بحلول سنة 2011 يودع العالم العقد الأول من الألفية الثالثة. ورغم زخم الالأحداث التي ميزت هذه العشرية وصعوبة جردها تحت طائلة الاختزال، فمع ذلك يمكن أن نفرز مجموعة من الظواهر التي وسمت هذه الفترة التي ستستمر تداعياتها على النظام الدولي برمته. فبشكل بازر بدأت العشرية بظاهرة الإرهاب، وتنتهي بالأزمة الاقتصادية. ومصاعب الديموقراطية في مجموعة من الدول. وفي مقابل ذلك تمثل الثورة الرقمية والثورة الخضراء أحد المكونات الأساسية التي ستقلب العالم. وفيما يتعلق بالمغرب فإن تدبير قضية الوحدة الترابية كان من الملفات الأساسية التي استأثرت بالاهتمام في سياق جملة من الإصلاحات التي ميزت العهد الجديد. 1 - أين وصل الإرهاب؟ في 11 شتنبر 2001 شهدت مدينة نيويورك أعنف عملية إرهابية تشهدها الولاياتالمتحدة في تاريخها، وترجع أهميتها إلى كونها هزت قلعة كانت تعتبر نفسها في منأى عن الإرهاب الذي كان الأمريكيون يعتقدون أنه مقصور على العالم القديم ودول أخرى. وبصرف النظر عن الخسائر المادية والتحليلات المتعلقة بالقوى الكامنة وراء هذه العملية، فمن المؤكد أن هذه الهزة التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة أثرت بشكل جلي على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل تواجد تيار المحافظين الجدد. فتحت شعار الحرب على الإرهاب ستقود الادارة الامريكية حربين: الأولى ضد أفغانستان، والثانية ضد العراق. وعلى الجبهتين، إذا كانت الولاياتالمتحدة قد حققت نصرا سريعا ضد نظام طالبان وضد نظام صدام حسين، فإنها أخفقت بشكل واضح في تدبير مرحلة ما بعد الحرب، كما تؤشر على ذلك الصعوبات التي تعرفها الساحة العراقية والقلق السائد اليوم حول مآلية الحرب في أفغانستان. فالكثيرون يشكون في قدرة القوات الأمريكية المسنودة بقوات الحلف الاطلسي على تحقيق نصر عسكري، وبالتالي يدعون إلى حل سياسي تشارك فيه حركة طالبان من خلال بعض معتدليها. في نفس الوقت فإن الممارسة الأمريكية، التي أعطت الأولوية للقوة، لم تساهم إلا في تأجيج الإرهاب، حيث أن دولا متعددة لم تنج من شظاياه، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب وإسبانيا والأردن ومصر... ربما كان العنصر الإيجابي لهذا المنحى العدواني يتمثل في تدني شعبية المحافظين الجدد والحزب الجمهوري عموما. وهو ما فتح الباب أمام انتخاب الرئيس باراك أوباما، وهو ما شكل سابقة، حيث لأول مرة يصوت الشعب الأمريكي على انتخاب رئيس أسود. وقد حاول الرئيس الجديد إعادة تلميع صورة الولاياتالمتحدة من خلال خطابات أكثر انفتاحا على باقي العالم، وأكثر رغبة في تجسير الفجوة التي خلقها سلفه خاصة في مقاربته للعالم الإسلامي. وقد عبر عن ذلك من خلال خطاب القاهرة في يونيو 2009 وكذلك عن طريق التزامه بإيجاد تسوية لنزاع الشرق الأوسط. لكن على شاكلة الرؤساء السابقين لم يستطع أن يذهب بعيدا في مواجهة التعنت الذي أبداه الوزير الأول الإسرائيلي نتانياهو الذي رفض تجميد بناء المستوطنات. واستمر في فرض شروط التفاوض مع الجانب الفلسطيني. وإذا كان الرئيس أوباما، وهو يعبر نصف مدته بإخفاق في الشرق الاوسط وفي انتخابات الكونغريس، فإنه مع ذلك استطاع على الأقل تهدئة العلاقة المتوترة التي كانت تسم الولاياتالمتحدة مع بعض أجزاء العالم. وربما يكون هذا من العوامل التي جردت الحركات الإرهابية من بعض مبرراتها. هل يعني ذلك نهاية الإرهاب؟ كلا، ففي مجموعة من الدول مازالت الخلايا الإرهابية قادرة على الحركة، لكن من الواضح أنها لم تعد تتمتع بنفس الهالة والتعاطف والقدرة على التحرك. ففي كثير من الدول تعرضت لضربات موجعة، فرضت عليها إعادة الانتشار نحو مناطق سمتها البارزة ضعف الدولة، بسبب سيطرة العشائرية والقبلية وقلة الإمكانيات. 2 - مصاعب الديموقراطية إذا كانت الولاياتالمتحدة قد تمكنت من تحقيق نقلة ديموقراطية مهمة من خلال انتخاب رئيس أسود، وكذلك الأمر بالنسبة لغينيا التي شهدت لأول مرة انتخابات رئاسية تعددية أفضت إلى صعود رئيس جديد، علاوة على دول أخرى باتت فيها عملية التداول على السلطة تتم بانسيابية ملحوظة، ففي دول أخرى مازالت قواعد اللعبة الديموقراطية غير محترمة. ومازال الاقتراع العام غير دال على توجهات المجتمع السياسية، وخاصة ما يتعلق بالتعددية التي تعتبر أحد أركان الديموقراطية. ففي أفغانستان يبدو أن إعادة انتخاب حميد كرازي تصاحبت بخروقات انتخابية كبيرة. وأكثر من ذلك تطرح شكوكا حول قدرته على محاربة الفساد وتحسين شروط الحكامة الجيدة. وفي العراق مازالت العملية الديموقراطية التي ترعاها الولاياتالمتحدة، لا تتسم بالسلامة الضرورية التي تحقق النجاعة. فقد كان ضروريا أكثر من تسعة أشهر لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات. ومرد ذلك إلى الاختلافات الواضحة التي برزت بين أياد علاوي ونوري المالكي الذي تمكن أخيرا من تشكيل حكومة دون توزيع كامل لجميع حقائبها. وفي إيران ترافقت الانتخابات الرئاسية التي كرست الرئيس أحمدي نجاد مجددا بانتقادات واحتجاجات عكست الصراع بين المحافظين والمعتدلين في خضم العزلة المستمرة التي تواجهها البلاد نتيجة العقوبات الأممية المفروضة كرد فعل على أسلوب تدبير الملف النووي. وفي مصر أثارت الانتخابات التشريعية انتقادات واسعة. ويبدو أن الممارسة الديموقراطية لم تخرج رابحة. ويكرس ساحل العاج اليوم مصاعب الانتقال الديموقراطي بفعل رفض الرئيس السابق الامتثال لصناديق الاقتراع. وبفعل ذلك قد يعرض البلاد لحرب أهلية تزيد من مصاعبه في حالة إصراره على تحدي الإرادة الدولية، التي عبرت عن رفضها لمثل هذه الممارسات التي عفا عنها الزمن. 3 - العالم في ظل الازمة الاقتصادية في بداية العشرية كان من الصعب تصور أن العالم سيتعرض لأزمة اقتصادية ستغير الكثير من المعطيات. فقد كان الاعتقاد السائد أن الليبرالية قد اكتسبت مناعة. ولم يعد هناك ما ينغص من انتصارها. لكن هذا الاعتقاد بدأ يهتز مع الأزمات الغذائية الناتجة عن عدة عوامل من بينها ارتفاع أسعار البترول إلى درجات قياسية كان يصعب معها التكهن بتداعياتها على كثير من الدول التي لا تتوفر لها الموارد الكافية لمواجهة الارتفاعات المسجلة. وفي هذا المناخ انفجرت الأزمة العالمية التي انطلقت في الولاياتالمتحدة بأزمة الرهن العقارية قبل أن تسري إلى القطاع البنكي والمالي لتتحول رإلى أزمة اقتصادية عصفت بالملايين من مناصب الشغل، قبل أن تتحول إلى أوربا وتهز دولا كانت تعتبر من أنشط الاقتصاديات، كما هو الأمر بالنسبة لإسبانيا. وبالرغم من برامج إنعاش الاقتصاد، والتدخلات القوية للحكومات، فإن اقتصاديات مجموعة من الدول، كما هو الأمر بالنسبة لإسبانيا واليونان وإيرلندا والبرتغال توجد في وضعية صعبة بسبب تفشي البطالة وقساوة الإجراءات التقشفية التي التجأت إليها مضطرة حكومات تلك الدول لإعادة إنعاش الاقتصاد والحيلولة دون الانهيار الشامل... وبفعل هذه الأزمة باتت أوربا تطرح تساؤلات مقلقة حول بعض القضايا كما هو الشأن بالنسبة للارو واستمرار البناء الأوربي نفسه. لكن مما يخفف من الأزمة الاقتصادية كونها لم تمس جزءا من الاقتصاد العالمي، وهو المتمثل في اقتصاد الدول الصاعدة، كما هو الأمر بالنسبة للصين والهند والبرازيل والمكسيك. وهي المعاينة التي تجعل بعض المحللين يحجمون عن الحديث عن أزمة عالمية. على صعيد آخر، فقد أفرزت هذه الأزمة حقائق جديدة على مستوى الحكامة. فسرعان ما بدا واضحا أنه لايمكن الاقتصار على مجموعة الثمانية، بل لا مناص من توسيعها لتشمل دولا أخرى أصبح لها دور اقتصادي مهم، ومن ثم، كان المرور إلى مجموعة العشرين، بل أكثر من ذلك، فإن القمة الأخيرة التي التأمت في سيول،قد بينت أن الصراع الاقتصادي بات منحصرا في قطبين، وهما الولاياتالمتحدة والصين في ظل الصعوبات التي تواجهها دول الاتحاد الاوربي. ففي كل المنتديات التي تهتم بشؤون العالم غير السياسية يبدو التنافس واضحا بين الصين و الولاياتالمتحدة، كما هو الأمر بالنسبة لمؤتمر كوبنهاغن حول التغيرات المناخية. وهذا يعني أنه لايمكن اليوم الاستغناء عن الولاياتالمتحدة التي تبقى قوة عظمى، لكن في نفس الوقت لم يعد بإمكانها أن تستأثر لوحدها بتدبير شؤون العالم خاصة في المجالات غير الأمنية. 4 - الثورة الرقمية خلال العقد الأخير شهد العالم تحولا رقميا هائلا. فالتكنولوجيات الرقمية تتطور بشكل هائل. فاليوم يوجد على الأقل واحد من بين شخصين في العالم يتوفر على هاتف نقال. ويبين تقرير صادر عن الاتحاد العالمي للاتصالات أن خطوط الهاتف الثابت لم تتعد المليار إلا بعد 125 سنة، وأن الراديو والتلفزة والحاسوب قد قضت 50 سنة لتتعمم. في حين أن الهاتف النقال كانت تكفيه 20 سنة للوصول إلى نفس الهدف. وينطبق الأمر على الانترنت الذي يتعمم بسرعة. اقتصاديا، فإن التيكنولوجيات الجديدة تمثل اليوم ما يناهز %7 من الناتج القومي العالمي. إن استمرار هذا التطور السريع سيفضي إلى تغييرات عميقة في كافة مناحي الحياة. وبقدر ما ستيسر من نفاذ الإنسان إلى مزيد من المعلومات التي أصبحت متوفرة، والتي تتحدى أكثر فأكثر فضاء السرية، كما برز ذلك مؤخرا من خلال تسريبات موقع ويكليكس لبرقيات الدبلوماسيين الأمريكيين، علاوة على سهولة التواصل والتنقل من خلال مواقع اجتماعية كالفسبوك وتويتر التي باتت توفر فرصا هائلة للنقد والاحتجاج وفضح بعض الممارسات والتعبير عن التضامن الذي يخترق الحدود بشكل يمارس مزيدا من الضغوط على الفاعلين السياسيين. لكن هذه الثورة الرقمية تطرح على الحكومات والأفراد تحديات جديدة فيما يتعلق بضبط وحكامة هذه التكنولوجيات الجديدة، وخاصة فيما يرتبط بالجريمة والإرهاب... في نفس السياق، فإن الثورة الرقمية لاتتم بنفس الوتيرة. فالحديث قائم حول الهوة الرقمية التي تتسع بين الأغنياء والفقراء. ويظهر تقرير صادر عن الاتحاد العالمي للاتصالات متعلق بمعطيات سنة 2008، أن أفريقيا تظل الأضعف فيما يتعلق بالنفاذ إلى الانترنت، حيث لاتتجاوز النسبة %5 من الساكنة. في نفس الوقت، فإن أسعار اللجوء إلى التقنيات الجديدة مازالت متفاوتة بين الدول بشكل واسع. فالولاياتالمتحدة وسنغافورة والدانمارك تعتبر من الدول الرخيصة فيما يتعلق بأسعار هذه التكنولوجيات، حيث لاتتجاوز النسبة ما بين 0,4 و%0,6 من الناتج القومي المتوسط، في حين قد تصل في بعض الدول إلى %50 من الناتج القومي المتوسط للمواطن. مما يقلص من استعمال هذه التكنولوجيات الجديدة. من ثم لا مناص من تفعيل الإجراءات التي تمت المناداة بها خلال قمة المجتمع والمعرفة التي انعقدت أشغالها في جنيف وتونس، والتي من بينها مناهضة الحواجز ذات الطابع السياسي التي تضعها بعض الحكومات في وجه نفاذ مواطنيها إلى المعلومة الإلكترونية. 5- الاقتصاد الأخضر الأزمة الاقتصادية التي يعرفها العالم والتغيرات المناخية الناتجة عن الاختلالات الكبيرة التي شهدها التوازن البيئي، تفرض اليوم على الإنسانية الانخراط في اقتصاد جديد يسمح بالاستجابة للحاجيات مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الإبقاء على التوازن الإيكولوجي اللازم لاستمرار الحياة. في قلب هذا الاقتصاد الأخضر تبرز المسألة الطاقية التي تفرض اليوم ضرورة تغيير التفاعل مع الطاقة إنتاجا واستهلاكا. فلا مناص من ثورة طاقية تسمح باستعمال مصادر جديدة للطاقة متجددة وغير ملوثة، مخالفة لما كان عليه الشأن بالنسبة للطاقات الأحفورية التي تصل تدريجيا إلى مرحلة النضوب. وتفرض التحديات البيئية على الإنسانية برمتها تحديين أساسيين: يتمثل الأول في اتخاذ إجراءات متعددة لمنع ارتفاع نسبة الزيادة في درجة الحرارة أكثر من درجتين. ويتطلب الأمر، كما نص على ذلك برتوكول كيوتو، خفض نسبة الغازات بنسبة لاتقل عن 20 . وهو الأمر الذي لم تلتزم به القوتان الأكثر تلويثا في العالم، وهما الولاياتالمتحدة والصين. وأما الإجراء الثاني فهو مساعدة الدول وخاصة منها تلك التي لاتتوفر على موارد من القيام بهذه النقلة الخضراء. ويحسب لقمة كانكون الأخيرة أنها وافقت على إنشاء صندوق لمساعدة هذه الدول، وخاصة منها الأفريقية، حيث أن أفريقيا رغم نسبتها الضئيلة في التلوث العالمي، فهي من القارات التي ستعاني من التغيرات المناخية وخاصة في شكل جفاف سيرفع من نسبة اللاجئين والمشردين الايكولوجيين. 6- المغرب في العقد الأخير اقترن العقد الأخير بتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش بعد وفاة والده الراحل الحسن الثاني. وخلال هذه العشرية برزت ملامح التغيير في المجال الاقتصادي والاجتماعي، من جهة عبر أوراش مهيكلة ارتكزت على تدعيم بعض البنيات التحتية كما هو الأمر بالنسبة لميناء المتوسط في طنجة أو بالنسبة لشبكة الطرق السيارة التي توسعت بشكل ملموس. في نفس السياق لا يمكن إلا أن نتلمس الجهود الواضحة في ما يتعلق بمواجهة الخصاص الاجتماعي سواء على المستوى المجالي، حيث إن مناطق الشمال والشرق سجلت مجهودات ملموسة أو كما هو الشأن بالخصوص بالنسبة لمبادرة التنمية البشرية التي هيكلت السياسة الاجتماعية منذ سنة 2005. وقد ترافق كل ذلك بالعمل على طي صفحة الماضي في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان. وكانت تجربة هيئة الانصاف والمصالحة من التجارب المتميزة في هذا المجال، والتي مازالت توصياتها لم تطبق كاملة، خاصة في ما يتعلق بالحكامة الامنية. لكن هذه الجهود الاصلاحية التي مست مناح متنوعة لم تنعكس بالقدر الكافي والمطلوب على الحقل السياسي، فقد أفرزت انتخابات 2007 نسبة عالية من العزوف السياسي كاشفة عن عمق الهوة القائمة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي. وبالرغم من ردود الفعل المتنوعة الداعية إلى مناهضة هذه الظاهرة ورد الاعتبار إلى السياسة، فإن الممارسة تكشف عن عكس ذلك. فالسياسة تعيش أزمة عامة على مستوى القيم والممارسات. وهذا الواقع قد يضعف من جدوى الجهود الاصلاحية اذا لم تع الطبقة السياسية برمتها ضرورة وحيوية إعادة الثقة للمواطن في مؤسساته سواء منها الرسمية أو الحزبية أو النقابية. بل أكثر من ذلك قد تعرض المصالح العليا لبلادنا للخطر إذا لم تواجه بوضوح كما كشفت عنه بعض النقاشات التي رافقت عملية تفكيك مخيم العيون. وهي التي تضعنا في قلب تدبير قضية الوحدة الترابية. لقد ظهرت إرادة واضحة في تبني مقاربة جديدة وهي التي ستتزامن مع اقتناع المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر بالبحث عن حل ثالث بعدما تبين أن الاستفتاء بات مستحيلا بسبب العراقيل التي انتصبت في طريق تنظيمه. وتفاعل المغرب مع جهود المبعوث الأممي سواء عبر الاتفاق الاطار الذي نال ارتياح بلادنا، لكن الخصوم تمكنوا من نسفه، أو عبر مخطط بيكر الثاني الذي قبله الخصوم ورفضناه لأنه كان يهيء كل الشروط لاستقلال الصحراء و كان على المغرب ان يعبئ كل طاقاته لإفشال ذلك المخطط الذي كان جيمس بيكر يسعى إلى فرضه من خلال اللجوء إلى الفصل السابع للميثاق. وكانت استقالة هذا الاخير بمثابة انتصار للدبلوماسية المغربية وتكريس للمقاربة القائمة على أساس البحث عن حل متفاوض عليه ومقبول من الطرفين. أكثر من ذلك وفي سياق هذه الدينامية ،فقد استطاع المغرب أن يحقق امتيازا استراتيجيا عندما قدم مشروع مبادرة الحكم الذاتي التي استقت روحها من المعايير الدولية في هذا المجال. الأمر الذي مكن من إطلاق دينامية للتفاوض لم تفض لحد الساعة إلى نتائج ملموسة على درب التسوية. أمام هذا الامتياز الدبلوماسي المغربي، بادر خصوم المغرب إلى تغيير أسلوب المواجهة. وربما ظهر واضحا أن المعركة لم تعد قائمة في تندوف، بل يراد نقلها إلى الاراضي الصحراوية نفسها مستفيدة من أجواء الحركية التي تعرفها بلادنا والتي سمحت بترويج حتى الأطروحة الانفصالية. وهو أمر ما فتئ يطرح علينا سؤال التدبير. وبرز بشكل واضح في قضية تفكيك مخيم العيون. لقد قيل وكتب الشيء الكثير حول هذا الموضوع. وهناك اليوم لجنة برلمانية لتقصي الحقائق ستسلط الأضواء حول ما وقع ولماذا وقع، وستحاول الاجابة عن السؤال الجوهري وهو: لماذا ترك هذا المخيم يتكون ويتضخم؟ ما هي القوى المسؤولة عن ذلك؟ علينا أن نقر أن ما وقع وتفاعلنا مع ردود الفعل التي رتبها وخاصة قرار البرلمان الأوربي القاضي بإنشاء لجنة دولية للتحقيق وكذلك قرار البرلمان الاسباني يتطلب منا التعامل ليس فقط من خلال ردود فعل انفعالية، ولكن من خلال البحث عن مظاهر الخلل في تدبيرنا لهذه النازلة لتحديد درجة المسؤوليات. ومن الواضح أن هذا التقييم ينبغي أن ينصرف إلى جميع الجوانب سواء منها المحلية أو الوطنية أو الجهوية. هناك إجماع حول مغربية الصحراء لا جدال فيه و هو مصدر قوتنا، ولكننا كمجتمع يرنو إلى الديمقراطية والحداثة لا يمكن أن يخلو من تمايزات في ما يخص تدبير بعض تفاصيل وتطورات هذا الملف. فالدبلوماسية الرسمية هي قاطرة تدبير الملف لأن العلاقات الدولية هي بالدرجة الأولى علاقات بين دولتية. ولكن لا شيء يغني هذه الدبلوماسية عن الاستماع وإشراك مختلف الأصوات خاصة منها النابعة من الأحزاب السياسية ومن المجتمع المدني، خاصة وأن معالجة هذه القضية تستقطب أبعادا متعددة وفاعلين مختلفين. وما فتئنا منذ سنوات ندعو إلى إحداث مجلس للشؤون الخارجية على شاكلة منظمة غير حكومية متمتعة بالنفع العام مكونة من فعاليات فكرية وممارسة تغني المقرر بتحاليل ومقترحات في هذا الشأن وتعبر عن المغرب المتعدد والمتنوع. من الواضح أن خصومنا سيواصلون مناوراتهم واستعمال كل الأوراق لإفشال مبادرة الحكم الذاتي لكننا نملك الكثير من الأوراق. فنحن موجودون فوق الارض منذ أكثر من 35 سنة، غيرنا من خلالها بشكل ايجابي ملامح المناطق الصحراوية. وفي هذا السياق علينا أن نقنع العالم ان ذلك ثمة استثمارات مغربية هائلة رصدت لها موارد مهمة. ومن الخطأ الاعتقاد أن وجودنا هو استغلال لثروات هذه المناطق، فنحن نؤدي وطنيا واجب ادماج هذه المناطق ضمن النسيج الوطني. وبنفس المنطق علينا أن نقنع العالم أن جبهة البوليزاريو ليست الممثل الأوحد للسكان الصحراويين. فهناك أطراف أخرى يمكن أن تقوم بذلك شريطة أن تتحرك فعليا للتعبير عن مغربيتها. في نفس الوقت، فإن المجتمع الدولي مطالب بالضغط على البوليزاريو والجزائر لمعرفة حقيقة أوضاع سكان مخيمات تندوف، ومدى الفرص المتاحة لهم للتعبير عن مواقفهم إزاء التطورات والمقترحات التي تعرفها هذه القضية. وبنفس الإصرار علينا أن نواصل إقناع الدول الأخرى أن قيام كيانات قزمية لايمكن إلا أن يخدم المصالح الآنية للجزائر، ولكنه يزيد من عوامل الزعزعة في المنطقة لاسيما في ظل التحولات التي يعرفها الارهاب خاصة في منطقة الساحل الصحراوي. على المدى القريب ستواجه الدبلوماسية المغربية تحديا أساسيا في أبريل الماضي، حيث سيناقش مجلس الأمن على ضوء تقرير الأمين العام مسألة تجديد المينورسو. وستكون فرصة لخصومنا للمطالبة بتوسيعها لتشمل مراقبة احترام حقوق الانسان. وبالمقابل ستمثل بالنسبة لنا فرصة للتأكيد على أن المغرب بما يملكه من رصيد، قادر على أن يدبر أوضاع حقوق الانسان على امتداد التراب الوطني في ظل القانون. إن قوة المقاربة المغربية للصحراء خلال العقد الماضي نبعت بالأساس من الإصلاحات الديمقراطية التي ساهمت في تحسين صورة المغرب. واكتساب مركز الوضع المتقدم في العلاقات مع الاتحاد الأوربي هو اعتراف بالخطوات التي تمت. كل ذلك يطرح علينا عبء تكريس هذه الصورة ومنع كل ما من شأنه أن يشوهها. ومع إطلالة سنة جديدة عن عقد جديد لا يقل تحديات ومخاطر ،نحن اليوم مطالبون بتمتين هذا الرأسمال. ولن يتم ذلك إلا بمزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والسعي الحثيث نحو العدالة الاجتماعية في ظل التعددية البناءة الضرورية لكل تقدم ديمقراطي حداثي.