر -من خلال نظرة ثاقبة- بأن إسناد الاختصاص إلى الغرفة الجنائية لدى محكمة النقض بمقتضى الفصل 573 من المسطرة الجنائية ما هو إلا استثناء، لأن المحكمة المذكورة محكمة قانون وأنه لا ينبغي التوسع في الاستثناء. وإن هناك حصرا لإمكانية رفع طلب التعويض إليها بحدود عرض القضية عليها حين مناقشتها للدعوى العمومية.
أما حين ترفع يدها عن القضية، فإن مطالب التعويض المقدمة اعتمادا على قرار المراجعة من حيث مبدأ المسؤولية والأشخاص وإن كانت تخضع لمقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 573 المذكور، فإنها تبقى مؤسسة على نص قانوني خاص باعتبار الأمر نشاطا من نشاطات أشخاص القانون العام تندرج ضمن اختصاص القضاء الإداري بمقتضى الفقرة الثامنة من القانون المحدث له.
وهذا النهج هو ما أكدته محكمة النقض في القرار الصادر لفائدة ورثة المرحوم عبد الواحد المولي حين اعتبر مسؤولية الدولة مسؤولية مقرره بمقتضى القانون الصريح دونما حاجة إلى الخوض فيما إذا كانت مسؤولية خطأ شخصي أو مسؤولية تحمل المخاطر واقتسام الأعباء.
من جهة ثانية، فإنه أقر في هذا القرار الأخير حق المتضرر في الإعفاء من الرسوم القضائية عملا بالفصل 574 من المسطرة الجنائية لا فرق بين المطالب المقدمة إلى الغرفة الجنائية حين نظرها في الدعوى العمومية أو المقدمة أمام القضاء الإداري.
والحكمة واضحة في هذا التوجه، لأن إنسانا فقد حريته وصحته وماله وأسرته وعلاقاته الاجتماعية، نتيجة الخطأ القضائي، لا يمكن أن نضع أمامه شرطا تعجيزيا يتمثل في أداء الرسوم القضائية الباهظة.
إن هذين القرارين كانت وراءهما الإرادة والعدل والاحترافية العالية بمحكمة النقض المغربية.
ويرجى أن يكون أثرهما العام كالجرس الذي يدق من أجل إيقاظ الضمائر وتحريك الهمم وتعديل ما يجب تعديله من نص يقتدى فيه بما وقع من إصلاح في جهات أخرى وتخفيف لمعاناة المقهورين وتوسيع دائرة الإنصاف والتيسير على هذه الفئة من الأبرياء الذين أصابهم سيف العدالة.. هذه العدالة التي يرمز لها الغربيون بذلك التمثال لامرأة تضع عصابة على عينيها وتمسك سيفا بيدها اليمنى.. قصدوا أنها في ضربها بالسيف، والعصابة على عينيها، لا تميز بين هذا وذاك. ولكنها تضرب، في الواقع بسيفها البتار، الأبرياء حين تخطئ في حقهم متى كانت عمياء عن رؤية الحقيقة.
* محام بهيئة
المحامين بالدار البيضاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.