يعاني الأطفال مرضى التوحد من صعوبات في ثلاثة مجالات تطورية أساسية، هي العلاقات الاجتماعية المتبادلة، اللغة والسلوك. ونظرا لاختلاف علامات وأعراض مرض التوحد من مريض إلى آخر، فمن المرجح أن يتصرف كل واحد من طفلين مختلفين، مع نفس التشخيص الطبي، بطرق مختلفة جدا وأن تكون لدى كل منهما مهارات مختلفة كليا. لكن حالات مرض التوحد شديدة الخطورة تتميز، في غالبية الحالات، بعدم القدرة المطلقة على التواصل أو على إقامة علاقات متبادلة مع أشخاص آخرين. وتظهر أعراض التوحد عند غالبية الأطفال في سن الرضاعة، بينما قد يشبّ وينمو أطفال آخرون ويتطورون بصورة طبيعية تماما خلال الأشهر أو السنوات الأولى من حياتهم لكنهم يصبحون وبشكل مفاجئ منغلقين على أنفسهم، عدائيين أو يفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها حتى تلك اللحظة. وبالرغم من أن كل طفل يعاني من أعراض مرض التوحد، يظهر طباعا وأنماطا خاصة به، إلا أن المميزات الأكثر شيوعا لهذا النوع من الاضطراب تتمثل في عدم استجابته عند المناداة عليه باسمه، لا يكثر من الاتصال البصري المباشر، غالبا ما يبدو انه لا يسمع محدثه، يرفض العناق أو ينكمش على نفسه، يبدو انه لا يدرك مشاعر وأحاسيس الآخرين، يحب أن يلعب لوحده، يعيش في عالمه الخاص به. إلى جانب المهارات الاجتماعية نجد على أن الطفل التوحدي يشرع في نطق الكلمات في سن متأخرة مقارنة بالأطفال الآخرين، يفقد القدرة على قول كلمات أو جمل معينة كان يعرفها في السابق، يقيم اتصالا بصريا حينما يريد شيئا ما، يتحدث بصوت غريب أو بنبرات وإيقاعات مختلفة، يتكلم باستعمال صوت غنائي، لا يستطيع المبادرة إلى محادثة أو الاستمرار في محادثة قائمة، كما أنه قد يكرر كلمات، عبارات أو مصطلحات، لكنه لا يعرف كيفية استعمالها. وإضافة إلى ما سبق فإن من بين الأعراض الأخرى عند المصاب بالتوحد نجد قيامه على مستوى السلوك بحركات متكررة مثل الدوران في دوائر أو التلويح باليدين، ينمي عادات وطقوسا يكررها دائما، يفقد سكينته لدى حصول أي تغير حتى البسيط منها، دائم الحركة، يصاب بالذهول والانبهار من مواد معينة، شديد الحساسية بشكل مبالغ فيه للضوء، للصوت أو اللمس، لكنه غير قادر على الإحساس بالألم. ويعاني الأطفال الصغار في السن من صعوبات عندما يطلب منهم مشاركة تجاربهم مع الآخرين، وعند قراءة قصة لهم، على سبيل المثال، لا يستطيعون وضع أصبعهم على الصور في الكتاب. هذه المهارة الاجتماعية، التي تتطور في سن مبكرة جدا هي ضرورية لتطوير مهارات لغوية واجتماعية في مرحلة لاحقة من النمو. وكلما تقدم الأطفال في السن نحو مرحلة البلوغ، يمكن أن يصبح جزء منهم أكثر قدرة واستعدادا على الاختلاط والاندماج في البيئة الاجتماعية المحيطة. ليس هناك عامل واحد ووحيد معروف باعتباره السبب المؤكد بشكل قاطع لمرض التوحد، لكن من المرجح وجود عوامل عديدة لأسباب المرض، والتي يلخصها المختصون في: عوامل وراثية: فقد اكتشف الباحثون وجود عدة جينات يرجح أن لها دورا في التسبب في التوحد، بعض هذه الجينات يجعل الطفل أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب، بينما يؤثر بعضها الآخر على نمو الدماغ وتطوره وعلى طريقة اتصال خلايا الدماغ فيما بينها. ومن الممكن أن جينات إضافية أخرى تحدد درجة خطورة الأمراض وحدتها. وقد يكون أي خلل وراثي، في حد ذاته وبمفرده، مسؤولا عن عدد من حالات التوحد لكن يبدو في نظرة شمولية أن للجينات بصفة عامة تأثيرا مركزيا جدا بل حاسما على اضطراب التوحد. وقد تنتقل بعض الاعتلالات وراثيا بينما قد تظهر أخرى غيرها بشكل تلقائي. عوامل بيئية: جزء كبير من المشاكل الصحية هي نتيجة لعوامل وراثية وعوامل بيئية، مجتمعة معا. وقد يكون هذا صحيحا في حالة التوحد أيضا. ويفحص الباحثون في الآونة الأخيرة احتمال أن تكون عدوى فيروسية، أو تلويثا بيئيا "تلوث الهواء تحديدا"، عاملا محفزا لظهور مرض التوحد. عوامل أخرى: هناك عوامل أخرى أيضا تخضع للبحث والدراسة في الآونة الأخيرة، تشمل مشاكل أثناء مخاض الولادة، أو خلال الولادة نفسها، ودور الجهاز المناعي في كل ما يخص التوحد. ويعتقد بعض الباحثين بأن ضررا في اللوزة، وهي جزء من الدماغ يعمل ككاشف لحالات الخطر، هو احد العوامل لتحفيز ظهور مرض التوحد.